السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | سالم بن مبارك المحارفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
فإن الشريعة الإسلامية جاءت بالسماحة واليسر, وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليضع الأغلال والآصار عن الناس, فيسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا, وكونوا عباد الله إخوانًا, ولتحذروا من كيد الشيطان ووساوسه وتعليقه التعظيم والتبجيل بما جاء عن الآباء والأجداد, والتهوين من التمسك بالدين؛ لأن الشيطان يدعو إلى الكفر والنار, فيجب أن يتنبه المسلمون لذلك، ولا تكونوا مصيدةً لحبائله...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- واستقيموا على نهجه، ولا تزيغوا عنها, فمن زاغ أزاغ الله قلبه، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف: 5].
معاشر المسلمين: كان لنا في الأسبوع الماضي حديثٌ عن بعض العوائد والأعراف القبلية المخالفة للشرع المطهر, وقد تحدثنا عن التحاكم إلى الأعراف والعادات القبلية, وترك التحاكم أو التسليم للشرع القويم, وضربنا لذلك أمثلة فيما يتعلق بالقتل أو الشجاج فيما دون النفس, وأن بعضهم يأخذ زيادةً على حقه الشرعي من الجاني أو من أحد أفراد قبيلته.
واليوم نتحدث عن التنبيه الثاني: فيما يتعلق بالشهادات والأيمان, فمنها:
الشهادة للشخص المعيَّن على صدقه بناءً على غلبة الظن أو لأن المشهود له حلف أنه صادق, فيشهد له بذلك. وهذا خطأ وخيم, فإن الشهادة -وهي الخبر القاطع- لا تكون مع الجهل أو غلبة الظن, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "على مثل الشمس فاشهد أو دع" رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا, وقوله تعالى: (إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [الزخرف: 86]. فتجد من رقَّ دينه يقف على أبواب المحاكم ليستفزع به الناس, فيصادق على قضايا ماليةٍ وحقوقية ليس له بها علم, ولا يعرف البائع والمشتري أو المدعي والمدعى عليه, ويزداد الأمر خطورةً والإثم عظمةً والذنب فظاعةً إذا شهد على ذلك زورًا وبهتانًا بمعرفته أن الحق مع الذي شهد عليه, لتأكيد النبي -صلى الله عليه وسلم- حين عدِّه الكبائر على شهادة الزور بقوله: "ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور"؛ لتهاون بعض الناس فيها.
ومن المنكرات الشائعة الحلف بغير الله -عز وجل-, وقد قرر أهل العلم أنه لا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله, بل إذا أراد أن يحلف فليكن بالله أو بصفة من صفاته, فلا يجوز الحلف مثلاً بالكعبة أو بالشرف أو بالنبي أو بالملائكة أو بالمشايخ أو بالملوك والعظماء أو بالآباء أو السيوف ونحو ذلك مما يحلف به كثير من الجهلة, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حلف بغير الله فقد كفر" أو: "أشرك" رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم, وقوله -صلى الله عليه وسلم-:"إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم, فمن كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله" متفق عليه, ولمسلم: "فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت".
التنبيه الثالث: ما يتعلق بالجنائز والعزاء, فمن صور هذه التزام بعضهم ذبح ذبيحة للميت, وهذا حرام, إذ لا دليل عليه من المعصوم -عليه الصلاة والسلام-. ومنهم من يأخذ قيمتها من تركة الميت, وهذا أكل للمال بغير حقه وهو باطل.
ومنها: الاجتماع عند أهل الميت للتعزية وصنع الطعام للمعزين، وهذا لا يجوز, قال جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-: كنا -أي: معشر الصحابة- نعدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة. رواه الإمام أحمد. والسُنة صنع الطعام لأهل الميت لكونهم مشغولين بما أصابهم, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا؛ فإنهم قد أتاهم ما يشغلهم" رواه الإمام أحمد.
ومن البدع ما يسمى بـ"الهدَّة"، وذلك أن يدفع المعزّي للمصاب مبلغًا من المال على أن يردَّه عند تعزية هذا الدافع في مصابه.
ومنها: "تأبين الميت" ليلة الأربعين من وفاته أو مرور سنة وقراءة الفاتحة على روحه.
ومنها: رفع اليدين عند التعزية ووضع اليد اليمنى على صدر المعزّى, ويمر الجميع على هذه الصفة, وأقارب المتوفى وقوف.
ومن البدع التهليل أو التسبيح أو تلاوة بعض الدعية أو القراءة على حصى ألف مرة أو أقل أو أكثر, ووضع الحصى هذا على قبر الميت.
ومن المخالفات إحداد المرأة على زوجها سنة, وهذا من التشدد في الدين, لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 234], وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه.
التنبيه الرابع: ما يتعلق بالنكاح, فمن ذلك غلاء المهور, فقد وصل في بعض القبائل حدًا لا يطاق, وفيه إثقال لكاهل الزوج وإجباره على الديون لأجل هدايا تقدم لأبي الزوجة وأمها وإخوانها وأخواتها, مما حدا ببعض الشباب العزوف عن الزواج لقلة ذات اليد, وبدأ مشوار زواجه بالديون العظيمة. قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سألت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: كم كان صداق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونِشًّا, قالت: أتدري ما النش؟ قال: قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة أوقية, فهذا صداق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه. رواه مسلم. وصح عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "ألا لا تغالوا في صدقة النساء, فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله -صلى الله عليه وسلم-".
فبعضهم يُلزم الزوج بإعطاء والد الزوجة وأمها وإخوانها وأخواتها وإلا منعت منه, فهذا لا يجوز, إلا أن يفعله معروفًا منه, أما إجباره على ذلك فلا يجوز.
ومن ذلك أيضًا الفرض على كل أفراد القبيلة دفع المساعدة لمن أراد الزواج, وهذا لا يجوز إلا أن يفعله بطيب نفس منه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" رواه الدارقطني والحاكم بسند جيد, ومن يفعله طيبة به نفسه فهو مأجور إن شاء الله, وإن لم يبذله فلا تجوز مقاطعته والإنكار عليه.
ومن ذلك أخذ مهر الزوجة كله أو بعضه, وهذا حرام لا يجوز, قال تعالى: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) [النساء: 4]. فإذا طابت نفسها ببذله أو بعضه لأبيها أو زوجها فلا بأس.
وأيضًا ما يفعله بعض الأولياء من منع الزوجة الخروج لزوجها إلا بدفع مال حتى يرسلها إليه, وهذا منكر يجب على من يفعله أن يتقي الله في نفسه ويتوب إليه, ولا يمنع المرأة من بعلها, وأن يحذر من العقوبة والفتنة بين الزوجين.
ومن ذلك ما يعرف بـ"المكْسَر"، وهو حَجْرُ فتيات القبيلة أو القرية على أبنائها وعدم خروجهن من أفراد القبيلة أو القرية بتزوجهن من قبيلة أخرى أو قرية أخرى, ومن تجاوز ذلك ألزم بدفع مبلغ من المال للقبيلة أو القرية. وهذا مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" أخرجه الترمذي عن أبي هريرة. وفي هذا إضرار بالنساء فيما إذا لم يتقدم لهن أحد من القبيلة أو القرية في بقائهن بلا زواج, فيبطل هذا الاتفاق بما ذكرناه من قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الزوج إذا رضينا خلقه ودينه وكان مكافئًا في النسب. وأخذ المال على من خالف هذا الاتفاق باطل وأكل للمال بغير حق, وبناءً عليه فإن المخالف لهذا الاتفاق يجب عليه أن لا يلتزم بدفع المال ولو قوطع وهجر من قبل قبيلته أو قريته, فإنَّ دفعه المال إقرار على هذا المنكر وإمضاء لهذا العرف الباطل, ولعله يحمل غيره على مثله فيقضى على هذه البدعة المشينة.
ومن ذلك إلزام الزوج بعقد جديد ومهر جديد إذا طلق امرأته طلاقًا رجعيًا وكانت في زمن العدة, فالمطلقة طلاقًا رجعيًا لا تزال زوجة باقية في عصمة زوجها, وإلزامه بالعقد والمهر الجديدين باطل وخلاف للسنة.
ومن البدع المحدثة ما يسمى بـ"وليمة الخرجة", وهي المرأة النفساء تمنع من الخروج مدة أربعين يومًا, فإذا قضتها جعلت لها هذه الوليمة, والصواب أن النفساء مثل غيرها تخرج متى شاءت بإذن زوجها, ويعاشرها زوجها متى طهرت, أما التي لا تخرج من بيتها فهي المحادة التي مات عنها زوجها فتبقى حتى مضي العدة.
التنبيه الخامس: ما يتعلق بالختان, فمن ذلك عند بعض الناس يعمدون إلى سلخ الجلد المحيط بالذكر, أو سلخ الذكر كله, ويظنون أن هذا هو المشروع, والحقيقة أنه من تزيين الشيطان وتلبيسه عليهم, ففيه تعذيب للمختون, ومخالفة للسنة المطهرة التي جاءت باليسر والسهولة, فإن السنة وردت بقطع القلفة المحيطة والساترة لحشفة الذكر, وفعل مثل هذا قد يؤدي إلى السراية وموت الطفل, والله تعالى قد كتب الإحسان على كل شيء.
ومن ذلك أيضًا تجمع الرجال والنساء في يوم الختان ورفع الطفل المختون عاريًا ليراه الحضور, وهذا لا يجوز إذ الشريعة أمرت بستر العورات, والاختلاط بين الرجال والنساء بهذه المناسبة منكر آخر لما فيه من الفتنة ومخالفة الشرع المطهر.
التنبيه السادس: الذبح على عتبة الباب عند الانتهاء من بناء البيت, وإسالة الدم على العتبة أو الجدار, وذلك لدفع شر الجان أو الحماية من العين, وهذا شرك، فلا يجوز الذبح لغير الله عز وجل, قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]. وأما ذبح الشاة ودعوة المحبين شكرًا لله تعالى على إتمام هذا البيت فلا بأس به.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من البينات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطــبة الثانــية:
أيها المسلمون، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24]. فتوجّب من خلال هذه الآية أن على المسلم السمع والطاعة لله تعالى فيما جاء في كتابه, ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما ثبت في سنته, والحذر كل الحذر من الميل عنهما إلى الأعراف والعادات القبلية؛ حتى لا يصيبهم ما ذكره الله في القرآن العظيم من قوله: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63], فإن الشريعة الإسلامية جاءت بالسماحة واليسر, وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليضع الأغلال والآصار عن الناس, فيسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا, وكونوا عباد الله إخوانًا, ولتحذروا من كيد الشيطان ووساوسه وتعليقه التعظيم والتبجيل بما جاء عن الآباء والأجداد, والتهوين من التمسك بالدين؛ لأن الشيطان يدعو إلى الكفر والنار, فيجب أن يتنبه المسلمون لذلك، ولا تكونوا مصيدةً لحبائله. والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]...