البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
وهذا الربط الإلهي بين عيد الفطر وبين شعيرة الصيام دليل على أنه عيد ديني بكل ما شُرع فيه من سُنن، بل حتى ما ندب إليه الدينُ فيه من أمور ظاهرُها أنها دنيوية كالتجمل، والتحلي، والتطيب، والتوسعة على العيال، وإلطاف الضيوف، والمرح، واللهو. عيدٌ امتلأت القلوب به فرحًا وسرورًا، وازدانت به الأرض بهجة ونورًا، يومٌ يخرج المسلمون فيه بالأمصار إلى المصليات والمساجد مكبرين ومهللين ولربهم حامدين معظمين، وبنعمته مغتبطين، فلله الحمد رب العالمين.
الحمد لله كثيرًا، والله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، الله أكبر عزّ سلطان ربنا، وعمّ إحسان مولانا، خلق الجن والإنس لعبادته وعنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، الله أكبر عدد ما هلل المهللون وكبر المكبرون، الله أكبر عدد ما صام وأفطر الصائمون، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أحمد لله وأشكره على عظيم فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله انفرد بالخلق والتدبير، وكلُّ شيءٍ عنده بأجلٍ مُقدر.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضلُ من تعبد لله وصلى وزكى وصام وأفطر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نعمَ الصحبُ والمعشر، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الإخوة: اتقوا الله تعالى واعرفوا فضله عليكم بعيد الفطر السعيد، وهو أول يومٍ من أيام الحج إلى بيته الحرام. وهذا العيد عظيم الشأن عند الله، ومما يدل على عظم شأنه أن الله قرنه بشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام العامة التي لها جلالُها وروحانيتُها، وهي شهر رمضان؛ فجاء عيدُ الفطر مِسك ختامِه، وكلمة الشكر على تمامه.
وهذا الربط الإلهي بين عيد الفطر وبين شعيرة الصيام دليل على أنه عيد ديني بكل ما شُرع فيه من سُنن، بل حتى ما ندب إليه الدينُ فيه من أمور ظاهرُها أنها دنيوية كالتجمل، والتحلي، والتطيب، والتوسعة على العيال، وإلطاف الضيوف، والمرح، واللهو.
عيدٌ امتلأت القلوب به فرحًا وسرورًا، وازدانت به الأرض بهجة ونورًا، يومٌ يخرج المسلمون فيه بالأمصار إلى المصليات والمساجد مكبرين ومهللين ولربهم حامدين معظمين، وبنعمته مغتبطين، فلله الحمد رب العالمين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الأحبة: عيدكم مبارك وعيدكم سعيد، افرحوا بعيدكم أفراحًا كثيرة؛ فرحة بفضل الله ورحمته، وكريم إنعامه، ووافر عطائه، وفرحة بالهداية يوم ضلت فئام من البشر عن صراط الله المستقيم، ففرحنا أن هدانا يوم ضل غيرنا: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدةَ وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
فأيُّ نعمةٍ أعظم، وأي منٍّ أمنُّ وأفضل مِنْ أن اللهَ هدانا للإسلام، فلم يجعلنا مشركين نجثو عند أصنامٍ أو حيوانٍ، ولا يهودَ نغدو إلى بيعة، ولا نصارى نروح إلى كنيسة، ولا ملحدين لا نلوي على شيء، وإنما اجتبانا على ملة أبينا إبراهيم ودين نبينا محمد -صلى الله وسلم عليهم أجمعين-: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) [الحج:78].
وللعيد فرحة ببلوغ شهر رمضان يوم تصرّمت أعمارٌ عن بلوغه.
وللعيد فرحةٌ بتوفيق الله وعونه على ما يسر من طاعته، فقد كانت تلك الأيام الغرُّ أيامًا طويلة شديدةَ الحر، ومع ذلك يمضيها المؤمنون بالصيام متحملين ظمأَ هواجرِها وسُعارَ جوعِها، ويقضون لياليَها الزُّهْرَ متنزل الرحمات والنفحات، قد اصطفت فيها جموعهم في سبْحٍ طويل تُقَطْعُ الليل تسبيحًا وقرآنًا، فكم تلجلجت الدعوات في الحناجر، وترقرقت الدموع في المحاجر، وشَفّت النفوسُ ورقت حتى كأنما يعرج بها إلى السماء تعيش مع الملائكة، وكأنما تنظر إلى الجنة والنار رأي عين، في نعمة ونعيم لا يعرف مذاقها إلا من ذاقها. فَحُقَّ لتلك النفوسِ أن تفرحَ بعدُ بنعمة الله بهذا الفيض الإيماني الغامر.
وللعيد فرحة بإكمالِ العِدةِ واستيفاءِ الشهرِ، وبلوغِ يوم الفطر بعد إتمام شهر الصوم، فلله الحمد على ما وهب وأعطى، وامتن وأكرم: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِما يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
فهذا العيد -معاشر الأحبة- موسم الفضل والرحمة، وبه يكون الفرح ويُظهر السرور والبهجة، قال العلماء: "إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين" أي أعلام الدين الظاهرة، التي تعبد الله بها عباده، وإذا كان من شعائر الدين، فقد أمرنا الله بتعظيمه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]..
وشَرْعُ النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقريرُه إظهارُ الفرحِ وإعلانُ السرورِ في الأعياد، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ -صَلى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟!"، قَالُوا: كُنّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "إِن اللّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
قال أهل العلم: وجدَ القومَ يلعبون على حال من الترفيه البريء، فما استنكر لعبهم، ولكن استنكر توقيت اللعب باليومين، فقال: "قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ".
وفيه دليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوب، وأن ذلك من الشريعة التي شرعها الله لعباده؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما خالفهم في تعيين الوقتين. وقد فُعِلَ أنواعٌ من مشاهد السرور والبهجة بالعيد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقرها واحتفى بها. وقال في موقف: "إِن لِكُلّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا". رواه البخاري ومسلم. وقال في الآخر: "لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَن فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيةٍ سَمْحَةٍ". رواه أحمد بسند قوي.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ولكنك تعجب لتجاوز هذا الهدي النبوي المنير عند من يحاولون قتل أفراح العيد، والتضييق على مشاعر الناس، وينسون قوله -عز وجل- ممتنًا على عباده: (وَأَنّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) [النجم:43] أي هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء، وهو الخير والشر، والفرح والسرور والهم والحزن، وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك. ويتناسون أن لكل مقام مقالاً، ولكل مناسبة حالاً، وأن مآسي المسلمين ثمار مُرّة لخطايانا وأخطائنا: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:165]، ولن يكون علاجها بالوجوم والتحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، والشجاعة أمام الخطأ.
ولو أننا قتلنا كل فرحة، وأطفأنا كل بسمة، ولبسنا الحزن، وتلفّعنا بالغم، وتدرعنا بالهم ما حرّرنا بذلك شبرًا، ولا أشبعنا جوْعة، ولا أغثنا لهفة، حق على كل واحد منا أن يطرح التخوفات والهموم التي يوحي بها أعداء الله عبر وسائل إعلامهم الخبيثة التي ما فتئت تفت بها عضد الأمة، وأعلنوها عن نفسكم نحن المسئولون من منطلق: "أَلاَ فَكُلّكمْ رَاعٍ وَكُلّكمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ". وننطلق بتغيير أنفسنا للأفضل وتغيير من تحت يدنا، ونخلص في أداء أعمالنا ونمتنع عن قتل الوقت بسماع مثل هذه الوسائل التي تضر ولا تنفع وتحزن ولا تسر وتحبط ولا تشجع.
أعلنوها اليوم، أعلنوها اليوم، نحن المسئولون عن صلاح أنفسنا ومَنْ حولنا؛ فعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنّ النّبِي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ؛ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَر قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصّالِحُونَ؟! قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ". متفق عليه.
والخبث المعاصي مطلقًا، ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون.
إننا بحاجة إلى أن نجعل من هذا العيد فرصة لدفق الأمل في قلوبٍ أحبطها اليأس، وأحاط بها القنوط، وتبدّت فيها مظاهر اليأس في صور شتى، منها: سرعة التصديق بكواذب الأخبار التي صاغتها المؤسسة الغربية بصيغ شتى، إما عن طريق تسريب خطط لتقسيم العالم العربي إلى دويلات، أو إعلان لنوايا وأهداف غربية وتوقعات إقليمية يديرونها لدعم جهات ضد أخرى، يقصدون من ذلك تخويف الأمة وتشتيتها وتفريقها وإحباطها، وتتلقفها أبواقهم المأجورة من إذاعات وقنوات فضائية عُرفت بعمالتها، بل وتبالغ بصياغتها وتنميقها وفبركة صورها واجتزاء التصريحات حتى يظن سامعها صدقها بل يتبنها وينافح عنها.
فأصبح الناس في بلاد الإسلام في كمد وحيرة، يقتلون أوقاتهم في سماع ومتابعة هذه القنوات ورواية الإشاعات، التي تبث على هيئة أخبار من مصادر موهومة تسمى موثوقة، أو تقارير أو تحاليل إخبارية الله أعلم بمن قررها وحللها، وكلها تصدر من مشكاة واحدة وناصية واحدة كاذبة خاطئة، وهذا وضعنا في سلسلة من الإشكالات والحيرة أورثت تخبطًا في مشوار طويل بحثًا عن بصيص أمل في ظلمة اليأس.
فيا أمة الإسلام: أبشروا وأمّلوا ما يسركم، فعُمر الإسلام أطول من أعمارنا، وآفاق الإسلام أوسع من أوطاننا، وليست المصائب ضربة لازب، لا تحول ولا تزول، فقد حصر المسلمون في الخندق، وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكة، وسقطت بغداد، ثم بعد نحو ثلاثين سنة استعاد صلاح الدين بيت المقدس بعد أن استولى عليه النصارى أكثر من تسعين سنة، وبعد قرنين فُتِحت القسطنطينية، والله -عز وجل- لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا، فسنن الله لا تحابي أحدًا.
إذًا لنتذكر في هذا العيد ما أبقى الله لنا من خير، وما تطول به علينا من فضل، فلئن حلّت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحًا، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعمًا: (وَإِنْ تَعُدوا نِعْمَتَ اللّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم:34]، ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل، وفأل ينتج إنجازًا، وهذا هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن، ويعجبه الفأل، وكان دائم البشر، كثير التبسم.
أما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه، متعثر في أحزانه، مدفون في هموم يومه، لا يرجو خيرًا ولا يأتي بخير، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
اللهُ أكبرُ قُـولُوْهَا بِـلَا وَجَلٍٍ | وزينوا القلبَ من مغزى معانيها |
بها ستعلو على أفق الزمان لنا | رايـات عز نسينا كيف نفديها |
الله أكـبر ما أحلى النداءُ بها | كأنه الـري في الأرواحِ يحيـها |
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يوم العيد -أيها الإخوة- يومُ الأطفالِ يفيضُ عليهم بالفرحِ والمرح، ويومُ الفقراء يلقاهم باليسرِ والسعة، ويومُ الأرحامِ يجمعها على البرِ والصلة، ويومُ المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويومُ الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويومُ النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض، ويجتمع الناس في تواؤم على الطعام وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال شيخ الإسلام. وفي هذا كله تجديدٌ للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب، والوفاء، والإخاء.
أيها الأحبة: ها أنتم أولاء انتهيتم من موسم عظيم للطاعة، كم دعوتم فيه وكم أمنتم على دعاء وألححتم بآخر، وكم استغفرتم وكم بين يدي الله تملقتم تطلبون العفو والغفران عن كل ما سلف وكان.
أقول لكم: أبشروا بما يسركم فإن الله سبحانه قريب مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، بل إن كرمه فوق ذلك فيبادر عباده الموحدين بالمغفرة في كل أسبوع مرتين، لكنه سبحانه جعل لذلك شرطًا لابد أن نحققه.
كأني بكم تقولون: أعطنا وعجل!
أرعوني أسماعكم -وفقكم الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تُعرْض الأعمالُ في كل خميس واثنين، فيغفرُ الله -عز وجل- في ذلك اليوم لكل امرئ لا يُشْرِكُ بالله شيئًا، إِلا امرءًا كانت بينه وبين أخيه شَحْنَاءُ، فيقول الله: اتركوا هذين حتى يصطلحا". وفي أخرى: "اتركوا هذين، أو ارْكُوا هذين، حتى يفيئا". وفي أخرى: أَن رسولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "تُفْتَحُ أبوابُ الجَنةِ يومَ الاثنين والخميس، فَيُغْفَرُ لكلّ عبد لا يُشْرِكُ بالله شيئًا، إِلا رجلاً كان بينه وبينَ أخيه شَحْنَاءُ، فيقول: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا". وفي أخرى: "إِلا المتهاجِرَيْن". أخرجه مسلم.
أيها الإخوة، أيتها الأخوات، أيها الأبناء، أيتها البنات: أدعوكم في هذا اليوم العظيم ونحن على إثر عبادة عظيمة من هنا من منبر الحق منبر رسول الله، أدعوكم وأرجوكم، نعم أرجوكم -رجالاً ونساءً صغارًا وكبارًا- أن ترفعوا شعارًا في هذا العيد تبادرون به كلَّ ذي رحم، وكل جار وصديق من حين مقابلته سامحتك فسامحني، أعلنوها: سامحتك لوجه الله تعالى القائل: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:40]، سامحتك امتثالاً لأمر ربنا، سامحتك اقتداءً بقدوتنا، كفى قطيعة كفى تفرقًا وتشرذمًا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم!!
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
نعم معاشر الإخوة والأخوات: في العيد يُهدي الناسُ بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المُخلصةِ المُحِبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
ففي العيد تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلدُ العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي.
وفي العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها، والعيد مع ذلك كله ميدان استباق إلى الخيرات، ومجال منافسة في المكرمات.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وأتبعوا صيام رمضان بست من شوال؛ فقد حث على ذلك نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وقال: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله".
ومن جاء مع طريق يشرع له أن يعود مع طريق آخر كما هي سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم إن هؤلاء عبيدك أتوك راغبين بعفوك، اللهم لا تفض هذا الجمع إلا بمغفرة لجميع الذنوب، وحقق لكل واحد منا ما تمنى من خيري الدنيا والآخرة من غير إثم أو قطيعة رحم.