البحث

عبارات مقترحة:

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

التحذير من التشبه بأعداء الله

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. خطر التشبه بأعداء الله .
  2. القاعدة في التشبه .
  3. آثار ترك التشبه بأعداء الله .

اقتباس

إذاً فكيف يليق بمسلم شرح الله صدره للإسلام، وأكرمه بالإيمان، فجعله على نور من ربه، ومن خير أمة أخرجت للناس، خصها الله بخاتم النبوة وأشرف الرسل وأكمل الأديان، وأجل الكتب وأعظم الشرائع وأحسن الأحكام - التشبه بمن اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة

 

 

 

  الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، أحمده على نعمه الكثيرة العظيمة الغزار (سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20] (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم أشرف النبيين والمرسلين، وجعلنا مسلمين، وأتم علينا النعمة وأكمل لنا الدين، ونهانا عن التشبه بالكفار والمشركين.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين؛ فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة، وألّف به بعد الشتات؛ فأغنى به بعد عيلة، وكثَّر به بعد قلة، وأعزّ به بعد ذلة. نبيٌّ شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار والخيبة والخسار إلى يوم القيامة على من خالف أمره.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلّم تسليماً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى واحذروه، واعملوا بطاعته واشكروه، واتبعوا نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم في جميع أموركم وأطيعوه، (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [النور:54].

واحذروا الرغبة عن سنته والتشبه بأعداء الدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة" .

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: " من رغب عن سنتي فليس مني".

وفي مسند الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم ".

وروى الترمذي أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ".

أيها المسلمون: إن ظاهرة التشبه بأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس والمنافقين وسائر المشركين -في هذا الزمن- من الظواهر البارزة الملفتة للنظر، والتي تقتضي من كل عاقل عظيم الحذر؛ لما تشتمل عليه من نذر الخطر، وموجبات الشر وعظيم الضرر؛ فإن ظهور التشبه بأعداء الله من أهل الكتاب والمشركين من شخص أو مجتمع أو أمة - دليل على قلة العلم وضعف الإيمان، وانحراف الفطرة، وعلامة على مرض القلوب وعمى البصائر، واختلال المقاييس وانقلاب الموازين، ومظهر من مظاهر كفران النعم، وغلبة الهوى وإيثار الأولى على الأخرى؛ ذلكم لأن تشبه إنسان بآخر يدل على إعجابه بما كان عليه من تشبه به، ومحبته لما تشبه به فيه.

والقاعدة العامة المتفق عليها لدى جميع العقلاء ذوي الفطر السليمة والموازين المستقيمة أن يتشبه الأدنى بالأعلى، وأن يتأثر المغلوب بالغالب، وأن يقتدي الضعيف بالقوي؛ رجاء أن يصل إلى مستواه وأن يتمكن مما تمكن منه، وإذا كان كذلك فهل يليق أن يتشبه الرشيد بالسفيه، أو أن يظهر العالم بمظهر الجاهل؟ أم هل يليق أن يحذو المستقيم حذو المنحرف؟ أم هل يقتدي العاقل بالمجنون؟ لا شك أن ذوي الحجى والنهى يمقتون ذلك، ويعدونه من ضروب المهالك.

إذاً فكيف يليق بمسلم شرح الله صدره للإسلام، وأكرمه بالإيمان، فجعله على نور من ربه، ومن خير أمة أخرجت للناس، خصها الله بخاتم النبوة وأشرف الرسل وأكمل الأديان، وأجل الكتب وأعظم الشرائع وأحسن الأحكام - التشبه بمن اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، ووصفهم بقوله: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) [الفرقان:44].

بل هم شر الدواب، كما قال سبحانه: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنفال:55]، (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم) [الحج:18]، (لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:23].

أيها المسلمون: إن التشبه بأعداء الله دليل على تعظيمهم والإعجاب بما هم عليه من الضلال والباطل، وسبب من أسباب التشبه بهم في الباطن، وموافقتهم في الأقوال والأفعال والأحوال، وهو من آثار شعور المسلم بالذلة والهوان، وقد قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8]، وقال سبحانه: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ) [آل عمران:139].

وترك التشبه بأعداء الله والالتزام بمخالفتهم في هديهم وطريقتهم، وما كانوا عليه من الاعتقادات والأخلاق والأعمال الباطلة - دليل على عزة المسلم بدينه، واغتباطه بنعم الله عليه، ورضاه بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وذلك من أسباب ظهور الحق، وانتشار الهدى بين الخلق، ونزول النصر، وشرح الصدر، وتيسر الأمر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخالف اليهود والنصارى خاصة، وغيرهم من المجوس وأهل الشرك عامة في عامة الأمور، حتى قالوا: ما يريد محمد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.

فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا بسُنّة نبيكم صلى الله عليه وسلم في لزوم الحق والتمسك به والصبر عليه، ومخالفة أهل الكتاب والمشركين والبعد عن التشبه بهم في كل أمر؛ تفلحوا فترحموا، وترزقوا وتنصروا في الدنيا والآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.