الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | عبد الحليم توميات |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق |
دعاة التنصير لا يخلو منهم بلد من البلدان، وفي هذه البلاد كان نشاطهم مكثفًا إلى حد بعيد في مناطق كبعض مدن القبائل والجنوب. أما اليوم، فإننا نراهم قد توغلوا أكثر فأكثر، ولا أحد ينكر، ولا أحد يغضب لله ويغار عليه. انتشرت الرذيلة ونحن ساكتون، انتشرت الخلاعة ونحن صامتون، عمت الرشوة وفشت المعاملات المحرمة، واقتصرنا على دعوة الناس إلى الرجوع إلى الله بالتي هي أحسن كما أمر، والخير كله فيما أمر. ولكن لا.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فلعلكم كلكم تنتظرون مواصلة الحديث حول موضوع الصلاة وبيان ثمراتها، وذكر محاسنها وفضائلها، ألا فاعلموا أننا اضطررنا هذه المرة إلى أن نقطع هذه السلسلة المباركة، وذلكم للتحدث عن أمر عظيم وخطر جسيم، خطر يهدد كيان المسلمين، وطوفان عظيم ينبغي لكل غيور على هذا الدين أن يحترز منه، هذا الطوفان هو "التنصير والمنصرون" الذي يحلو لهم أن يسموه: التبشير والمبشرون!!
وكلنا يعلم علم اليقين أنه مهما اجتهد المبطلون، وتحالف الكافرون والمجرمون فإنهم لن يمسوا الإسلام بمثقال حبة من خردل من سوء، فما مثلهم إلا كمثل غلام رمى البحر بحجر.
كناطح صخرة يومًا ليوهنها | فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوهِهِمْ وَللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِلْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:8، 9].
ولكننا نخشى على المسلمين، إننا نخاف عليهم من الوقوع في حبائل الكائدين، لذلك علينا أن نسعى جاهدين للقيام بواجب الذب عن دين رب العالمين، وكما أننا مستيقنون أن الله هو الخالق ثم نسعى إلى التناسل، وكما أننا موقنون أن الله هو الرازق ثم نسعى إلى ابتغاء الرزق، كذلك علينا أن نسعى إلى نصرة دين الله ونحن موقنون أنه مظهره وناصره، لذلك قال تعالى بعد هاتين الآيتين اللتين تلوناهما عليكم: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَـارَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْولِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الصف:10، 11]
فماذا عن التنصير؟! ولماذا اخترنا الحديث عن هذا الموضوع فجأة، وقطعنا لأجله سلسلة الكلام عن الصلاة؟!
ألا فاعلموا -عباد الله- أن دعاة التنصير لا يخلو منهم بلد من البلدان، وفي هذه البلاد كان نشاطهم مكثفًا إلى حد بعيد في مناطق كبعض مدن القبائل والجنوب. أما اليوم، فإننا نراهم قد توغلوا أكثر فأكثر، ولا أحد ينكر، ولا أحد يغضب لله ويغار عليه.
انتشرت الرذيلة ونحن ساكتون، انتشرت الخلاعة ونحن صامتون، عمت الرشوة وفشت المعاملات المحرمة، واقتصرنا على دعوة الناس إلى الرجوع إلى الله بالتي هي أحسن كما أمر، والخير كله فيما أمر. ولكن لا يمكننا أبدًا أن نسكت على نشر دين غير دين الإسلام، لا يمكن بحال أن نسمح برواج شريعة غير شريعة الرحمان، لا نرضى أبدًا بالشرك بالله والكفر بالله.
لذلك ندعو اليوم قلب كل مؤمن غيور ننادي قلب كل من عرف الإسلام دينًا وإقدامًا، وعملاً ورسالة، ولم يعرفه استسلامًا وجمودًا، وخوفًا وترددًا، إلى هذا القلب نقدم نُبذًا عن التنصير في العالم بمعرفة تاريخه ووسائله وغايته.
التنصير دعوة إلى دين النصارى، وحركة دينية وسياسية واستعمارية ظهرت عند فشل الحروب الصليبية في مهمتها وهي القضاء على الإسلام ونشر النصرانية، فأول من حمل لواء هذه الدعوة الخبيثة الإسباني "ريمون لول" في القرن السادس عشر، فتعلم اللغة العربية، وجال في بلاد المسلمين ليدرك نُقط ضعفهم بحثًا عن وسائل إغرائهم وإغوائهم، ثم حمل اللواء بعده الألماني "بيتر هلينغ" الذي احتك بالمسلمين في سواحل إفريقية، فتنصر على يديه سنة 1721م مائة ألف مسلم.
ثم نهضت الحركة عن طريق إنشاء مدرسة جامعية تكون قاعدة للتنصير، تُعلم لغات الشرق لطلابها، ثم جاءت جمعية لندن التبشيرية وذلك عام 1795م، ثم أخرى في اسكتلندا فنيويورك فألمانيا فغيرها من البلدان الأوربية، حتى قاموا بإنشاء جمعياتٍ تبشيرية طبية، ونجحت نجاحًا باهرًا.
ولما كان الإسلام هو العدو الأول لنشر التنصير في العالم كما صرح به القس "بولس" حين قال: "إن الدين الإسلامي هو العقبة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا"، هنالك دخل المنصرون إفريقيا، واتفقت الجمعيات التبشيرية مع أقباط مصر سنة 1819م على إنشاء جمعية لنشر الأناجيل في إفريقيا، ورغم النزاع القائم بين الكاثوليك والبروتستانت لم يمنع ذلك من إنجاح مهمتهم.
ثم جاء دور شمال إفريقيا، فأنشؤوا لها "جمعية تبشير شمال إفريقيا"، فانتشر التبشير في الجزائر وتونس والمغرب، ولا نريد التحدث عن انتشاره في آسيا والهند فإن ذلك لا أظنه يخفى عليكم. المهم أنهم دخلوا الجزائر عام 1846م ولا يزالون إلى يومنا هذا، فقد عقدوا مؤتمرًا عام 1982م تحت شعار: "الإسلام دين الشيطان"، قاتلهم الله، تدارسوا فيه الوسائل التي تمكنهم من الوصول إلى غايتهم.
فما وسائلهم تلك؟! وأين كان المسلمون حينذاك؟! هذا ما سنراه بعد قليل إن شاء الله تعالى.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي رضـي لنا الإسلام دينًا، وأنزل إلينا قرآنًا مبينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكفى بربك هاديًا ومعينًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أدّى الأمانة وبلغ الرسالة فكان مبلغًا صادقًا وأمينًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإننا سنسرد على مسامعكم عشرة وسائل يعتمدها المنصرون في دعوتهم ليكون كل منا على حذر:
1- إنهم يحاولون قدر إمكانهم إقناع المسلمين أن النصارى ليسوا أعداءً لهم، قال القس "صمويل زويمر" في أحد مؤتمراتهم: "يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداءً لهم"، فتراهم لأجل ذلك يبذلون جميع أموالهم لعقد مؤتمرات تقارب الأديان، وبذلك يُهدم صرح الإيمان الذي يقوم على أعمدة الولاء والبراء، قال تعالى: (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَلنَّصَـارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة:51]، وصدق الله حين قال: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة:120].
2- قديمًا كانوا لا يرسلون إلا القساوسة والطلبة المتفوقين منهم، أما اليوم فهم يركزون ويرتكزون على النصارى الجدد من العرب للقيام بالدعوة في أماكن العمل وخاصة في ميدان الطب والتعليم، قال القس "صمويل": "تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول منهم ومن صفوفهم".
3- إقامة عدة ندوات ودورات تعليمية للمتنصرين الجدد، لا لتعليمهم النصرانية فقط، بل لتعليمهم اللسان العربي لمعرفة نقط ضعفهم.
4- الحث على اختلاط المسلمين بالنصارى بالتشجيع على السفر إلى بلاد الكفر، ومن لم يسافر إليهم جاؤوه عن طريق المقعرات الهوائية المعروفة لدى الناس باسم "الدّش".
5- التركيز على المراسلات عبر المجلات، وهو ما يسمى بركن التعارف.
6- الاعتماد على الإعلام بجميع وسائله، فمنظمة التنصير تملك أكثر من 1500 محطة راديو وتلفزيون، وإحدى وعشرين ألف جريدة ومجلة مطبوعة على الورق الممتاز لجلب القراء، ولقد وُزّعت عام 1984م أربع وستون مليون نسخة إنجيل مجانًا، ولقد كشفت السلطات الجزائرية باخرة معبأة بالأناجيل ولم تقبل دخولها، فهذا الذي كشفته، فما بالك بما مر ولم توضع عليه يد المراقبة؟! ومؤخرًا ظهرت عدة قنوات إذاعية باللغة الأمازيغية تدعو بصراحة متناهية إلى التنصير.
7- انتشرت مؤخرًا في المدة الأخيرة الأشرطة السمعية والبصرية (الفيديو)، وذلك بمختلف اللغات واللهجات المحلية، بل وجدنا هذه الأشرطة في عدة مدارس وثانويات يتناقلها الشباب بينهم.
8- إعادة فتح الكنائس، وقد ذكرت الصحف الوطنية أنه قد دق الناقوس في ثلاث كنائس في القطر الجزائري.
9- تشجيع الحروب والفتن في البلدان الإسلامية لإضعافهم ولإثارة الاضطرابات في صفوفهم، إما بالسلاح أو بالفكر وذلك بإحياء النزعات القبلية، فقد نجحوا في إحياء العصبيات الفرعونية بمصر، والفينيقية بالشام، والآشورية بالعراق، والبربرية بالجزائر.
10- تحرير النسل بين شعوب الكنيسة وتحديده بين شعوب المسلمين.
11- تشجيع الأعمال الخيرية والإغراءات الصريحة، وذلك بمساعدة الفقراء المرضى وإيجاد فرص العمل لمن لجأ إليهم.
كل ذلك -عباد الله- من وسائلهم التي استطاعوا بها التغلغل في صفوف المسلمين، وأين المسلمون؟! أين أمة خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف؟!
إنهم في سكرتهم يعمهون، وأمام شاشات الكفار خاشعون، وفي الملاعب يصرخون، والصالحون منهم قليلون.
هذه هي غايتهم العمل على تنصير المسلمين، هكذا كانت في أول ظهور التنصير، أما اليوم فغايتهم ما ورد على لسان القس "صمويل زويمر" حيث قال في مؤتمر لهم: "مهمة التبشير التي ندبتكم إليها الدول المسيحية ليست تحويل المسلمين إلى المسيحية، فإن في هذا تكريمًا لهم، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصير مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها".
فحان الوقت -إخوتي الكرام- لأن نستيقظ من السكرة وننتبه من الغفلة، وسنوضح إن شاء الله في الخطبة القادمة الوسائل التي تقي المسلمين من هذا السرطان المميت، والطوفان المدمر.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.