الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
رمضان فرصة للتغيير، وتصحيح وضع القنوات في البيوت، لابد أن يكون لنا تحكم فيما يعرض في بيوتنا، نمنع فيه الخبيث، وننتقي الطيب، ونستفيد من البديل المتمثل في القنوات الهادفة التي تلبي شيئاً من احتياجاتنا وأبنائنا ولو بشكل جزئي، في سلامة وبعد عما يغضب ربنا ويفسد أبناءنا وبناتنا.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك القدوس السلام، مدبرِ الشهور والأعوام، ومصرفِ الليالي والأيام، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
ونحن على بعد أيام من شهر رمضان المبارك شهر الرحمة والنفحات، والمغفرة والبركات، تطالعنا القنوات الفضائية بإعلانات هائلة، واستعدادات ضخمة لبرامج شهر رمضان.
سباق محموم لكسب المشاهد، حتى لو اضطر الأمر عند بعض القنوات أن تجاهر بالمنكرات، وتتاجر بأجسام العاهرات، وصدور العاريات، حتى في رمضان.
نظرة عابرة لهذه الإعلانات تبين لك أن هذه البرامج أبعد ما تكون عن روح الإسلام أو مقاصد رمضان، بل حقيقتها: إفساد لروحانية الشهر، ومحادة لله ورسوله، وانحراف عن أحكام الإسلام: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً).
إن من أعظم الفتن في هذا الزمن فتنة الإعلام المنحرف بأنواعه، ففي زمن مضى كانت للمجلات والصحف تأثير بالغ على المجتمعات، وكانت القصص والروايات تنخَر في الأخلاق بحسن السبك وقوة العاطفة، ثم كانت الإذاعات وشبكات التلفزة، حتى أحاط بنا طوفان البث الفضائي، لتحتل القنوات الفضائية نصيب الأسد في الكعكة الإعلامية.
ومع كل أسف، فإن كثيرًا من القنوات الفضائية العربية تبث موادَ إعلاميةً سيئة، أفسدت كثيراً من أبناء وبنات المسلمين، فحدث عن المخالفات العقدية كالشرك وتشويه الدين وتمييع عقيدة الولاء والبراء، ونشر السحر والشعوذة، وتعليم العنف والإجرام، ناهيك عن الجنس وتأجيج الشهوات وتحريك الغرائز.
لقد تحول محتوى هذه القنوات إلى مشاهدَ يندى لها الجبين، وأحداثٍ تنفر منها الأخلاق: تشرذم عائلي هنا، وخيانة وجريمة هناك، حب مخزٍ، وتبرج فاحش مثير، يفسد المرأة والرجل والشاب والفتاة على حد سواء.
إن كثيراً مما يعرض في هذه القنوات مخالف لأحكام شريعتنا الإسلامية، بل ومخالف للرؤية الإسلامية للتربية والسلوك.
كم عملت القنوات من جريمة، وكم قلبت من قيم، فالجريمة بطولة، وعقوق الآباء تحرر، والغدر ذكاء، والاستقامة تعقيد، والعفة كبت وحرمان، وطاعة الزوج رق واستعباد، والدياثة رقي وتمدن، والتقاء الرجل مع المرأة لقاءً محرمًا علاقة شريفة وصداقة حميمة وحب صادق!
ولما كانت المرأة هي أخطر فتنة على الرجال وعلى الأمة، فقد جندها أعداء الفضيلة لتكون سلاحاً فتاكاً في هذا المجال، فهي العنصر الضعيف العاطفي، ذو الفعالية الكبيرة، والتأثير المباشر، حتى قال قائلهم: "إنه لا أحدَ أقدرَ على جر المجتمع إلى الدمار من المرأة، فجندوها لهذه المهمة".
وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الدول العربية تستورد أكثر من نصف البرامج المقدمة للطفل، وأن خمساً وسبعين بالمائة من هذه البرامج تستورد من الولايات المتحدة، ما ينذر بتدمير القيم والأخلاق الإسلامية في نفوس أبنائنا.
في كلام خطير للأمريكي توكر أسكيو مديرِ مكتبِ البيت الأبيض للاتصالات سابقاً، وهو يعلق على مشروع قناة تلفازية لجذب الشباب العرب إلى أمريكا، قال: "نحن نخوض حرباً في الأفكار بالقدر نفسه الذي نخوض فيه الحرب على الإرهاب، لذلك وجهة نظري ترى أن تخفيف الملابس عبر الإعلام هو أفضل وسيلة للاختراق". انتهى كلامه.
إنهم يكيدون كيداً، لحرب الدين، وإفساد المسلمين، وكسر معنوياتهم، بعد أن فَشِلوا في حرب السلاح كما صرح الكثير من رؤسائهم.
إن زرع الفتن، وإفساد القلوب، ومحاربة العقول أهونُ بكثير من حرب السلاح والدبابات، بل وأسرعُ نتائج.
وعلى الرغم من هذا الخطر، فإن بعض الأسر لا تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد، فترى الطفل أو المراهق أو الشاب، وهم من هم في شدة التقليد والمحاكاة، يجلس أحدهم الساعات الطوال أمام الأفلام الهابطة، حيث تأخذ بلبه الصورُ والأصوات، ويُشربُ قلبه الشهواتِ والشبهات، حتى إذا كبر وشب عن الطوق ظهرت عليه مظاهر الانحراف في وقت يصعب فيه علاجه وتقويمه.
في دار الملاحظة التقيت بشاب عمره سبعة عشر عاماً قبض عليه في قضية سرقة مرتين كان هذا الشاب يحدثني عن طرق دقيقة لسرقة السيارات، وأساليب محكمة لسرقة المنازل والمحلات، وكنت أظن أن هذا الشاب الصغير إنما تعلم هذه الأساليب من رفاقه، لكني لما سألته قال لي: إنه استفادها خطوة خطوة من بعض الأفلام الأجنبية التي تعرضها بعض القنوات.
وشاب آخر عمره تسعة عشر عاماً يقول: كنت أجلس أمام القنوات ساعات طويلة، وكانت المشاهد تهيج الشهوة في نفسي، فأخرج من المنزل أبحث عن وسيلة لإطفاء هذه الشهوة فلا أجد سوى بعض الأفعال المحرمة مع شباب الحي.
لقد تسببت القنوات الفضائحية في صرف الشاب عن الطاعة والعمل النافع إلى الشهوات والأفلام والمسلسلات والتشبه بالكفار، وصرفت الفتاة إلى الأزياء والحلي والعري والخلاعة.
ولم تكتف القنوات الفضائحية بهذا بل امتد خطرها بتقرير المفاهيمِ المنكوسةِ، وتسويغ السلوكياتِ المنحرفة، في قالبٍ من الخداعِ والمكرِ العظيم.
ففي بعض الأفلام والتمثيلياتِ، لا مانع أن يدخلَ على المرأة رجلٌ أجنبيٌ عنها، وأن يخلوَ بها الساعاتِ الطوال، في مشهد يوصل إشارة إلى ذهنِ المشاهد وعقلهِ الباطن، مفادها أنه لا بأسَ بخلوةِ الذكورِ بالإناث، ولا مانعَ من استضافةِ المرأةِ للرجلِ الأجنبيِ في بيتها، حتى ولو كانت المسافةُ الفاصلةُ بينهما وبين غرفةِ النوم بضعة أمتار.
وأما قضيةُ الحجاب فهي عندهم جزء من التقاليد البالية، أو هو على الأقل غطاءُ الرأس وللعجائزِ فقط.
وربما تشاهد في بعض المسلسلاتُ الممثل يدخلُ المنزل فتسارع الأمُ العجوز إلى تغطيةِ رأسها، أما البنتُ الشابة ذاتُ العشرينَ عاماً فتظل سافرةَ الوجه، حاسرةَ الرأس، تتغنج بضحكاتِها، وتتشدقُ بعباراتها، فأيُ مفهومٍ يحاولون فرضَه وتعميمه من خلالِ هذه المسلسلات؟!
الإجابة لا تحتاج إلى مزيد ذكاء.
وأمام هذا الإصرار على الخبث والفساد، يتبادر سؤال مهم: أهذا ما ترجوه أمتنا المنكوبة هذه الأيام من إعلام محسوب عليها؟! سبحان الله!!
في الوقت الذي تعرض فيه بعض القنوات الفضائية مشاهد دماء أهلنا في سوريا وهم يبادون بطريقة وحشية من نظام مجرم حاقد، في الوقت نفسه تعرض قنوات أخرى مشاهد العري والفيديو كليب التي يتراقص فيها الرجال والنساء بطريقة مخجلة، ناهيك عن التراقص والتمايل والمجون في برامج مسابقات الغناء: (عرب أي ذل) أي ذل يا عرب، ولسان حال هؤلاء السفهاء:
علام نشـعّل الدنيـا قصيدًا | ونحـرق بين أضلعـنا الوريدَ |
ويبـكي يومُنـا ألماً وقهـرًا | ويَضحَك خصمنا طربًا وعيدًا |
تغنـوا يا بني قـومي عنـاء | يداعب صوتُه العـذبُ البليدَ |
فهاتِ الناي واضرب كل دفًّ | وسيّلْ في مواجعنـا الجلـيدَ |
لأن جمـالنـا في أن نغـني | وننسى أن في يـدنا القيـودَ |
وننسى أن مسجـدنا جريحٌ | وأن أخًا لنـا طَعْنـًا أُبيـدَ |
وأن نسـاء أمتنـا سبايـا | وأن شبابنـا للسجـن قيـدَ |
سيهربُ كلُّ من يغزو حِمانا | إذا كانت معازفنـا شهـودًا |
ستأتينا الفتـوح إذا طَـرِبنا | وألهبْنا الحناجـر والخـدودَ |
لا والله، وكذبوا والله، وقد قال ربنا -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، ونصر الله تعالى لا يستجلب بالغناء والمجون، لو كانوا يعقلون.
أقول ما تسمعون، وأسأل الله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل الطاعة ويعافى فيه أهل المعصية، ويذل فيه أهل النفاق والشقاق، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
وإذا كان هذا السيل الإعلامي المحموم خطيرًا جدًا في باب الشهوات وهدم الأخلاق، فإن خطره في باب الأفكار والشبهات أشد وأعظم.
وقد رأينا في سنوات مضت، كيف عكرت بعض البرامج والمسلسلات روحانية رمضان، واستفزت مشاعر المسلمين، ووقعت في الاستهزاء بالدين.
المشكلة على مستوى إعلامنا العربي، حينما يحاول بعض سفهاء الإعلام معالجة بعض القضايا الحساسة والشائكة، كالجهاد، أو الإرهاب، أو التدين والوسطية، فيكون مثل ذلك الأحمق الذي أراد أن يعالج رجلاً كان يتعاطى الهيروين بالحقن، فأمره أن يذوب الهيروين في كأس ثم يشربه بدلاً من أن يحقِنه، فسبب له تشققًا في جدار المعدة، فأصبح الداء داءين، كما قيل أراد أن يعالج زكامًا فأورثه جذامًا.
لا شك أن وسائل الإعلام، عليها دور كبير في تصحيح المفاهيم ومحاربة الأفكار المنحرفة.
لكننا نقولها بمرارة: إن تجربة الإعلام العربي في هذا الباب كانت فاشلة في كثير من الأحيان، وإن نظرة تحليلية لأفلام (الإرهاب والكباب) و(الطريق إلى كابل) و(الحور العين) وغيرها من الأفلام والمسلسلات تدلك على أن هذه المواد كفيلةٌ بأن تولد الإرهاب الأعمى في قلوب بعض العصاة من ذوي الفطرة السليمة، فضلاً عن بعض المتدينين الذين يستفزهم الخداع والتدليس والظلم الذي تمارسه هذه الوسائل.
وفي الختام، هذان نداءان عاجلان قبل رمضان:
النداء الأول: لرجال الإعلام من قنوات وإذاعات وصحف ومجلات ومواقع على الإنترنت، أن يتقوا الله في الشهر الكريم، وأن لا يفسدوا روحانية رمضان ببرامج سيئة ومواد هابطة، وأن لا يعارضوا شريعة الله تعالى في أرضه.
النداء الثاني: لكل أب وأم، وكل شاب وفتاة، بأن نقي أنفسنا وأهلينا هذه السهام، سهامَ الشبهات والشهوات، التي صوبت إلينا عبر الشاشات. فلا نفتح بيوتنا للصوص الفضيلة، وقطاع الطريق إلى الله.
رمضان فرصة للتغيير، وتصحيح وضع القنوات في البيوت، لابد أن يكون لنا تحكم فيما يعرض في بيوتنا، نمنع فيه الخبيث، وننتقي الطيب، ونستفيد من البديل المتمثل في القنوات الهادفة التي تلبي شيئاً من احتياجاتنا وأبنائنا ولو بشكل جزئي، في سلامة وبعد عما يغضب ربنا ويفسد أبناءنا وبناتنا.
إنه لابد من التحذير، ولابد من التغيير: (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ).
ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم.