البحث

عبارات مقترحة:

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الإعداد لرمضان

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. خصائص رمضان وفضائله .
  2. التحذير من التفريط في استغلال الأوقات الفاضلة .
  3. أقسام الناس في استقبال رمضان .
  4. آداب الصيام الواجبة والمستحبة .
  5. مستحبات الإفطار .

اقتباس

أيها الأخوة: لقد كان معنا في شهر رمضان الماضي أناس شاركونا الصيام والقيام والدعاء والقراءة، ثم ماذا كان شأنهم؟ منهم من فارق هذه الحياة، فهو الآن تحت طبقات الثرى -رحمهم الله-، ومنهم من يرقد الآن على فراش المرض لا يستطيع صياما ولا قياما. أما نحن -ولله الفضل والمنة- نستمتع بـ....

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

نستقبل إن شاء الله -تعالى- الأسبوع القادم شهر الخير والبركة، نستقبل الشهر الذي أنعم الله به على الأمة، وشرفها به، نستقبل شهر رمضان: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185].

وقد خص الله -تعالى- هذا الشهر بخصائص عديدة تدل على فضله وشرفه، من تلك الفضائل أن القرآن أنزل فيه، ومنها: أن فيه ليلة القدر، وهي ليلة معظمة، بل هي خير عند الله من ألف شهر: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1].

ومنها: أن الشياطين فيها تصفد، وفيها وأبواب الجنان تفتح كلها نسأل الله من فضله، وأبواب النيران في هذا الشهر تغلق كلها -نسأل الله السلامة-.

ومنها: أنه فرصة للعتق من النار، عن أبي أمامة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله -عز وجل- عند كل فطر عتقاء" [أخرجه أحمد].

ومنها: أن الله -تعالى- جعل للصائمين بابا لا يدخله غيرهم، عن سهل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة باب يقال له: الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد، ومن دخل منه شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً" [أخرجه البخاري والنسائي].

ومنها: استجابة الدعاء، دعاء الصائمين، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر".

ومنها: أن الصيام جنة، أي وقاية وستر يستجن بها الصيام بالعبد من النار، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصيام جنة يستجن بها العبد من النار.. " [رواه أحمد والبيهقي].

ومنها: أن الله اختص أجر الصيام دون غيره لتحقق الإخلاص فيه بلا نظير في العبادات الأخرى، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال تعالى: كل عمل ابن أدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" [أخرجه الشيخان].

إلى غير ذلك من الفضائل التي يطول المقام عن حصرها.

والتي ينبغي أن نتأمل فيها ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم، فتنشرح صدورنا به، وتسعد قلوبنا بمقدمه، وحلول بركاته.

معاشر المسلمين: إن قصتنا مع التفريط طويلة، كنا في العام الماضي في مثل هذه الأيام نرقب شهر الصيام ونتحراه، وها نحن اليوم نعاود القرة بعد عام كامل بأيامه ولياليه، قدمنا في ذلك العام ما قدمنا من خير أو شر، ونستقبل بعد مسيرة العمر هذه شهر المغفرة، فهل نعي أنه غنيمة لا تعود، وأنه مجال للتعويض، وفرصة للبدء من جديد، فهل نغتنم هذه الفرصة قبل فوات الأوان.

 تمر بنا الأيام تترا كأنما

نساق إلى الآجال والعين تنظر

معاشر المسلمين: إن الثانية التي تذهب من أعمارنا لن تعود ولو أنفقنا ما بين أيدينا وما خلفنا، لن تعود، فلما التفريط؟ ولما الإصرار على التسويف في أعمال الخير؟

فلنحمد الله على إمهاله لنا حتى هذه الساعة، بلغنا الله وإياكم شهر رمضان.

ولنعزم على أنفسنا ومن حولنا، فمن كان مقصرا تعهدناه بالنصح، ومن كان منا محافظا زدناه ثباتا بعد تثبيت الله له، ولنطوي صفحة الماضي ولنستبدلها بأحسن منها.

أيها الأخوة: لقد كان معنا في شهر رمضان الماضي شاركونا الصيام والقيام والدعاء والقراءة، ثم ماذا كان شأنهم؟

منهم من فارق هذه الحياة، فهو الآن تحت طبقات الثرى -رحمهم الله-، ومنهم من يرقد الآن على فراش المرض لا يستطيع صياما ولا قياما.

أما نحن -ولله الفضل والمنة- نستمتع بالصحة والعافية، فحري بنا أن نشكر هذه النعمة العظيمة، وأن نعتني أشد العناية بثمرات رمضان وخزائنه ونحن قادرون.

إخواني: الناس في رمضان يتفاوتون منهم قسم ينتظر هذا الشهر بفارغ الصبر وتزداد فرحته بوصوله، سيشمر عن ساعد الجد ويجتهد في شتى أنواع العبادة من صوم وصلاة، وصدقة وذكر، وغير ذلك، وهذا خير الأقسام.

قال ابن عباس: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل -عليه السلام- يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن فإذا لقيه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة" [رواه البخاري].

ومن الناس قسم آخر: يدخل عليه شهر رمضان ويخرج وهو على ما كان عليه قبل رمضان، فلم يتأثر بشهر الصيام وأجواءه المباركة ولم يزدد رغبة في الخيرات والمسارعة إليها، فهو ممن فوت على نفسه غنيمة لا تقدر بثمن.

ومن الناس قسم: لا يعرف الله إلا في رمضان، فإذا جاء رمضان رأيتهم ركعا سجدا، فإذا انسلخ رمضان ولوا على أدبارهم نفورا وعادوا إلى ما كانوا عليه قبل الشهر من المعاصي والآثام، وترك الصلوات.

وأولئك القوم قد ذكروا للإمام أحمد والفضيل ابن عياض فقالا: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان".

ونخاطب هؤلاء القوم مرغبين لهم ومرهبين، راغبين لهم أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحا، ويستغل هذا الموسم للإنابة والإقلاع عما سلف منهم، فقد قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طـه: 82].

فإذا علم الله منهم الصدق والإخلاص تجاوز عنهم كما وعدهم الله، والله لا يخلف الميعاد.

أما إذا أصروا على ذلك فنرهبهم من فعلهم؛ لأنهم على خطر عظيم، وأي خطر أعظم من الاستهانة بفرائض الله وحدوده وأوامره ونواهيه.

ومن الناس: قسم يصوم بطنه ولا يصوم لسانه، ولا عيناه، فتراه أبعد الناس عن الأكل والشرب في رمضان، لكن لا يجد حرجا في سماع المنكرات والغيبة والنميمة والسخرية، أو مشاهدة ما حرم الله عليه من النساء على الشاشة، أو في المجلات، بل هذا ديدنه في رمضان وغيره.

وإلى هؤلاء يقال: اعلموا أن هذه المعاصي وإن كانت محرمة طوال العام، فإن حرمتها تزداد في رمضان، على قول بعض أهل العلم.

وإن من الخسارة أن يجرح المسلم صيامه ويخسر بركة الشهر، ففي البخاري عن أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشرب وإنما الصيام من اللغو الرفث" [رواه ابن حبان].

ولذلك قال بعض السلف: "أهون الصيام ترك الصيام والشراب".

ومن الناس قسم: جعل نهار الصيام رقاد، وليله سمرا ولهو، فلو كان السمر مباح لهان الأمر، ولكن غالبه غير ذلك، وهو انسياق صريح إلى ما تهدف إليه معظم الفضائيات فلا هو استغل نهاره بالذكر والخير إذ قضاه في النوم ولا هو ترك في ليله المحرمات، فيلا ضياع الزمان.

ومن الناس قسم: لا يعرف الصيام في رمضان ولا في غير رمضان -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا شر الأقسام.

فتراه لا يلقي بالا لصلاة ولا قيام، ويترك ذلك عمدا، مع وفور الصحة والعافية التي أنعم الله بها عليه، وقد يحتال فيسافر طوال الشهر كي يهرب من التكاليف بلا حياء من الله ولا خلقه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو الهادي وهو مقلب القلوب.

نسأل الله الثبات على الحق حتى الممات.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو البر الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا، الحمد لله الذي اعطى ما شاء بفضله ومنه من شاء بعدله، ولا يظلم ربك أحد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

معاشر المسلمين: إن للصيام واجبات وآداب ينبغي للمسلم الحريص على مرضاة الله -تعالى- الإحاطة بها ليكمل له صومه، ويتم أجره.

ومن ذلك: أن يبتغي المسلم بصيامه وجه الله -تبارك وتعالى-، مؤمنا محتسبا، قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه الشيخان].

وعليه قبل ذلك أن يبيت النية للصيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" [رواه البيهقي].

وتكفي في العبادة المتتابعة نية في أولها، في أول رمضان، ما دامت في العبادة لم تنقطع لمرض أو سفر فإذا نوى صيام الشهر أول ليلة من رمضان أجزئه، أجزأته تلك النية عن الشهر كله ما لم يحصل انقطاع، فإنه يجب عليه أن يجدد النية للصوم، وهو ما ذهب إليه فضيلة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-.

وعلى المسلم أيضا: أن لا يفرط في السحور ما استطاع إلى ذلك، ففيه خير كثير، وجزاء وفير، فإن تركه فقد حرم نفسه الأجر الجزيل، أخرج الشيخان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تسحروا فإن في السحور بركة".

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "السحور كله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء، فإن الله وملائكته على المتسحرين".

وقال رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- دخلت على النبي وهو يتسحر، فقال: "إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه" [أخرجه النسائي].

وقال عليه الصلاة والسلام: "البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور" [رواه الطبراني].

ومن فضل السحور أيضا أنه فرق ما بين صوم المسلمين وصوم أهل الكتاب، قال صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين صيامنا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحر".

وإذا علم ذلك فإن فضل السحور يتأكد في تأخيره؛ فعن زيد قال: تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية".

وقال بعض أهل العلم: ويزداد السحور فضلا إذا كان على تمر أو معه تمر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "نعم سحور المؤمن التمر" [أخرجه أبو داود، وغيره].

وإذا أتم المسلم سحوره فعليه أن يتأهب لصلاة الفجر ولا يفرط فينام عنها وحسبكم بها من مصيبة وتفريط خاصة إذا كان من يسهر طوال الليل فإذا قرب الفجر نام.

عباد الله: إذا قرب موعد الإفطار فعلينا أن نتذكر سنن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعلها، منها تعجيل الفجر.

أخرج أبو داود عن أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر" لأن اليهود والنصارى يؤخرون.

ومن :السنة أن يفطر المسلم على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء.

عن سلمان بن عامر الطبي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على الماء فإنه طهور" [أخرجه أبو داود وابن ماجة وغيرهما].

ومن السنة أيضا: أن يدعو الصائم، يدعو عند إفطاره، فقد ورد في الترغيب ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم..." الحديث.

ومن السنة أيضا: أن يدعو الصائم عند فطره بالدعاء المأثور عنه صلى الله عليه وسلم: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله".

وليحرص المسلم أن يفطر معه غيره أيضا، فقد صح في السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من فطر صائما فله مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا".

فلنحرص -عباد الله جميعا- على المسارعة على الخيرات، فإن سلعة الله غالية.

اللهم بلغنا شهر رمضان...