البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

غياب الهوية

العربية

المؤلف مازن التويجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. إظهار الغرب الكافر لعداوته وبغضائه .
  2. أهمية الهوية الإسلامية والاعتزاز بها .
  3. عزة سحرة فرعون وثباتهم على الحق .
  4. حرص الأعادي على إقصاء الهوية الإسلامية عن الصراع .
  5. مفهوم الهوية الإسلامية .
  6. أمثلة معاصرة لدور الهوية الإسلامية في عزة المسلمين ودحر الكافرين .

اقتباس

إنها قضية العزة، الافتخار، الاعتزاز بالدين، الشعور بتملّك الحق الفريد الذي لا يشركنا فيه غيرنا، الذي يثمر شخصية للمسلم متميزة، لها هويتها المستقلّة الفذّة، التي تمتلئ اقتناعًا بسلامة طريقها ومنهجها، وفي المقابل لا تشكّ بأن ما عليه أولئك باطل محض يفضي إلى النار والعطب، (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِين) ...

الخطبة الأولى:

إن الناظر اليوم لهذا العالم الممتد وهو يغلي تحت نار الصراعات والأحقاد يرى أمم الكفر من شرق وغربٍ تداعت على أمة الإسلام من كل حدب وصوب، وليس هذا بغريب، ولكن الجديد فيه هو لغة الخطاب الذي يصاغ فيه صراع اليوم.

ها هو الغرب الكافر يسفر عن وجهه الحقيقي، فما عاد الذئب النذل بحاجة أن يلبس لبوسَ الحمل الوديع، ويقلّم مخالبه، ويخفي أنيابه، لينهب ما شاء من القطيع، بل هو اليوم يتكلّم بلغة جديدة، يطالب فيها من شاء من القطيع ومن أعجبه أن يتقدّم لينطرِح بين يديه، كُل ما شئتَ ودَع ما شئتَ، والذئب الآخر يطالِب القطيع أن يذبحوا حبيبَه المفضّل ثم يقدّموه بين يديه على الطريقة التي تروق له.

معاشر الفضلاء: إن الأسباب كثيرة وراء هذا الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم، ولكن ثمة سبب مرجع جميع الأسباب إليه، وهو الإجمال لتفصيلها، ما انتصرت أمة إلا كان هو شعارها ودثارها، بدونه لا تسعى الأمة لهدف، ولا تنشد غاية، تتخبط في الأرض، تتلقف ثقافات الأمم، وتجري خلف كل ناعق.

إنها قضية العزة، الافتخار، الاعتزاز بالدين، الشعور بتملّك الحق الفريد الذي لا يشركنا فيه غيرنا، الذي يثمر شخصية للمسلم متميزة، لها هويتها المستقلّة الفذّة، التي تمتلئ اقتناعًا بسلامة طريقها ومنهجها، وفي المقابل لا تشكّ بأن ما عليه أولئك باطل محض يفضي إلى النار والعطب، (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِين) [الأنعام:161]، (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ) [الزمر:64-66].

أين نحن من تصديق سحرة فرعون؟! أين نحن من اعتزازهم بدينهم والعقيدة السماوية التي آمنوا بها؟! لقد قالوها وأعلنوها صريحة مدوية والوعود بالقتل والصلب والفناء تقرع أسماعهم: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه:72، 73]، بل لا يقف الأمر عند هذا، فقناعتهم بصحة اختيارهم وسلامة ما هم عليه دفعهم لبيان الحق، (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) [طه:74-76]. أين هذا من واقع المسلمين اليوم وأنت ترى صور التقليد والتبعية والانحلال من قيود الشرع والدين؟!

مصيبتنا -يا أحبابي- أننا نحب الإسلام ولكننا نستحيي من إظهاره، يرى بعضنا انتماءه إلى إسلامه نقصًا وعيبًا ورجعية وتخلفًا، فتُغيَّر ثوابت الدين وشرائع الملة؛ لأنها لا تتماشى مع العصر وتقنياته، تبدَّل الشرائع لترضى عنا أمم وتصفّق لنا دول.

يخجل الفرد من أبناء الأمة أن يظهر شيئًا من شعائر دينه خوفًا من سخرية ساخر وتندّر ضاحك، التمسّك بالدين والاستقامة على شرع الله الذي هو طريق العبد لسعادة الدنيا والفوز بالجنة أضحى نقصًا وتخلفًا أو إرهابًا وتشددًا. وما ذاك إلا يوم جهلت الأمة حقيقة دينها وأنه الحق، ثم غُيبت وأنسيت أو تناست بأن ما سوى هذا الحق باطل ولا شك، بهرتها حضارةٌ برّاقة، وما تغني إذا كان مآلها في الدنيا الزوال، ولأهلها في الآخرة البوار.

ولقد علم أعداؤنا هذا علم يقين، فكان هو شغلهم الشاغل. جاء في صحيفة يهودية صادرة بتاريخ 18/3/1978م ما نصه: "إن على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة مهمة هي جزء من إستراتيجية إسرائيل في حربها على العرب، هي أننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال الثلاثين عامًا، ويجب أن يبقى الإسلام بعيدًا عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".

ومصداق ذلك اليوم: كلما قامت حركة إسلامية أو دعوة للعودة للدين وُصِمت بالإرهاب ليكون مسوّغًا لضربها ومطاردة فلولها.

إنهم ليرضون بل ويشجّعون أن يُرفع أيّ شعار في العالم الإسلامي لا يمتّ إلى الإسلام بصلة، المهمّ أن لا يكون له علاقة من قريب أو بعيد بالإسلام وروحه وهويته. رعوا نبتة العلمنة، وربوا طفيليات الديمقراطية المزعومة، واعتنوا بالاشتراكية والقومية والبعث، لكن الإسلام يجب أن لا يحيى ولو كان من فردٍ واحد أو أطفال صغار.

إن هذه الهوية التي نقصدها تستوعِب مناشط الحياة كلها، كانت عبادات محضة أو أعمالاً وعادات وتفكيرًا، كلها تدخل في العبادات والقرب متى ما صاحب ذلك حسن نية وسلامة قصد، (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) [الأنعام: 162]. عباداتنا، وظائفنا، أقوالنا، أفعالنا، حركاتنا، سكناتنا، حبنا، بغضنا، بل حتى أنفاسنا، كلها تدخل في تشكيل الإسلام في نفوسنا "هويتنا العظمى".

إن الإسلام جعل لشخصية المسلم الاستقلالية والتميز؛ لكي لا تختلط بالهويات التي صاغها البشر أهل النقص والعجز والهوى.

جاء في صحيح مسلم لما أنزل الله الأمر باعتزال النساء في المحيض قالت اليهود: ماذا يريد هذا النبي؟! يريد يخالفنا في كل شيء؟! إنها الهوية المستقلة بحيث لا تلتفت إلى رجيع أفكار الآخرين وسقط هوّياتهم، لقد فهم اليهود ماذا يريد الإسلام من أتباعه، وما فهم أتباعه ماذا يريد منهم، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]. حين نتميز بهويتنا ونعتز بشخصيتنا وننتصر من دواخلنا في قلوبنا ونفوسنا يحصل لنا السؤدد والتمكين.

في يوم بدر مع قلة ذات اليد والحيلة، عندما كان الاعتزاز بالهوية شعارنا انقلبت الموازين من أجلنا، وفي يوم الفتح المجيد دانت لنا كفرة العرب قاطبة إذ كانت النفوس أبية عزيزة، انتصرت على شهواتها وتعالت فوق شهواتها، فكان النصر ولا دم.

وبعد قرون ضاعت هوية الأمة، فسام الكفار المسلمين صنوف الذل والهوان ليبعث الله صلاح الدين يحيي في القلوب هويتها وانتماءها ويوقظ عزائمها وتميزها، فيذعن الكفر ويعود الأقصى.

في حرب أفغانستان الأولى خرج الروس في صورة لن ينساها التاريخ أذلّة صاغرين يوم عادت للأمة هويتها، وها هي دويلات صغيرة وجماعات يسيرة تربت على بعث الهوية في نفوس أفرادها تصمد أمام قوى عظمى في البوسنة وكوسوفا والشيشان.

إن الأمة اليوم يجب أن تراه درسًا عمليًا في أطفال الحجارة وكتائب عز الدين القسام وفلول المجاهدين في أفغانستان والشيشان حين تصفو الهوية وتبدو الرؤية واضحة كيف تهابهم الدنيا وتخشاهم بطارقة العالم. كل هذا وغيره يدل دلالة قطعية على أن التاريخ قابل أن يعيدَ نفسه متى ما عادت الأمة إلى هويتها وانكفأت على عقيدتها وشربت كأس العز من ينبوع الكرامة، بيد أنها يوم ألقت ظهرها لعقيدتها ومبادئها وهويتها، بل وحاربها أبناؤها وتنكروا لها إلا من رحم ربك، واتهم كل من تمسك بعقيدته ودينه.

آل واقعها إلى ما ترى؛ هزائم متتالية، اتفاقيات مخجلة، ومعاهدات ذليلة، يضحك العدو بها على القوم، ومؤتمرات لا تصنع القرار لندرك قول عمر -رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...

الخطبة الثانية

لم ترد.