الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
العربية
المؤلف | عبدالمحسن بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
ونالَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- الفضلَ لصُحبتهم وإخلاصِهم وسَبقهم في الاستِجابة لله ولرسولِه، فزادَت رِفعتُهم عند الله؛ أُمِرُوا باستِقبال الكعبة فحوَّلُوا وِجهتَهم من بيت المقدِس إليها حينما سمِعوا بتغييرها وهم في الصلاة، ولم يُؤخِرُوا الامتِثالَ إلى الصلاة التي تَليهَا. وندَبَ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصدقة، فبذَلُوا نفيسَ أموالهم؛ فأنفقَ عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- نصفَ مالِه، وأنفقَ أبو بكر الصدِّيقُ -رضي الله عنه- مالَه كلَّه، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من جهَّز جيشَ العُسرة فله الجنة"، فجهَّزه عُثمان.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فخيرُ الزاد ما صحِبَه التقوى، وخيرُ العمل ما قارنَه الإخلاصُ للمولَى.
أيها المسلمون: أوجدَ الله الثَّقلَين لعبادتِه، وأمرَهم بامتِثالِ أوامره، وكتبَ السعادةَ لأهل طاعته. وعبادتُه -سبحانه- هي الحِصنُ الذي من دخلَه كان من الآمِنين، ومن أدَّاها كان من الناجِين، وهي خيرٌ محضٌ لا ضررَ فيها، قال -جل وعلا-: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ) [النساء: 39].
وكل خيرٍ في الأرض فإنه بسبب طاعةِ الله ورسولِه، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن تدبَّر العالمَ والشُّرورَ الواقِعةَ فيه علِمَ أن كل شرٍّ في العالَم سببُه مُخالفةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخروجُ عن طاعتِه".
وكل خيرٍ في العالم فإنه بسبب طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك الشرُّ والألمُ والغمُّ الذي يُصيبُ العبدَ في نفسِه فإنما هو بسبب مُخالفة الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
ومن رحمة الله بعبادِه أن أمرَهم بالاستِجابة له لينالَهم الخير، فقال: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ) [الشورى: 47]، فاستجابَ المؤمنون لربِّهم وأفلِحوا، (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51].
وبذلك حيَت قلوبُهم وعلا قدرُهم، قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: 24].
ومن بادرَ إلى طاعة ربِّه زادَه هُدًى إلى هُداه، قال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17].
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وكلما كان الرجلُ أتبع لمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- كان أعظمَ توحيدًا لله وإخلاصًا له في الدين، وإذا بعُد عن مُتابعته نقصَ من دينِه بحسَبِ ذلك".
ومن استَجابَ لربِّه أُجيبَ دُعاؤُه، قال تعالى: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [الشورى: 26]؛ أي: يُجيبُ دُعاءَهم، ويزيدُهم من فضلِه.
بل وأحبَّه الله ورحِمَه وأدخلَه الجنة؛ قال -عز وجل-: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى) [الرعد: 18]؛ أي: الجنة.
والرُّسُلُ -عليهم السلام- بادَرُوا إلى الإذعان والتسليم، قال الله لخليلِه إبراهيم -عليه السلام-: (أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [البقرة: 131].
وأمرَه بذبحِ ابنِه الأوحَد بيدِه فتلَّه للجبين لذبحِه، وابنُه إسماعيلُ -عليه السلام- قال له: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 102].
وموسَى -عليه السلام- سارعَ لإرضاءِ ربِّه وقال: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84].
وأخذَ الله ميثاقَ النبيين إن بُعِث فيهم نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أن يُؤمِنوا به وينصُرُوه، فقالوا: (أَقْرَرْنَا) [آل عمران: 81].
وقال الله لنبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر: 2]، فخرجَ إلى الناس داعِيًا لهم إلى التوحيد، وقال له: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [المزمل: 2]، فقام حتى تفطَّرَت قدَماه.
وحوارِيُّو عيسى -عليه السلام- استَجابُوا له، قال لهم عيسى: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ) [آل عمران: 52].
وحثَّ الجنُّ بعضُهم بعضًا إلى إجابةِ دُعاء الله: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف: 31].
ونالَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- الفضلَ لصُحبتهم وإخلاصِهم وسَبقهم في الاستِجابة لله ولرسولِه، فزادَت رِفعتُهم عند الله؛ أُمِرُوا باستِقبال الكعبة فحوَّلُوا وِجهتَهم من بيت المقدِس إليها حينما سمِعوا بتغييرها وهم في الصلاة، ولم يُؤخِرُوا الامتِثالَ إلى الصلاة التي تَليهَا.
وندَبَ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصدقة، فبذَلُوا نفيسَ أموالهم؛ فأنفقَ عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- نصفَ مالِه، وأنفقَ أبو بكر الصدِّيقُ -رضي الله عنه- مالَه كلَّه، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من جهَّز جيشَ العُسرة فله الجنة"، فجهَّزه عُثمان. رواه البخاري.
ونزل قولُ الله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: 92]، فقام أبو طلحةَ -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يا رسول الله: إن أحبَّ أموالي إليَّ بيرُحاء، وإنها صدقةٌ لله". رواه البخاري.
وبإشارةٍ من النبي -صلى الله عليه وسلم- لصِغار الصحابة إلى فضلِ قيامِ الليل كانوا عُبَّادًا لله فيه؛ قال -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عُمر -رضي الله عنهما- وهو صغيرٌ: "نِعم الرجلُ عبد الله لو كان يُصلِّي من الليل". فكان بعدُ لا ينامُ من الليل إلا قليلاً. متفق عليه.
وفدَوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بأرواحِهم طاعةً لله؛ أتى المِقدادُ بن الأسوَد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يدعُو على المُشركين، فقال: لا نقول كما قال قومُ موسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: 24]، ولكنا نُقاتِلُ عن يمينك وعن شمالِك وبين يدَيك وخلفَك. قال ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: "فرأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أشرقَ وجهه وسرَّه". يعني: قولَه. متفق عليه.
وكفَّ الصحابةُ عن أقوالٍ وأفعالٍ حين سمِعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهَى عنها ولم يُراجِعوه فيها؛ استِجابةً له؛ في الجاهلية كانوا يحلِفون بآبائِهم واعتادَته ألسِنَتُهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ينهاكُم أن تحلِفُوا بآبائِكم". قال عُمر -رضي الله عنه-: "فواللهِ ما حلَفتُ بها منذ سمِعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم أحلِف بها ذاكِرًا ولا آثِرًا". أي: ناقِلاً هذه اللفظةَ عن غيري. رواه مسلم.
وفي يوم مجاعةٍ طبَخوا طعامًا وترَكوه لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه؛ في يوم خيبَر كانت الحُمُر الأهليَّة مُباحةً فطبَخوها، فنادَى مُنادِي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللهَ ورسولَه ينهَيَانِكم عن لُحوم الحُمُر؛ فإنها رِجسٌ من عمل الشيطان". قال أنسٌ -رضي الله عنه-: "فأُكفِئَت القدورُ بما فيها وإنها لتفورُ باللَّحمِ". متفق عليه.
والخمرُ كان مُباحًا إلى أوائِل الإسلام، وبسماعِهم نهيَه من رجُلٍ يمشِي في الطُّرُقات أراقُوها؛ قال أبو النُّعمان -رضي الله عنه-: "كنتُ ساقِيَ القوم في منزلِ أبي طلحةَ، فنزل تحريمُ الخمرِ فأمرَ مُنادِيًا فنادَى"، فقال أبو طلحةَ: اخرُج فانظُر ما هذا الصوت. قال: فخرجتُ فقلتُ: "هذا مُنادٍ يُنادِي: ألا إن الخمرَ قد حُرِّمَت"، فقال لي: اذهَب فأهرِقها. قال: "فجَرَت في سِكَك المدينة". متفق عليه.
وفي روايةٍ: "فما راجَعوها ولا سألُوا عنها بعد خبَر الرَّجُل".
ويتأسَّون -رضي الله عنهم- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يلبَسُونَه من غير أن يُكلِّمهم بشيءٍ، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "اصطنعَ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من ذهبٍ، وكان يلبَسُه فيجعلُ فصَّه في باطنِ كفِّه، فصنعَ الناسُ خواتِيم. ثم إنه جلسَ على المِنبَر فنزعَه فقال: "إني كنتُ ألبسُ هذا الخاتمَ وأجعلُ فصَّه من داخلٍ". فرمَى به، ثم قال: "واللهِ لا ألبَسُه أبدًا". فنبذَ الناسُ خواتيمَهم. متفق عليه.
وكتبَ عبدُ الله بن عمر -رضي الله عنهما- وصيَّتَه حين سمِع قولَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما حقُّ امرئٍ مُسلمٍ له شيءٌ يُريدُ أن يُوصِيَ فيه يبيتُ ليلتين إلا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده". متفق عليه.
قال ابن عمر -رضي الله عنه-: "ما مرَّت عليَّ ليلةٌ منذُ سمِعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك، إلا وعندي وصيَّتي".
وبادَرُوا -رضي الله عنهم- إلى حفظِ ألسِنَتهم عما لا يليقُ امتِثالاً لوصيَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال جابرُ بن سُليم -رضي الله عنه-: أتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: يا رسول الله: إني من أهل البادِيَةِ وفِيَّ جفاؤُهم، فأوصِني. قال: "لا تسُبَّنَّ أحدًا". قال: فما سببتُ بعد قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدًا ولا شاةً ولا بعيرًا. رواه أحمد.
وانقادُوا لأوامر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حركاتهم وسكَناتهم؛ في يوم خيبَر أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرايةَ لعليٍّ -رضي الله عنه-، وقال له: "امشِ ولا تلتفِت، حتى يفتحَ الله عليك". فسارَ عليٌّ شيئًا ثم وقفَ، فصرخَ -أي: رفعَ صوتَه لبُعده عن النبي صلى الله عليه وسلم- ولم يلتفِت؛ امتِثالاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا رسول الله: على ماذا أُقاتِلُ الناس؟! رواه مسلم.
وابتَعَدوا عما نهاهم عنه وإن كان في ارتِكاب النهي مصلحةٌ ظاهرةٌ لنُصرة المسلمين؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحُذيفة يوم الأحزابِ: "قُم -يا حُذيفة- فائتِني بخبَر القوم، ولا تذعَرهم عليَّ". أي: لا تفزَعهم فيعرِفوك ويُقبِلُوا علينا. فلما أتَاهم رأى أبا سُفيان قريبًا منه -وكان حينئذٍ قائِدَ المُشركين- يصلِي ظهرَه بالنار -أي: يُدفِئُه من البرد-، قال: فوضعتُ سهمًا في كبِد القوس فأردتُ أن أرمِيَه، فذكرتُ قولَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا تذعَرهم عليَّ"، ولو رميتُه لأصبتُه. رواه مسلم.
واتباعُهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الأوامر والنواهي عن إيمانٍ ويقينٍ راسِخ؛ قال رافعُ بن خُديجٍ -رضي الله عنه-: "نهانا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمرٍ كان لنا نافِعًا، وطواعِيَةُ الله ورسولِه أنفعُ لنا". رواه مسلم.
ونساءٌ مُؤمناتٌ بادَرن للاستِجابة طاعةً لله؛ هاجرُ -عليها السلام- توكَّلَت على ربِّها، وأطاعَت زوجَها، وسكَنَت واديًا لا زرعَ فيه ولا ماء، وليس بمكَّة يومئذٍ أحَد، وفي ظاهر الحال هلاكٌ لها ولولدِها. فقالت لزوجِها إبراهيم -عليه السلام-: "آللهُ الذي أمرَك بهذا؟!"، قال: نعم. قالت: "إذًا لا يُضيِّعُنا". رواه البخاري.
ولما نزل فرضُ الحجابِ على الصحابيَّات لم يكُن إذ ذاك عندهم قماشٌ للحجاب، فبادَرنَ إلى شقِّ ثيابٍ لهنَّ امتِثالاً لأمر الله، وجَبنَ به وجوههنَّ. قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: "يرحمُ الله نساءَ المُهاجِرات الأُوَل، لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور: 31]، شقَقنَ مُروطهنَّ فاختمَرنَ بها". رواه البخاري.
وبعدُ:
أيها المسلمون: فطاعةُ الله ورسولِه تحقيقٌ للشهادتَين وكمالٌ في العبودية؛ إن طرقَ سمعُك أمرٌ فسارِع لامتِثالِه وأنت فرِحٌ مسرورٌ بعبادةِ ربِّك، وإن كان نهيًا فاجتنِبه وانْأَ عنه مُوقِنًا بضرره، طالِبًا مرضاةَ خالقِك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: أكملُ الناس حياةً أكملُهم استِجابة، ومن فاتَه جُزءٌ منها فاتَه جزءٌ من الحياة، ومن لم يستجِب لله استجابَ لغيره من المخلوقين وأذلَّه، والله حذَّر من عِصيانِه فقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "لستُ تارِكًا شيئًا كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يعملُ به إلا عمِلتُ به، إني أخشَى إن تركتُ شيئًا من أمرِه أن أزيغ". متفق عليه.
والتردُّد في فعل الطاعة أو الكسلُ في أدائِها يُنافِي كمالَ الامتِثال، ومن قدَّم قولاً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكُن من المُستجيبين له، وفي الآخرة كل أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- يدخُلون الجنةَ إلا من أبَى. قالوا: يا رسول الله: ومن يأبَى؟! قال: "من أطاعَني دخل الجنة، ومن عصانِي فقد أبَى". رواه البخاري.
والمُعرِضُ يتمنَّى الرجوعَ إلى الدنيا لطاعة الله ورسولِه، ويودُّ الافتِداء بملء الأرض ومثلِه للنجاة من العقوبة، (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) [الرعد: 18].
ثم اعلموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.