الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن ناصر السعدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - الصيام |
فكم سعد في هذه الليلة أقوام، وكم لله فيها من جزيل الفضل وواسع الأنعام، وكم أعتق فيها المسرفون من النار، حين أخلصوا لربهم وأكثروا من التوبة والاستغفار، وكم صفى فيها للصفوة من قلوب نيرة وأسرار، وكم أغدق على قلوبهم من المعارف العالية, فصاروا من
الحمد لله البر الرحيم, الجواد الكريم, ذي الفضل العظيم، والإحسان المتواتر العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, المتفرد بالكمال, وحسن الأفعال والبر الجسيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم, اللهم صل وسلم على محمد, وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم فسلك الصراط المستقيم.
أما بعد:
أيها الناس, اتقوا الله تعالى، قال تعالى: (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الدخان:1-6].
وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر:1-5].
انظروا -رحمكم الله- ما احتوت عليه هذه الآيات من فضيلة هذه الليلة وشرفها، وما تضمنته من برها وخيرها وتحفها.
ليلة خصها الله بإنزال القرآن، الذي فيه الهدى والرحمة والفرقان، وفيه أنقذ الله العباد من الشقا والخسران.
ليلة مباركة في كثرة خيراتها، مباركة في سعة فوائدها ومبراتها؛ من بركتها أنها تفوق ليالي الدهر، (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:3].
ومن بركتها أن من قامها إيماناً واحتساباً, غفر له ما تقدم من ذنوبه، ومن قامها محتسباً, أصلح الله أحواله, وستر عيوبه، ومن دعا الله فيها بقلب حاضر خالص, أجابه وأتاه مطلوبة.
قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله, إن وافقتُ ليلةَ القدر فبم أدعو؟ قال: " قولي اللّهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
فهكذا كانت حالةُ الصفوة الأخيار ينافسون في هذه الليلة, ويلتجئون إلى الملك الغفار.
أما يحق لك أيها المؤمن, أن تجرد قلبك في هذه الليلة من جميع الأشغال؟ وأن تقبل بكليتك إلى طاعة ذي العظمة والجلال؟
وأن تعترف بذنوبك وفاقتك وافتقارك؟
وأن تتوسل إليه مخلصاً في خضوعك وانكسارك؟
تقول: يا رب قد عظمت مني الذنوب، يا رب قد تكاثرت عليَّ الخطايا والعيوب، يا رب أنا الفقير المعدم المضطر إليك، يا ربك لا ملجأ لي منك إلا إليك؟ إن رددتني من يقبلني؟ وإن خيبتني من يصلني؟ وإن حرمتني من يعطيني؟ وإن أبعدتني فمن الذي يقربني ويدنيني؟
لا رب لي غيرك, ولا إله لي سواك، ولا أستعين بغيرك, ولا أعبد إلا إيَّاك، أنت الذي خلقتني ورزقتني، وأنت الذي واليت عليَّ النعم وعافيتني.
آلاؤك تتوالى علي الليل والنهار، ونعمك ليس لها حد ولا منتهى، ولا انحصار.
أرجوك في هذه الليلة الكريمة أن تغفر ذنوبي، وأن تصلح فاسدي وناقصي وعيوبي، وأن تسعفني يا مولاي بمطلوبي.
ويحق لك أن تدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم, الذي جمع خير الدنيا والآخرة، وشمل حصول النعم الباطنة والظاهرة، فتقول: " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري, وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي, وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي, واجعل الحياة زيادة لي في كل خير, والموت راحة لي من كل شر".
اللهم رحمتك أرجوا، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
لعلك تصادف ساعة إجابة, تسعد فيها سعادة لا تشقى بعدها، ولعلك توافق نفحة من نفحات الكريم, تصلح أمورك بها.
فكم سعد في هذه الليلة أقوام، وكم لله فيها من جزيل الفضل وواسع الأنعام، وكم أعتق فيها المسرفون من النار، حين أخلصوا لربهم وأكثروا من التوبة
والاستغفار، وكم صفى فيها للصفوة من قلوب نيرة وأسرار، وكم أغدق على قلوبهم من المعارف العالية, فصاروا من خيرة الأبرار؟
اللهم وما قسمت في هذه الليالي المباركة من خير وبر وفضل وإحسان، فاجعل لنا منه أوفر الحظ وأشمل الامتنان، وما قسمت فيها من شر وبلاء, فاصرفه عنا في كل وقت وأوان.
اللهم خذ بنواصينا إليك، وأقبل بقلوبنا إليك، ولا تحرمنا خير ما عندك, بشر ما عندنا, يا أرحم الراحمين.