الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | مراد كرامة سعيد باخريصة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
من أعظم الممارسات الخاطئة والأفعال الشنيعة التي تصدر من بعض الشباب في رمضان، هي: ترك الصيام، والتساهل فيه، والإفطار في نهار رمضان عمداً بلا عذر، وما كنا نتوقع أن يحدث هذا لولا أننا رأينا وسمعنا عدداً من الحالات في هذا الأمر. فهناك شباب يختبئون في أماكن بعيدة من البيوت، وبعيدة عن الأنظار، يجلسون فيها يـ....
الخطبة الأولى:
عباد الله: لم يبقَ بيننا وبين شهر الفضل والخير والإحسان إلا أياماً معدودة، وليال محدودة، نستقبل بعدها سيد الشهور وأفضلها عند الله.
شهر عظيم مبارك فيه أنزل القرآن، وفيه يكون الصيام رابع ركن من أركان الإسلام، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم خيراً كثيراً.
يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185].
ويقول نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ - عز وجل - عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ".
لا نريد اليوم أن نتحدث عن فضل رمضان وخصائصه ومميزاته، فجمعينا يعلم هذا وسمع به كثيراً في كثير من المواعظ والخطب، ولكن نريد أن نتحدث عن جملة من الأخطاء التي تصدر من بعضنا في هذا الشهر المبارك.
ومن أعظم الممارسات الخاطئة والأفعال الشنيعة التي تصدر من بعض الشباب في رمضان، هي: ترك الصيام، والتساهل فيه، والإفطار في نهار رمضان عمداً بلا عذر، وما كنا نتوقع أن يحدث هذا لولا أننا رأينا وسمعنا عدداً من الحالات في هذا الأمر.
فهناك شباب يختبئون في أماكن بعيدة من البيوت، وبعيدة عن الأنظار، يجلسون فيها يخزنون ويفطرون والناس صيام.
وهناك شكاوى تصل من آباء وأمهات يخبرون فيها عن ترك أبنائهم للصيام، وتفريطهم فيه، بل شكاوى تصل إلى العلماء من زوجات يشتكين من أزواجهن بفطرهم في نهار رمضان.
هذه حالات موجودة، وتصدر من بعض الشواذ من الناس، وهي حالات قليلة، ولكن مجرد وجودها ووقوعها أمر عظيم، لا يتوقع ولا يتصور أن يحدث خاصة وأننا في مجتمع مسلم محافظ، والحمد لله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة: 183-184].
من الأخطاء الفادحة أيضاً: أن يصوم البعض في نهار رمضان من أذان الفجر إلى أذان المغرب، لكنه للأسف الشديد يصوم ولا يصلي بعض الصلوات خاصة صلاة الظهر والعصر، فهناك شباب ينامون من الفجر إلى العصر، ثم يقوم قرب المغرب، فيغتسل ويفطر، ثم يسهر إلى وقت السحر ويتسحر، وربما يصلي الفجر أو لا؟!
وهذا خلل كبير كيف يصوم الإنسان ولا يصلي مع أن الصوم هو الركن الرابع من أركان الإسلام، والصلاة هي الركن الثاني، والركن الثاني مقدم بلا شك على الركن الرابع.
وإذا كان لا يجوز للإنسان أن يصوم جزء من نهار رمضان، ثم يفطر، فكذلك لا يجوز له أن يصلي بعض الفروض دون بعض.
وأي لذة ستكون للصوم حينما يكون الصائم قاطعاً للصلاة، أو مفرطاً فيها يصلي بعض الصلوات ويترك بعضها، فيجب الانتباه لهذا الأمر، وترك التساهل فيه، وليعلم هؤلاء أنه لا قيمة للصيام أبداً إذا كانت لا تتبعه الصلاة.
من الأخطاء الكبيرة التي نراها في رمضان: أن هناك أناس يأتون إلى المسجد في رمضان يصلون العشاء، ولا يصلون التراويح، ولا يهتمون بها، وتجد الناس في صلاة العشاء عدة صفوف، فإذا جاءت التراويح خرج نصفهم أو أكثر.
فإذا لم يحافظ الإنسان على هذه الشعيرة العظيمة والصلاة المباركة صلاة التراويح في رمضان، فمتى سيحافظ عليها؟ فهي الصلاة الوحيدة التي لا تشرع إلا في رمضان فقط.
إننا نرى أناساً كباراً وشباباً بالغين يفرطون فيها، ويضيعونها وينسون حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
وقال: " مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ".
إنها مشكلة أن يتعود الإنسان على ترك صلاة التراويح، ويعود نفسه على التساهل فيها، وتكون النساء محافظات عليها أكثر من الرجال وصفوفهن فيها أكثر من صفوف الرجال، والسبب أنه لم يعود نفسه ويروضها على المحافظة على هذه الصلاة.
كما أنبه على أمر عظيم نراه مع صلاة التراويح، وهو: أن بعض الناس يصلي العشاء مع الناس، ثم يجلس في مؤخرة المسجد يتحدث، أو يقرأ قرأناً، وهذا من تسويل الشيطان للإنسان.
فإذا كان يتحدث ويتكلم والناس يصلون فقد أزعجهم، وتسبب في ايجاد الفوضى واللغط مع صلاة التراويح، وهذا ما تشتكي منه المساجد كثيراً في رمضان.
أناس يصلون التراويح وآخرون يهدرون ويثرثرون ويتكلمون، والناس يصلون، فليتق الله هؤلاء، فإما أن يصلوا مع الناس، وإما أن يخرجوا خارج المسجد، ولا يزعجوا الناس، حتى لو كان الإنسان سيجلس في المسجد لقراءة القرآن، كما يقول بعضهم، فإذا كانوا يريدون الأجر حقاً فإن الأجر في ذلك الوقت هو في صلاة التراويح التي تشتمل على الصلاة وقراءة القرآن والركوع والسجود.
فكيف يتركها العبد بحجة أنه سيقرأ القرآن، وكأنه لا مجال لقراءة القرآن عنده إلا بترك التراويح، ولا وقتاً يقرأ فيه إلا وقت التراويح، فهذا لاشك أنه من تحايل الشيطان ومداخله على الإنسان يوهمه أن الفضل في تلك الساعة في قراءة القرآن، والحقيقة أن الفضل في تلك الساعة هو في صلاة التراويح.
وكم من أشخاص يدّعون أنهم يقرأون القرآن وما علموا أنهم يساهمون مع الجالسين، الذين لا يصلون التراويح في الفوضى والضوضاء، والناس في صلاة التراويح والقيام.
من الأخطاء التي نراها في رمضان: التساهل في قراءة القرآن عند البعض، فيدخل رمضان ويخرج وهو لم يختم القرآن ولو مرة واحدة، وهذا –والله- تفريط كبير، وتقصير عظيم، كيف يغفل المسلم عن قراءة القرآن في شهر القرآن؟ وإذا لم يقرأ القرآن في رمضان فبالله عليكم متى سيقرأه؟
فلا ينبغي للمسلم أبداً أن يمر عليه رمضان دون أن يختم القرآن ويقرأه على الأقل مرة واحدة في هذا الشهر العظيم المبارك: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185].
ويقول سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 3-4].
ويقول: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[القدر:1-3].
الخطبة الثانية:
عباد الله: أنبه على خطأ نراه عند البعض هنا عند قراءة القرآن، وهو: أن بعضهم يقرأ القرآن من المصحف، فإذا غلبه النوم وأراد أن ينام وضع المصحف بجانبه، أو فوق صدره، أو عند رأسه ونام، فإذا نام سقط المصحف، أو تقلب في أثناء نومه وجاء عليه، وهذا لاشك من التفريط في تعظيم كتاب الله، والاستهانة به؛ لأن الإنسان إذا نام فقد إحساسه ووعيه، فكيف يترك كتاب الله جنبه، أو فوقه، ثم ينام بهذه الطريقة؟
فالأولى لمن غلبه النوم بعد القراءة أن يرد المصحف في مكانه، ويرجعه إلى محله، ثم ينام، فليُنتبه لذلك: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحـج: 32].
مما نراه من الأخطاء في رمضان: العجلة والقلق في وقت الإفطار عند البعض، فترى بعض الناس يقلق ويعاتب وينزعج إذا تأخر المؤذن عن غيره من المؤذنين ثواني معدودة، أو دقيقة واحدة، وربما أفطر بعضهم على أذان آخر، وهو داخل المسجد، وكان الأولى به أن يصبر قليلاً، وإذا صبر الساعات الطوال صائما وقضى نهاره كله في الصوم، فلماذا لا يصبر الدقيقة الأخيرة حتى يؤذن المؤذن؟ ولماذا الازعاج وبث اللغط على أمر يسير لا يتجاوز دقيقة أو نصف دقيقة إن وقع؟ ولماذا لا نسمع هذه البلبلة عند أذان الفجر ولا يتكلم أحد إذا تأخر المؤذن عن غيره ثواني أو دقيقة؟ لماذا لا تثار هذه البلابل إلا عند أذان المغرب وعند إقامة الصلاة للمغرب؟
فلا داعي لهذا كله والمؤذنون كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أمناء أمتي على فطورها وسحورها، فهو أعلم بوقته، وأضبط له، فلا حاجة للإثارة.
مما نراه ونشاهده من أخطاء في رمضان: إذلال النفس واهانتها عند بعض التجار والمحسنين طلباً لإعاناتهم، وطمعاً في صدقاتهم، وتشرفاً لأخذ الزكاة منهم، وربما يأتي رجال من أماكن بعيدة لهذا الغرض، ولم يعد الأمر مقتصراً على الرجال، وإنما حتى على مستوى النساء أيضاً، فلماذا يهين الإنسان نفسه ويذلها عند أبواب هؤلاء، أو في مقار الجمعيات والمؤسسات الخيرية.
إن الزكاة لا تعطى إلا للمستحق، والناس يعرفون المستحق من غيره، فإذا كان منهم فإن ما كتبه الله له سيأتيه ولا حاجة للتشرف له ونزعه نزعاً بمد الأيدي، وتقديم الطلبات، وإذا كان الإنسان غير مستحق ويتشرف لأخذ الصدقات والزكوات فإن هذا أعظم الخطر، وأكبر السحت، فينبغي الابتعاد عن هذا وتركه، خاصة لمن تولع به، ويقوم كل سنة بمتابعة هؤلاء التجار، والبحث عنهم، والتعسكر عند أبوابهم، وغير ذلك من المذلة والمهانة، ولا يكن حال أحدنا كحال الذين قال الله فيهم: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ)[التوبة: 58].
من الأخطاء الفادحة كذلك: الإسراف في الأكلات والطبخات، فبعض النساء يسرفن في صنع عدد من ألوان الأطعمة، وأنواع المأكولات، وفي بعض الأحيان لا يكون الهدف منها أكلها، وإنما هو نوع من الإسراف وإظهار القدرة أمام النساء الأخريات على استطاعتها على عمل كذا، والتفنن في طبخ كذا وكذا، وقدرتها على ضبط مقادير الطبخة الفلانية، أو العمل الفلاني، فلا ينبغي هذا فإن الله يقول: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31].
كذلك يجب نهيهن، وكفهن عن ضياع الأوقات في الخروج إلى الأسواق، وتضييع ليالي رمضان الفاضلة في مشاهدة الأفلام والمسلسلات.
وينبغي حثهن على استغلال أوقاتهن في قراءة القرآن وعمل الخير، فإن بعضهن يجهلن فضل الشهر، ويغفلن فيه عن الطاعة، وعمل الصالحات.