السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الأديان والفرق |
لَقَدْ أَثْبَتَ التَّارِيخُ الصَّفَوِيُّ الإيرانِيُّ أَنَّهم دائِمَاً يُقَاتِلُونَ بِغَيْرِهِمْ، وَيُجَنِّدُونَ السُّذَّجِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَقَدِ زَرَعوا فِي الْيَمَنِ ذِرَاعًا لَهُمْ مِنَ الْفِرْقَةِ الْجَارُودِيَّةِ، وَرَبَّوْا قَادَتَهَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فِي قُمْ وَطِهْرَانَ، ثُمَّ أَعَادُوهُمْ وَأَغْدَقُوا عَلَيْهِمُ الْأَمْوَالَ وَالسِّلَاحَ مِنْ أَجْلِ تَشْكِيلِ قُوَّةٍ لِاخْتِطَافِ الدَّوْلَةِ فِي الْيَمَنِ كَمَا فَعَلَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ فِي لِبْنَانَ، وَكَمَا فَعَلَ النُّصَيْرِيُّونَ فِي الشَّامِ. وَبِخِيَانَاتٍ مِنْ قِيَادَاتٍ فِي الْيَمَنِ، وَشِرَاءٍ لِلذِّمَمِ، وَتَوَاطُئٍ دَوْلِيٍّ لِيُطَوِّقُوا أَهْلَ السُّنَّةِ وَيَخْنِقُوهُمْ من كُلِّ جانِبٍ، حتى مَعَ الأسَفِ تَسَاقَطَتْ مُدُنُ الْيَمَنِ وَاحِدَةً تِلْوَ أُخْرَى، وأَخَذُوا الْعَاصِمَةَ وَزَحَفُوا عَلَى عَدَنَ فِي غُرُورٍ وَكِبْرِيَاءَ..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّقَاه، وَأَذَلَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَعَصَاه، نَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ولا رَبَّ لنا سِواهُ، ونَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ومُصطَفَاهُ، جَاءَنا بِالْحَقِّ المُبِينِ، فَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ كَانَ مِنَ المُهْتَدِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ ومَنْ اهتدَى بِهُداهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِقُلُوبِكُمْ وأعمَالِكُم وَاذكُرُوهُ، واشْكُرُوهُ فِي نَعْمَائِكُمْ، وَلُوذُوا بِهِ فِي ضَرَّائِكُمْ؛فَمَن اتَّقى رَبَّهُ جَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، وَكَتَبَ لَهُ النَّصرَ والتَّأييدَ والعِزَّة والتَّمكِينَ. قَالَ سُبحَانَهُ: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج: 41].
مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ: بِكُلِّ أَلَمٍ وأَسًى، وَخَوْفٍ وقَلَقٍ، نُتابِعُ أحدَاثَ اليَمَنِ الحَبِيبِ، نُتَابِعُ أحدَاثَ عاصِفَةِ الحَزْمِ، وقُلُوبُنا مَعهُم تَدعوا اللهَ لَهم بالنَّصرِ والتَّمكينِ ودَحرِ الحَوثِيّيِنَ البَاغِينَ والمُعتَدينَ، كما نَدعو اللهَ -تَعالى- أنْ يَحفَظَ إخوانَنا في اليَمَنِ الشَّقِيقِ مِنْ كَيدِ الكَائِدِينَ، وعُدوانِ المُعتَدينَ. وأنْ يَرُدَّ كَيدَ الرَّافِضَةِ الحَوثِيِّينَ الحاقِدِينَ في نُحُورِهم.
عَبادَ اللهِ: الحَربُ القَائِمَةُ في اليَمَنِ الشَّقِيقِ: جَانِبٌ مِنها سِياسِيٌّ، وجانِبٌ عَقَدِيٌّ دِينِيٌّ، وقَد يَقولُ قَائِلٌ: مَا لَنَا وَلِليَمَنِ، فَهِيَ دَولَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفسِهِا، لَها كِيَانُها ورِجالُها، يَحمُونَ أَنفُسَهم، وَيصطَلِحُونَ على مَا يَشَاءُونَ! وَحقِيقَةُ هَذا الكَلامِ -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- لا يَصدُرُ مِنْ مُسلِمٍ يَهتَمُّ بِأُمورِ المُسلِمينَ، ولا مِنْ رَجُلٍ عارِفٍ بِالوَقَائِعِ والأحدَاثِ والمآلاتِ، وفي الحَدِيثِ: "مَنْ لا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ"، والحُكُمُ على الشَّيءِ فَرْعٌ عنْ تَصَوُّرِهِ فَمَنْ لا يعرفُ حقيقَةَ الحَوثيِّينَ وأطمَاعَهُم وجَرَائِمَهُم وَدَاعِمِيهم فَمُؤَكَّدٌ أنَّهُ سَيَتَخَبَّطُ في الظُّلَمِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ أَثْبَتَ التَّارِيخُ الصَّفَوِيُّ الإيرانِيُّ أَنَّهم دائِمَاً يُقَاتِلُونَ بِغَيْرِهِمْ، وَيُجَنِّدُونَ السُّذَّجِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَقَدِ زَرَعوا فِي الْيَمَنِ ذِرَاعًا لَهُمْ مِنَ الْفِرْقَةِ الْجَارُودِيَّةِ، وَرَبَّوْا قَادَتَهَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فِي قُمْ وَطِهْرَانَ، ثُمَّ أَعَادُوهُمْ وَأَغْدَقُوا عَلَيْهِمُ الْأَمْوَالَ وَالسِّلَاحَ مِنْ أَجْلِ تَشْكِيلِ قُوَّةٍ لِاخْتِطَافِ الدَّوْلَةِ فِي الْيَمَنِ كَمَا فَعَلَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ فِي لِبْنَانَ، وَكَمَا فَعَلَ النُّصَيْرِيُّونَ فِي الشَّامِ. وَبِخِيَانَاتٍ مِنْ قِيَادَاتٍ فِي الْيَمَنِ، وَشِرَاءٍ لِلذِّمَمِ، وَتَوَاطُئٍ دَوْلِيٍّ لِيُطَوِّقُوا أَهْلَ السُّنَّةِ وَيَخْنِقُوهُمْ من كُلِّ جانِبٍ، حتى مَعَ الأسَفِ تَسَاقَطَتْ مُدُنُ الْيَمَنِ وَاحِدَةً تِلْوَ أُخْرَى، وأَخَذُوا الْعَاصِمَةَ وَزَحَفُوا عَلَى عَدَنَ فِي غُرُورٍ وَكِبْرِيَاءَ، فَمَا حَرَكَةُ الحَوثِيُّ وأتبَاعُهُ إِلَّا امْتِدَادٌ لِتِلْكَ الْحَرَكَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ، وقد أَعلَنَت إيرانُ: أَنَّ حِمَايَةَ الشِّيعَةِ فِي اليَمَنِ مَسْئُولِيَّةٌ إِيرَانِيَّةٌ.
وكُلُّكُم يَعلَمُ أنَّ إيرَانَ تَسعى لِزَعْزَعَةِ أَمْنِ واستِقْرَارِ بِلادِنَا، وَلَكِنَّ اللهَ خَيَّبَ آمَالَهُم وأذَلَّهُم،
وفي المُتَّفَقِ عليهِ عَن أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا هَلَكَ كِسرَى فَلا كِسرَى بَعدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيصَرُ فَلا قَيصَرَ بَعدَهُ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتُنفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا في سَبِيلِ اللهِ".
هَذَا خَبَرٌ مِنَ الصَّادِقِ المَصدُوقِ وَبُشرَى لأُمَّتِهِ أَنَّ دِيَارَ الإِسلامِ سَتَبقَى في أَيدِ المُسلِمِينَ، وَأَنَّهُ لا سَبِيلَ لأَعدَائِهِم مِنَ الفُرسِ وَالرُّومِ عَلَيهَا، وَلَنْ تَقُومَ لَهُم في دِيَارِنا قَائِمَةٌ، فالجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ، جَزِيرَةُ الإِسلامِ وَمَأرِزُ الإِيمَانِ، بِحِجَازِهَا وَنَجدِهَا وَيَمَنِهَا، بَاقِيَةٌ بِالإِسلامِ وَلِلإِسلامِ بِإِذنِ اللهِ تعالى، وَلن يَعُودَ إِلَيها الشِّركُ بِعَامَّةٍ بِفَضلِ اللهِ، كما قَالَ –صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ". (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لا يُخَالِجُنا شَكٌّ بِأنَّ اللهَ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ، وَوَعدُهُ حَقٌّ وَقَولُ نَبِيِّهِ حَقٌّ. إِلاَّ أَنَّ هَذَا لا يُنسِيَنَا بِحَالٍ أَنَّ أُولَئِكَ الرَّوَافِضَ لَن يَدَعُوا فُرصَةً إلاَّ انتَهَزُوها ولا مَقتَلاً إِلاَّ أَصَابُوهُ، وَلا ضَعفًا إِلاَّ استَغَلُّوهُ، وَلا بَابَ تَفَرُّقٍ إِلاَّ فَرِحُوا بِهِ وَوَلَجُوهُ!!
لِذا فَقَد انطلَقَت أَصوَاتٌ حَكِيمَةٌ بِمَنطِقِ العَقلَ وَنِدَاءِ الحِكمَةِ، سَاعِيَةً إلى لَمِّ شَمْلِ اليَمَنِ السَّعِيدِ، وإِعَادَةِ الأَمْنِ والاستِقرارِ إليهِ، وَلَكِنَّ الأَمرَ ازدَادَ خَطَرًا، فَأَوضَاعٌ أَمنِيَّةٌ سَيِئَةٌ، غُيِّبَت مَعَها القِيادَةُ، وغَدَتِ الأُمُورُ إلى فَوْضَىً خَطِرَةً، تُنذِرُ بِضَرَرٍ عَظِيمٍ، على اليَمَنِ وَأَهلِهِ وجِيرَانِهِ والمُسلِمِينَ! فَكانَتْ عَاصِفَةُ الحَزْمِ التي تُعَدُّ نُصرَةً لِلمَظلُومِ، وَدَحراً لِلمُعتَدي. فقد:
تَحَالَفَتِ الأَفَاعِي والعَقارِبُ | وأَجْلَبَتِ الذِّئَابُ مَعَ الثَّعَالِبْ |
وأقْبِلتِ الوُحُوشُ لَها نِيُوبٌ | مُسَمَّمَةٌ تُعاضِدُها المَخَالِبْ |
نعم عبادَ اللهِ: لَقَد سُرِقَ اليَمنُ فِي وَضَحِ النَّهَارِ، وَأهلُ اليَمَنِ ضَعُفَت قُوَّتُهم، وقَلَّتْ حِيلَتُهم، فاستَنجَدُوا بِإخوَانِهم المُسلِمينَ، حُكَّامَاً وَمَحكُومينَ، فَجَاءتْ العَاصِفَةُ الحَازِمَةُ، لِتُعِيدَ الحَقَّ لأَهلِهِ وَلِتَقطَعَ يَدَ السَّارِقِ، فَأرْضُ اليَمَنِ، إرثٌ إِسلامِيٌّ عَرَبِيٌّ أَصِيلٌ، ولَيسَتْ أَرضَ شِرْكٍ، وَشَتْمٍ لِأَصحَابِ مُحَمَّدٍ ، وعُبَّادِ القُبُورِ! مُنطلَقينَ من قَولِ اللهِ جَلَّ وَعَلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10] وقَولِ رَسُولِهِ –صلى الله عليه وسلم-: "وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يَظلِمُهُ، ولا يَخذُلُهُ، ولا يُسلِمُه"(متفق عليه).
قَالَ ابنُ حَجَرٍ رحِمَهُ اللهُ: "معنى "لا يُسلِمه" أي: لا يترُكه مع مَنْ يُؤذِيه؛ بَلْ يَنصُرُه وَيَدْفَعُ عَنه، وهذا أخصُّ مِنْ تَرْكِ الظُّلمِ". فالنُّصرَةُ حَقٌّ أَسَاسِيٌّ مِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ ومُقتَضَيَاتِها العَمَليَّةِ، وعلى هذا فالأُمَّةُ مُطالَبةٌ بِرَدِّ اعتِدَاءِ المُعتَدِينَ، على أَمْنِ وأرواحِ وأعراضِ ومُقَدَّساتِ بِلادِ المُسلِمينَ؛ وفي حديثٍ صحيحِ أنَّ رِسُولَ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ".
نَسْأَلُ اللهَ -تَعالى- أَنْ يَنْصُرَ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ، وَأَنْ يَكْبِتَ الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسَائِرِ الْمُسلِمينَ، مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وتَقصِيرٍ، فاستغفِرُوه وتُوبوا إليه، إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ قَاهِرِ المُتجبِّرينَ، ومُوهِنِ كَيدِ الكَائِدِينَ، نَشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إلهُ الأَولِينَ والآخِرِينَ، ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُه سيِّدُ الأَنبِياءِ وإمامُ المُرسَلينَ، عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ أفضَلُ الصَّلاةِ وأتَمُّ التَّسلِيمِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُون، وَعَلِّقُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ جَميعِ الذُّنُوبِ، فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]. وَلا تَغتَرُّوا بِكَثرَةِ عَدَدٍ وَلا قُوَّةِ عُدَّةٍ، فَإِنَّهُ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، فَقَد نَصَرَ المُؤمِنِينَ في بَدرٍ وَهُم قِلَّةٌ لَمَّا استَغَاثُوا بِرَبِّهم وَتَعَلَّقَت قُلُوبُهم بِهِ سُبحانَهُ، وَكَادَ جَمعُ المُسلِمِينَ يُهَزَمُ في حُنَينٍ لَمَّا أُعجِبُوا بِكَثرَتِهِم وعُدَّتِهم، قَالَ سُبحَانَهُ في وَصفِ مَوقِفِ المُسلِمِينَ في غَزوَةِ حُنَينٍ: (وَيَومَ حُنَينٍ إِذْ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضَاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرِينَ) [التوبة: 25]، فَاللهَ اللهَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَلْنَكُنْ مُتَفَائِلِينَ بِنَصرِ المُوَحِّدِينَ المُجاهِدِينَ،
عبادَ اللهِ: جَاءَتْ عَاصِفَةُ الحَزمِ مُؤمِنَةً مُجَاهِدَةً تُحَرِّكُها النَّخوَةُ العَرَبِيَّةُ، والضَّمِيرُ الإسَلامِيُّ الحَيُّ. نَعَم. إنَّها عَاصِفَةٌ مُؤلِمَةٌ، وَلَكن مَا أَحلى الأَلمَ إذا تَوَلَّدتْ مِنه العَافِيةُ والعِزَّةُ والكَرَامَةُ.
ولَنا يا مُؤمنونَ مَع هَذَا الْحَدَثِ الْجَلَلِ عِدَّةُ وَقَفَاتٍ وتَذكيراتٍ وتَوجِيهاتٍ:
فَمِنْهَا: أَنْ نَتَيَّقَنَ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَحْدَهُ، لَا بِقُوَّتِنَا وَلَا بِعَدَدِنَا أَوْ عُدَّتِنَا، (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 122].
وَمِنْهَا: أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا جِهَادٌ شَرْعِيٌّ مَحْبُوبٌ عِنْدَ اللهِ -تَعالى-، فَليَبشِرْ جُنودُنَا بِقَولِ اللهِ -تَعالى-: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 95]. وقد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟فَقَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"(متفق عليه). فاللهمَّ تَقبَّلنا من الشُّهداءِ في سبيلِكَ الذينَ يُقاتِلونَ لإعلاءِ دِينِكَ.
فَقَد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"(رواهُ مُسلِمٌ).
وَمن النَّصائِحِ والتَّذكيراتِ: أَنَّ إِخْوَانَنَا في الْيَمِنِ نَحْنُ يَدٌ وَاحِدَةٌ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، فَلا يُؤْخَذُ إِخْوَانُنَا بِجَرِيرَةِ أُولَئِكَ الْحَوثِيِّينَ الْمُعْتَدِينَ، بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي الْيَمَنِ عَانَوُا الْأَمَرَّيْنِ مِنَ الْحُوثِيِّينَ الأنْذالِ. كَما يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَكُونَ يَقِظِينَ وَحَذِرِينَ مِنْ الْحُوثِيِّينَ المُندَسِّينَ فِي بِلادِنَا أَوْ مِمَّنْ يَتَعاوَنُ مَعَهُمْ أَوْ يَتَعاطَفُ مَعَهُمْ، فَلا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَقُومُوا بِرَدَّةِ فَعْلٍ تَخْرِيبِيِّةٍ.
على المُسلِمينَ عامَّةً أنْ يَبتَهِلُوا إلى اللهِ بِطَلبِ النَّصرِ والتَمكِينِ كَمَا كَانَ ذالِكَ هَديُ نَبِيِّنا في كُلِّ غَزَواتِهِ. وقَد أَمَرَ اللهُ المُجاهِدينَ بالإكثارِ مِن ذِكرِهِ عندَ اللقَاءِ فقَالَ سُبحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأنفال: 45].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَيَنْبَغِي لَنَا كَذَلِكَ التَّثَبُّتُ فِي الْأَحْدَاثِ وَعَدَمُ تَرْوِيجِ الشَّائِعَاتِ التِي يَبُثُّهَا الأعْدَاءُ فِي الدَّاخِلَ وَالْخَارِجِ، قَالَ اللهُ -تَعالى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6].
عبادَ اللهِ: المَقامُ مَقَامُ جِدٍّ وقِتالٍ فَلا مَجالِ لِلسُّخِرِيَةِ والاستِهزَاءِ بالآخَرينَ، فالحَرْبُ حَربٌ ولا مَجالَ للاستِهانَةِ بِأيِّ عَدُوٍّ! فَلنَكُن صَفًّا وَاحِدًا، نَلتَفُّ مَعَ عُلَمَائِنَا وَوُلاتِنَا، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
على أَهْلِ اليَمَنِ خاصَّةً أنْ يَجمَعُوا أَمرَهُم، ويُوحِّدُوا كَلِمَتَهم وَيَدْفَعُوا عن دِينِهم وَعَقِيدَتِهم وَبِلادِهم كُلَّ خَطَرٍ مُستَحْكِمٍ، آخِذِينَ بِقولِ اللهِ تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
وعلى أَبنَاءِ اليَمَنِ وشَبَابِها ألاَّ يَستَجِيبُوا لِداعي الهوَى والشَّيطَانِ، ولا لِلمَطَامِعِ الدُّنيَوِيَّةِ، والمَصَالِح الشَّخصِيَّةِ، فيُفسِدُوا بَلَدَهُم بِأيديهم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].
عبادَ اللهِ: إنَّ علينا جَميعًا التوبةُ إلى اللهِ، والتَّمَسُّكُ بِدينِهِ الحَنيفِ، فلا عِصمَةَ مِن فِتنَةٍ، ولا خُروجَ من أزمةٍ إلاَّ بِذلِك؛ (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]. وَمَا وَقَعَتِ الفِتَنُ، ولا المَصَائِبُ، إلاَّ بِسَبَبِ ذُنُوبِ العبادِ! (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165].
فاللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجِرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْ الحَوثِيِّينَ الرَّافِضَةَ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِم، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ جُنُودَنَا وَأَيَّدْهُمْ بِتَأْيِيدِكَ وَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيِهُمْ وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَلا تَكُنْ عَلَيْهِمْ.
اللَّهُمَّ احفَظْ جُنْدَنَا وجُندَ المُسلِمينَ مِن كُلِّ سُوءٍ وَمَكرُوهٍ، سَدِّد رَميَهُم، قَوي عَزَائِمَهُم، اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلِمينَ، اللَّهُمَّ اكتُب النَّصرَ والتَّمكِينَ لِجَمِيعِ المُسلمينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللَّهُمَّ وفِّق وليَّ أَمرِنَا وجَمِيعِ وُلاةِ المُسلمين لِما تُحبُّ وترضى. اللَّهُمَّ احفَظْ بلادَ المُسلمينَ مِن الشُّرورِ والأَخطَارِ، اللَّهُمَّ احفَظْ علينا أمنَنا واستِقرارَنا واجعَلنا شاكِرين لنِعَمِك، مُثنِينَ بها عليك قابِلها.
اللَّهُمَّ حَرِّر أقصانا، واحفَظْ إخوانَنا فِي سُوريا، وأعزَّهم فِي العِرَاقِ، وفي كُلِّ مَكانٍ.
الَّلهُمَّ أنعِم على العالَم الإسلاميِّ بكلِّ أمنٍ واستِقرارٍ ورخاءٍ وعزَّةٍ وتَمكِينٍ يا ذا الجَلالِ والإكرَامِ.
عباد الله: اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).