البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
وإن للقناعة فضلها العظيم، ومنزلتها الجليلة، وقد رغَّب الإسلام فيها، فمن رُزِق فإنه نال خيراً كثيراً، ولهذا رغَّب الإسلام المسلم في الرضا بما قسم الله له وما قدَّر له، وأن ينظر في أموره كلها لمن هو دونه، لأنه إذا نظر إلى من فوقه فربما ازدرى نِعم الله واحتقرها عليه، وحرَّم الإسلام على المسلم أن يُذل نفسه، أن يُذل نفسه بسؤال الناس طمعاً وتكثراً...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها الناسُ: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: جُبِلَ الإنسان على حب الخير لنفسه، والتسخط وعدم الرضا بما في يده، والحرص على أن يكون أعلى من غيره، أو ليس أحدٌ أعلى منه، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات:8]، وقال: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [المعارج: 19-21]، ومن كان كذلك فإنه لا ينال السعادة الحقيقية، لأنه إن كمُل في شيء فلا بد أن يقصر في شيءٍ آخر، وإن فاق غيره في أمرٍ ما فإن غيره قد يفوقه في أمرٍ آخر، ويأبى الله إلا أن يكون الكمال مختصاً به -جل جلاله-، ولكن هناك أمرٌ مهم مَنْ حصَّله نال السعادة ألا وهو الرضا والقناعة بما قسم الله له، فمن ملك القناعة عاش في راحة بال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، وذهاب الهموم والنكد والكدر.
أيها المسلم: وإن للقناعة فضلها العظيم، ومنزلتها الجليلة، وقد رغَّب الإسلام فيها، فمن رُزِق فإنه نال خيراً كثيراً، ولهذا رغَّب الإسلام المسلم في الرضا بما قسم الله له وما قدَّر له، وأن ينظر في أموره كلها لمن هو دونه، لأنه إذا نظر إلى من فوقه فربما ازدرى نِعم الله واحتقرها عليه، وحرَّم الإسلام على المسلم أن يُذل نفسه، أن يُذل نفسه بسؤال الناس طمعاً وتكثراً، قال حكيم بن حزام: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم: إن هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه بسخاء نفسٍ بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه، وكان كمن يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى"، قال حكيم بن حزام: والذي بعثك بالحق لا أسأل أحداً غيرك حتى أموت، فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يدعوه ليعطيه نصيبه من الفيء فيأبى، ودعاه عمر فأبى، فقال عمر: أشهدكم أني دعوت حكيماً لأعطيه ما قسمه الله له فأبى، قال: فلم يطلب حكيمٌ أحداً إلى أن مات -رضي الله عنه وأرضاه-.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سأل الناس أموالهم تكثراً جاء يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم". ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ومن يستغنِ يُغنِه الله"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يسألني أحدٌ فيُلحَّ في مسألته فيأخذ مني بمسألته أمراً أنا أكرهه فيبارك له فيه".
أيها المسلم: إن لهذه القناعة بقسم الله وقدره ثمرات عظيمة، فمن ثمراتها امتلاء القلب بالإيمان، لأن من قنع بما قدّر الله له ورضيَ بذلك فإنه دليل على الإيمان الصادق، الإيمان بقسم الله والرضا بذلك، ومنها أيضاً أن القناعة تحقق للعبد الحياة الطيبة المملوءة بالهناء وانشراح الصدر، وراحة البال، يقول الله -جل وعلا-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل:97]، فسرها عليٌ -رضي الله عنه- وابن عباس -رضي الله عنهما- بأنها القناعة، ومن ثمرات القناعة شكر الله على النعمة، فإن من قنَعَ بالشيء شكر الله عليه، ومن تسخطه وتقالَّه لم يشكر الله عليه، فالمسلم إذا قنِع بما أعطاه الله شكر الله على نعمته، وأما المتسخط فيرى القليل لا شيء، فيُنزع عنه الشكر وذلك بلاءٌ عظيم، ومن ثمرات القناعة البشرى بالفلاح والخير، في الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "قد أفلح من أسلم، ورُزِقَ كفافاً، وقنَّعه الله بما أعطاه".
ومن ثمراتها: السلامة من أمراض القلوب الفتَّاكة، كالحسد، والكبر، والإعجاب بالنفس، فإنه إذا ما قنِعَ بما أعطاه الله لتكبرٍ في نفسه، يرى أنه أحق من غيره، وأولى من غيره، فيتكبر على الآخرين، ويحسدهم، ويسعى في زوال نِعم الله عنهم لما في قلبه من المرض وعدم القناعة، فالحسد والكبر، ثم الاغتياب والنميمة، ورمي الإنسان بالبهتان، كلها من أجل الطمع الذي ملأ قلبه، إذ لو قنِع برزق الله وقسمه لما احتاج إلى هذه الأمور السيئة.
ومن ثمرات القناعة أنها سببٌ لغنى النفس، فالغنى الحقيقي هو غنى القلب، "ليس الغنى بكثرة العَرَض، وإنما الغنى غنى النفس".
ومن ثمراتها: أن القناعة عزٌّ للمؤمن، فعزّه في قناعته بما قسمه الله، ورضاه بذلك، مع الأخذ بالأسباب النافعة، لكنه على يقين أنَّ الله حكيمٌ عليم فيما قضى وقدَّر، وهذه القناعة يمكن الحصول عليها بأسباب، فمنها قوّة الإيمان، والثقة بالله، والرضا بقسم الله، واليقين الجازم بما عند الله، فكلما قويَ إيمان العبد بالله، وقويت ثقته به، فإنه يكون قانعاً بما أعطاه الله، فإنه يعلم أن هذا قسم الله، فيرضى ويطمئن بذلك، فيكون الإيمان قوياً.
ومن أسباب القناعة أيضاً: أن يعلم العبد أن رزقه المقدّرُ له مقدَّرٌ ومكتوبٌ في أم الكتاب قبل أن يخلق الله الخليقة بخمسين ألف سنة، ثم يُعاد كتابته عندما يبلغ الجنين في بطن أمه أربعة أشهر، يأتيه الملَك فيكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أم سعيد، وفي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يطلبُ العبدَ رزقُه كما يطلبُه أجلُه"، إذًا فالأمر بيد الله، والتقدير بيد الله، ثم لينظرْ أيضاً حكمة الله في تفاوت الخلق في أرزاقهم، وأعمالهم ومراتبهم، كل ذلك لعمارة الكون، إذ لو تساوى الناس في أمرٍ واحد لما أطاع بعضهم بعضاً، ولما خدم بعضهم بعضاً: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف:32].
ثم ليعلم أن الرزق لا يخضع لمقاييس العباد ومنطلق تقديراتهم، لا شك أن للأسباب أثراً من قوة التحرك، وحُسن البصيرة والرأي، ولكن مع هذا كلِّه فالرزق ليس موكولاً لهذا، فكم من متحركٍ ومتسببٍ بذل جهده فلم يحقق شيئاً، فالأمر بيد الله، والأسباب مطلوبة، لكنها ليس المعوّل عليها دائماً وأبداً.
أخي المسلم: تأمل في عظيم نِعم الله عليك، وانظر من حولك، ومن هو دونك، لتعلم عظيم نعمة الله عليك، فإنك إذا رأيت من حولك، ممن هو أقل منك مالاً، وأقلُ منك جاهاً، وأقلُ منك عقلاً وتفكيراً، ومن ابتلوا بالأمراض والأسقام، علمت عظيم نِعم الله عليك، وقلتَ: الحمد لله الذي أنعم عليّ، وفضلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً.
ترى أقواماً قد سُلبت عقولهم، فأصبحوا في خبلٍ وقلة عقلٍ ورأي وأنت متمتعٌ بعقلٍ رزين، وفكرٍ صائب، فاشكر الله على هذه النعمة.
تشاهد أقواماً قد ابتلوا بأنواع الأمراض والأسقام، تتابعت عليهم الأمراض، ما خلصوا من مرضٍ إلا ابتلوا بمرضٍ آخر، فهم دائماً في قلقٍ وعناء، وأنت تتقلب في صحة وسلامة وعافية، فاحمد الله على هذه النعمة.
ترى أقواماً لا يجد أحدهم قوت يومه، أو مسكنٍ يؤويه، وأنت في مسكن ورزق، فاحمد الله على أن أعطاك، واشكره على نعمته، ولا تنظر إلى من هو فوقك، ولكن انظر إلى من هو دونك، لتعلم عظيم نِعم الله عليك.
ترى أقواماً قد انحرفت أخلاقهم، وساءت أعمالهم، وفسد سلوكهم، قد ابتلوا بالمعاصي، وأُشربوا حب المعاصي والجرائم، فتراهم دائماً مع المسكرات والمخدرات، وفي دور العري والفساد والفجور، وقد عافاك الله من هذه الأخلاق الرذيلة، وحفِظك من هذه الأخلاق السيئة، فاحمد الله على هذه النعمة، واعلم عظيم نعمة الله عليك.
ترى أقواماً قد أحاطت بهم الهموم والأحزان والغموم، فهم في قلقٍ وهمٍّ في ليلٍ ونهار، وقد عافاك الله من هذه كلِّها، فاحمد الله على هذه النعمة.
تشاهد أقواماً هم وأبناءهم في عناءٍ وشقاء، عقوقٌ من الأبناء للآباء والأمهات، وسوء تربيةٍ من الآباء والأمهات، فهم في قلقٍ ونزاعٍ مستمر وعدم راحة بال، وقد عافاك الله من هذا فمنحك عقِباً صالحاً والتئاماً مع أولادك وبناتك فاحمد الله على هذه النعمة.
تشاهد أحداً إذا دخل بيته كأنه أوقد جحيماً مستعراً بينه وبين امرأته، وبينه وبين أهله في قلقٍ ونزاع، وقد عافاك الله من هذه الأمور كلها، فاشكر الله على هذه النعمة، تشاهد أقواماً يلهثون وراء هذه الدنيا ويتعبون لها، لا ينفقونها في خير، لا يؤدون زكاتها، ولا يَصِلون بها رحِماً، ولا يُحسنون بها إلى عباد الله، وأنت في نعمة من هذا البلاء العظيم، وتذكر قوله -جل وعلا-: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة:55]، كلما نظرت إلى من دونك ازددت شكراً لله، وثناءً على الله، وحمداً لله على نعمته، وقناعةً بذلك.
أيها المسلم: من عباد الله من قد يُبتلى في بدنه، وفي ماله وأهله، ولكنه صابرٌ على هذا البلاء، لأنه إذا فكّر نظر إلى أقوامٍ هم أشد بلاءً منه، فشكر الله على نعمته، فكن -أخي المسلم- شاكراً لله، كن قانعاً برزق الله، راضياً بذلك، الأسباب مطلوبة، وفعلها مطلوب، ولكن مع الثقة بالله، ومع اليقين بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فالقناعة تُعطي العبد راحة بال، وانشراح صدر، وقرة عين، يشكر الله على القليل والكثير، ويحمد الله على كل نعمة، يرتاح في مضجعه، فينام مطمئن النفس، قرير العين، لا يحسد أحداً، ولا يحقد على أحد، ولا يصيبه حزن، إنما ينظر في نعم الله التي أنعم بها عليه، فيشكر الله عليها، ولا يهمه ما بأيدي الناس، إذا نظرت إلى ما في أيدي الناس، وتطلَّعت إلى ما بأيديهم، ربما تزداد هماً وحزناً وغماً، وهذا لا ينفعك، ولا يعود عليك بالخير، بل يعود عليك بالضرر والهم والحَزن، فانظر إلى نِعم الله عليك، واقنع بما أعطاك الله تكن أعز الناس، وأشرف الناس، وأغنى الناس.
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعد:
فيا أيُّها الناسُ: اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: إن من خُلق المسلم حُبَّ الخير للمسلمين جميعاً، فهو يحب الخير لنفسه، ويحبه لإخوانه المسلمين، في الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، والمؤمن حقاً يسعى في نفع الأمة، ويبتعد عن إلحاق الضرر بهم بقوله وفعله، وفي الحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم".
أخي المسلم: هكذا خُلق المسلم حقاً، خُلق المسلم الذي امتلأ قلبُه بالإيمان، فأصبح دائماً يحب الخير، وينشد الخير، ويدعو للخير.
لكن عكس ذلك أقوامٌ أصاب قلوبهم مرض الدنيا وحب المال، أمرض المال قلوبهم، فأصبحوا في قلقٍ وبلاءٍ عظيم، أصبحوا يُفسدون الأمة، يا ليته فساد لواحد أو لمجتمعٍ ما، ولكنه فسادٌ للأمة، وأعظم هذا الفساد مروّجو المخدرات الذين انتزعَ الإيمان من قلوبهم، والذين مدوا أيديهم لأعداء دينهم، وتساعدوا مع أعداء دينهم، وكانوا أرضيةً لأعداء دينهم، ورصداً لأعداء دينهم، لإفساد الأمة، وإضعاف أخلاقها وكيانها، إنه البلاء العظيم، إنه الطمع والجشع، إنه حب المال بغير حق، إنه الدليل على الكسل والخمول وعدم القدرة، والالتجاء لهذه الطريقة المشينة ألا وهي المخدرات التي أرادوا بها نيل المادة من ورائها دون مبالاة بآثارها السيئة على أنفسهم، وعلى مجتمعهم المسلم، إنهم لا يبالون بهذا، يضحَّون بقيم الناس وأخلاقهم في سبيل الحصول على هذا المال، بهذا الطريق الخبيث، بهذا الطريق السيئ، بهذا الطريق المظلم الذي لا خير فيه.
إنها المكاسب الخبيثة التي تقسِّي القلب، وتحول بين العبد وبين طاعة الله، إنها المكاسب الخبيثة التي لا خير فيها، إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لعن في الخمر عشرة، لعن الخمرة، وشاربها، وعاصرها، ومعتصرها، وساقيَها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريَها، وآكل ثمنها، كل أولئك لعنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم مجرمون، شبكة إجرامية ضالة، يعين بعضهم بعضاً، ويؤيد بعضهم بعضاً، هذه المخدرات العظيمة السيئة، التي أطلقت الخليقة على ضررها، وفسادها، وشرها، وضررها، وتهديدها للكيان الإنساني، ومسخ فطرته، والقضاء على أخلاقه وقيمه.
هذه الشبكات المجرمة الملعونة على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-، شبكات إجرام، تعاونوا على الإثم والعدوان، تعاونوا على ظلم البشرية، تعاونوا على إفساد الأخلاق، تعاونوا على تدمير الكيان، هذه الشبكات الإجرامية التي يجب استئصالها، وقطع شأفتها، وأن تقام حدود الله فيهم وفي أهل الشر من أمثالهم، هذه الفئة الإجرامية مدّت يد العون مع أعداء الشريعة، مع أعداء الأمة الذين لا يبالون بما يهدم الأمة، ويحبون إفساد الأمة، إفساد كيانها وأخلاقها، إنه أعظم من القتل، إنه الجُرم الذي لا يُغتفر.
ولكن بفضل الله ورحمته وتيسيره وعنايته أن جعل في هذا البلد عيوناً ساهرة ترقب المجرمين، وتتتبع أحوالهم، وتفاجئهم، وتسابقهم، كل خطواتهم الإجرامية إلى أن وقعوا فيما وقعوا فيه، عيونٌ ساهرة تراقب هذا الوضع، وتراقب الأمة وتعتني بحفظ كيانها وأخلاقها، فجزاهم الله عما قدموا خيراً، إنه التعاون بين الأجهزة النافعة ما بين الجمارك وسلاح الحدود وغير ذلك من القوى المساندة المكافحة لهذه الجريمة النكراء التي لا خير فيها، إنها فئة ضالة، فئة مجرمة، فئة شاذة، فئة فاسدة، فئة لا خير فيها، فئة يجب استئصالها، ليسلم المجتمع المسلم من شرها وضررها، إن لهم أساليب مختلفة، متعددة، متنوعة، كل يوم لهم أسلوب، ولكن هذه العيون الساهرة سبرت أحوالهم، وعرفت تقلباتهم وحيلهم ومكرهم، فما استطاعوا أن يهربوا منهم، وما استطاعوا أن يتستروا على جرائمهم، بل فاجأتهم في كل أحوالهم، ونشرت الداخلية كيف أساليبهم، وماذا عملوا، وماذا وضعوا، إنه لجرمٌ عظيم، ومصيبةٌ عظيمة على الإسلام وأهله، أيُّ مسلم يرضى لنفسه بأن يكون عدواً لدينه، عدواً لأمته، عدواً لمجتمعه، أيّهم يرضى بذلك.
إنك إذا اشتغلت مع هذه العصابة المجرمة الضالة المضلة فإنك تُعين أعداء دينك على أمتك وتُفسد أخلاقها، وتُدمّر كيانها، تُعرِّض نفسك للهلاك، ومجتمعك للضرر، كن -يا أخي- ساعياً في الخير، ضارباً، فطرق الخير كثيرة، وطرق الرزق متعددة، أما هذا الطريق المشين السيئ المحاط بكل شر وبلاء فاحذر -أيها المسلم- أن تلقى الله وأنت معينٌ لهؤلاء، أو متسترٌ عليهم، أو مخالطٌ لهم، أو مشاركٌ لهم، أو أرضية لهم، أو رصداً لهم، كن على حذر فإنهم مجرمون، آثمون، فاسدون، ضارون، مضرون، لا خير فيهم والله، إنهم والله تلبسوا بهذه الجريمة النكراء لأجل مالٍ ينالونه، ومدوا أيديهم مع أعداء الشريعة، ولا شك أن لهذه المؤامرة أيدٍ عظيمة، ولكن يأبى الله والمؤمنون إلا أن يكشف أسرارهم، ويهتك حالهم، ويسلط عليهم من يعرف وضعهم وأخلاقهم.
إن أساليبهم متنوعة، فكم جعلوها في المصاحف، وكم جعلوها في الإحرام، وكم جعلوها في أحشاءهم، وكم، وكم، وكم لهم من أساليب متنوعة كما شاهدتموها، ولكن -ولله الحمد- العيون الساهرة اليقظة المنتبهة الغيورة على الدين وعلى الأمة لا تخدعها تلك الأساليب، ولا يروج عليها تلك الأباطيل، بل ينالون جزاءهم إن شاء الله، إنها جريمةٌ نكراء، وبليةٌ عظمى، فاحذر منها -أيها المسلم-، وحذِّر منها أولادك ومن تحب، واعلم أنها مصائب عظيمة، لا يرضى بها المسلم في دينه، فمن لقي الله وهو مروجٌ لها يُخشى أن يلقى الله على غير هدى، لأنه روَّج لجريمة نكراء، وجريمة عظمى، يجب علينا جميعاً أن نكون يداً واحدة في حرب أولئك، والقضاء على أولئك، والرفع عن أولئك، وأن لا نرحمهم، فلا رحِم الله من رحِمَ أولئك، أو تستَّر عليهم، أو آواهم، أو رضي بأفعالهم، أو أقرهم على منكرهم، فإنهم مجرمون آثمون، نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربُّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين.