الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | فهد بن سعد أبا حسين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
من استطاع الحج ولم يحج فإسلامه وإيمانه ودينه في اختلال، وهو أعظم جرما من الزاني والسارق وشارب الخمر... وكيف يكون العبد عنده إسلام وإيمان وهو يسمع داعي الحج قد أسمع القريب والبعيد، وتوعد التاركين له بالعقوبات الصوارم، وأكده غاية التأكيد، فجعل قصده متمما للإسلام، مؤديا لفرض من أعظم فروض الإسلام، حاطا للذنوب والأوزار والآثام، موجبا لدخول دار القرار، مخرجا للعبد من نعت الفجار إلى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
وبعد:
لله دَرُّ ركائب سارت بهم | تطوي القفار الشاسعات على الدجا |
رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا | قلب المتيم منهمو ما قد شجا |
نزلوا بباب لا يخيب نزيله | وقلوبهم بين المخافة والرجا |
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحـج: 27- 29].
نادى به الخليل، فأذن فبلغ الله أذانه، فلما علم عباد الله المؤمنين بذلك الدعاء، وذلك النداء؛ تفتحت له أسماعهم، وتفتحت له قلوبهم، فصاروا له مجيبين، ولداعيه ملبين، ركبوا البحار، وقطعوا الصحاري والوهاد، وساروا إلى تلك الأرض المباركة، وكلهم أمل في مغفرة الله ورضوانه.
الحج -أيها الإخوة-: أمره عظيم في الإسلام، ومن عظمته أنه يهدم ما قبله من الذنوب، قال - صلى الله عليه وسلم - لعمرو ابن العاص: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله" [صحيح الإمام مسلم برقم (121)].
وفي صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"[رواه البخاري (4/1819) ومسلم (1350)].
هذا شيء من فضل الحج، وفضله عظيم وكثير فهل بعد هذا يزهد في الحج.
أيها الإخوة: استأذنكم في حديث خاص إلى أولئك الذين لم يحجوا بعد؛ نتحدث نحن وإياهم عن هذه الشعيرة العظيمة، والعبادة الفاضلة المفروضة.
فيا أيها الأخ الحبيب: يا من وجب عليك الحج: فلم تمض بقدمك إلى تلك المشاعر الطاهرة.
لقد أمر الله النبي إبراهيم بأن ينادي للحج فهل ترضى أن يستجيب أهل الإيمان، وتبقى أنت لا حج لك.
فما هو حالك إذا قابلت ربك غدا بدينٍ ناقص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والحج تمام الإسلام والإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا".
ولهذا لما حج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنزل الله قول تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3] وكانت شرائع الإسلام تنزل شيئا فشيئا فصار الحج كمال الدين وتمام النعمة، فإذا لم يحج الرجل لم يكن إسلامه ودينه كاملا، بل يكون ناقصا.
وإياك أن تقول: أأخره إلى السنة القادمة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حج حجة الوداع، وقال: "لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا".
فاحمد الله -عز وجل- أن مد الله في عمرك لترى تتابع الأيام والشهور، فأمامك الآن موسم الحج الذي قد أشرق، وهاهم وفود الحجيج بدئوا يملؤن الفضاء ملبين مكبرين، أتوا من أقصى الأرض شرقا وغربا، وبعضهم له سنوات وهو يجمع درهما على درهم يقتطعها من قوته، حتى جمع ما يعينه على أداء هذه الفريضة العظيمة، وأنت هنا قد تيسرت لك الأسباب، وتهيأت لك السبل، فلماذا تؤخر؟ وإلى متى تؤجل؟
أخي بارك الله فيك: هل رأيت الحجيج وهم واقفون في عرفات؛ يتضرعون إلى الله، يدعون ويبكون يتذكرون ذنوبا بينهم وبين الله، فيسألونه سبحانه العفو والمغفرة، وينظرون إلى ما بقي من حياتهم، فيسألون الله الثبات والإعانة والتوفيق والسداد، ألا تريد أن تكون معهم في تلك الساعة العظيمة التي يدنوا فيها ربنا -سبحانه- دنوا يليق بجلاله وعظمته، يدنوا إلى أهل الموقف، ويقول لملائكته: ما أراد هؤلاء، وهو يسمعهم سبحانه وتعالى، يسمع نداءاتهم، ودعواتهم، على اختلاف ألسنتهم، فهلا كنت معهم؟ أي أجر ستناله هناك وأي ثواب ستحوزه؟
ومع هذا الأجر العظيم فإن أيام الحج قليلة لا تتجاوز أسبوعا لمن هم في أقصى البلاد، ولله الحمد، وأربعة أيام لأهل مكة وما حولها، فلا تترد ولا تتهاون؛ فالدروب ميسرة، والطرق معبدة، والأمن ضارب أطنابه، ورغد العيش لا حد له من فضل الله -تعالى-.
أخي بارك الله فيك: هل تأملت نصوص الوعيد فيمن مات ولم يحج؟ تأمل قوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].
هل تأملت في آخر الآية: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].
ولماذا جاءت هذه العبارة بعد الأمر بالحج؟
قال ابن عباس ومجاهد في هذه الآية: "من لم ير حجه بِرا، ولا تركه إثما كفر"[سنن البيهقي (9/197) وانظر: أثر مجاهد في تفسير ابن جرير (5/621)].
وقال السدي: "من وجد ما يحج به، ثم لا يحج فهو كافر" [تفسير ابن جرير(5/621)].
وللمفسرين في الآية أقوال أخر.
يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "من مات ولم يحج وهو قادر، فليمت إن شاء يهوديا، أو نصرانيا" قال ابن كثير: "وإسناده صحيح إلى عمر -رضي الله عنه-"[تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)(2/ص85)].
قال ابن تيمية: "وإنما لحقه هذا؛ لأن سائر أهل الملل من اليهود والنصارى لا يحجون، وإن كانوا قد يصلون وإنما يحج المسلمون خاصة" [شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب الحج (2/215)].
وقال عمر -رضي الله عنه-: "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة -يعني سعة من المال- ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين"[انظر: تصحيح ابن حجر لهذا الأثر في تلخيص الحبير (2/237) وكلامه عليه].
ولما سأل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الفتنة التي تحصل للإنسان في قبره؟
كان من جوابه: وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الأعمال بخواتيمها".
ولهذا روي: "أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبدا".
ثم قال ابن تيمية: "ولهذا يقال: إن من لم يحج يخاف عليه من ذلك؛ لما روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام، ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا".
قال الله -تعالى-: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].
قال عكرمة لما نزلت هذه الآية: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85] قالت اليهود والنصارى: نحن مسلمون، فقال الله لهم: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران: 97] فقالوا: لا نحجه، فقال الله -تعالى-: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: "اعلم أن دين الإسلام مبني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا" ومن استطاع السبيل فلم يحج فإسلامه وإيمانه ودينه في اختلال، وهو أعظم جرما من الزاني والسارق وشارب الخمر... وكيف يكون العبد عنده إسلام وإيمان وهو يسمع داعي الحج قد أسمع القريب والبعيد، وتوعد التاركين له بالعقوبات الصوارم، وأكده غاية التأكيد، فجعل قصده متمما للإسلام، مؤديا لفرض من أعظم فروض الإسلام، حاطا للذنوب والأوزار والآثام، موجبا لدخول دار القرار، مخرجا للعبد من نعت الفجار إلى صفة الأبرار" إلى أن قال رحمه الله: "والحاج في عبادة من حين يخرج من بيته ومقره ومثواه، حتى يصل منتهى سيره ثم يعود إلى مبتداه، فهو في عبادة إن قام أو قعد، أو مشى أو ركب، أو استيقظ أو نام، أو سار في سفره أو أقام" [خطب الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في مجموع مؤلفاته (6/244) باختصار].
وقال إبراهيم النخعي: "كان للأسود بن يزيد جار موسر لم يحج، فقال له: لو مت لم أصل عليك"[مصنف ابن أبي شيبة (3/305)].
وقال سعيد بن جبير: "لو كان لي جار موسر ثم مات ولم يحج لم أصل عليه" [مصنف ابن أبي شيبه (3/305) وانظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب الحج (2/214)].
قال بعض العلماء: "ولا تقبل شهادة من كان موسرا قد وجب عليه الحج ولم يحج إلا أن يكون به مرض أو أمر يحبسه"
فاتقوا الله -يا عباد الله-: واحرصوا على أداء الفريضة أنتم وأهاليكم، فإن تركها للقادر أمر عظيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
بعض المسلمين اليوم يتعذر عن الحج بأعذار واهية، ويلبس عليه الشيطان في هذا الباب، ومن أكثر ما يلبس به الشيطان على الإنسان في هذا الباب: التسويف والتأجيل، وكأن الإنسان عنده ضمان لئن يعيش سنة أخرى كاملة.
ومما يلبس به الشيطان في هذا الباب: أن يعتذر الإنسان عن الحج يعتقد أنه صغيرا في السن، وقد يكون هذا الشاب قد وصل العشرين، أو الخامسة والعشرين من عمره، ويظن أنه صغيرا على الحج؛ فهذه النظرة لا عبرة بها، وهكذا نظرة الناس للإنسان بأنه صغير لا عبرة بها أيضا، وإنما العبرة بنظرة الشرع، فإذا بلغ الإنسان فقد وجب عليه الحج إذا كان قادرا، وأما إن لم يكن قادرا فيجب عليه العزم على الحج من حين البلوغ، فمتى ما وجد القدرة انطلق إلى الحج.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "ويجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه؛ لما روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعجلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".
ولأن أداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه لظاهر قوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97][مجموع فتاوى ومقالات (16/30)].
ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية حديث ابن عباس: "تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" قال: "وإرادة الواجب واجبة، فيجب عليه أن يريده ويعزم عليه حين وجوبه عليه"
ويقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "والصحيح أن الحج واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج بيت الله الحرام أن يؤخره"[مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (21/13)].
فبادر -رعاك الله- إلى أداء هذه الفريضة العظيمة، فإن الأمور ميسرة، ولله الحمد، ولا يقعدنك الشيطان، ولا يأخذنك التسويف، ولا تلهينك الأماني، واسأل نفسك: إلى متى وأنت تؤخر الحج إلى العام القادم؟ ومن يعلم أين أنت العام القادم؟! وتأمل في حال الأجداد كيف كانوا يحجون على أقدامهم وهم يسيرون شهورا وليالي ليصلوا إلى البيت العتيق؟ ثم تأمل في نعمة الله عليك بتيسير الطرق والسيارات والطائرات وقبل ذلك كله نعمة أمن الطريق.