الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - الصيام |
كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى في أسفاره ومغازيه رغم ضيق الوقت، ورهق السفر، وشدة الطريق، وقلة الراحة، وفي رمضان من السنة الثانية خرج صلى الله عليه وسلم إلى بدر لملاقاة المشركين، وذات ليلة رمقه علي رضي الله عنه فأخبر عنه فقال:" ما كان فِينَا فَارِسٌ يوم بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما فِينَا إلا نَائِمٌ إلا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ يصلي ويبكي حتى أَصْبَحَ
الحمد لله الرزاق الوهاب، بيده خزائن كل شيء، قسم الدين بين عباده كما قسم بينهم دنياهم؛ ففيهم العلماء والعبّادُ والصالحون، كما أن فيهم العصاة والكفار والمنافقين؛ نحمده حمداً يليق بجلاله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أعطى هذه الأمة ليلة القدر خيراً من ألف شهر، وجاد علينا بالخير فله في هذه الليالي رحمات وهبات؛ يظفر بها أهل المساجد والقرآن، ويحرم منها أهل اللهو والغفلة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ كان يعتكف في رمضان؛ التماساً لليلة القدر، فاعتكف أوله ووسطه فأُخبر أن ليلة القدر في العشر الأخيرة فاستقر على الاعتكاف فيها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعمروا هذه الليالي الفاضلة بطاعة الله تعالى؛ فإنها موسم من مواسم الآخرة عظيم، والربح فيها كثير، وعفو الله تعالى فيها كريم، ويعتق خلقاً كثيراً من النار، ولا يفرط في طلب ذلك إلا محروم، نعوذ بالله تعالى من الحرمان (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة:48].
أيها الناس: هذه الليالي العظيمة هي ليالي الصلاة والدعاء والقرآن.. هي ليالي الربح الكبير بعمل قليل.. هي الليالي التي اختصها الله تعالى بأفضل ليلة وأشرفها..وإحياءُ هذه الليالي ليس كإحياء غيرها؛ ولذا اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم فيها اجتهاداً لم يجتهده في سواها كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ " وظاهر الحديث أنه كان فيها يحيي الليل كله بطاعة الله تعالى.
لقد كان من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المداومة على قيام الليل؛ امتثالاً لأمر الله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) [الإسراء:79] (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [المزمل:2] (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) [الإنسان:26]؛ فما ترك صلى الله عليه وسلم مناجاة ربه عز وجل في ليله والناس نيام؛ حتى قالت عائشة رضي الله عنها لعبد الله بن قيس: " لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فإن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لَا يَدَعُهُ وكان إذا مَرِضَ أو كَسِلَ صلى قَاعِدًا " رواه أبو داود.
كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى في أسفاره ومغازيه رغم ضيق الوقت، ورهق السفر، وشدة الطريق، وقلة الراحة، وفي رمضان من السنة الثانية خرج صلى الله عليه وسلم إلى بدر لملاقاة المشركين، وذات ليلة رمقه علي رضي الله عنه فأخبر عنه فقال: " ما كان فِينَا فَارِسٌ يوم بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما فِينَا إلا نَائِمٌ إلا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ يصلي ويبكي حتى أَصْبَحَ " رواه أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
لقد تحمل صلى الله عليه وسلم أعباء الرسالة وبلاغها، وإدارة شئون الأمة ومشاكلها، وما أقعده ذلك عن مناجاة ربه عز وجل في الليل، فيقوم من الليل قياماً طويلاً، وصفه من رآه من الصحابة رضي الله عنهم فقال الْمُغِيرَةُ رضي الله عنه: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حتى تَرِمُ قَدَمَاهُ أو سَاقَاهُ.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان يَقُومُ من اللَّيْلِ حتى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يصلي حتى تنتفخ قدماه.
ولما فرض قيام الليل في أول الإسلام " قَامَ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً حتى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَأَمْسَكَ الله عز وجل خَاتِمَتَهَا في السَّمَاءِ اثني عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أنزل الله عز وجل التَّخْفِيفَ في آخِرِ هذه السُّورَةِ فَصَارَ قِيَامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَ تَطَوُّعاً من بَعْدِ فريضة " رواه أحمد.
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ تهجده بركعتين خفيفتين وأمر بذلك، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ رواه مسلم.
وشَرُفَ بعض الصحابة بالصلاة مؤتمين به صلى الله عليه وسلم في جوف الليل فوصفوا ما رأوا من قيامه وتهجده فإذا هو عَجَبٌ عجاب: صلاةٌ طويلة طويلة لا يطيقها سواه، وتدبرٌ عجيب لا يكون مثلُه من غيره صلى الله عليه وسلم.
قال حُذَيْفَةُ بن اليمان رضي الله عنهما: " صَلَّيْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فقلت يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فقلت يُصَلِّي بها في رَكْعَةٍ فَمَضَى فقلت يَرْكَعُ بها ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذا مَرَّ بِآيَةٍ فيها تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وإذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وإذا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يقول: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا من قِيَامِهِ ثُمَّ قال: " سمع الله لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ قام طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فقال: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعلى " فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا من قِيَامِهِ؛ رواه مسلم.
فمن من الناس يطيق أن يقرأ بترسل وتدبر في ركعة واحدة البقرة والنساء وآل عمران؟!
وفي قصة أخرى قال عَوْفُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: قُمْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبَدَأَ فَاسْتَاكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ قام يصلي وَقُمْتُ معه فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ لاَ يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلا وَقَفَ فَسَأَلَ الله وَلاَ يَمُرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلا وَقَفَ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ رَاكِعاً بِقَدْرِ قِيَامِهِ يقول في رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً فَفَعَلَ مِثْلَ ذلك " رواه أحمد.
وربما أطال في القيام طولاً لا يحتمله غيره صلى الله عليه وسلم؛ كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: صَلَّيْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَطَالَ حتى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ قِيلَ: وما هَمَمْتَ بِهِ؟ قال: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ؛ رواه الشيخان.
وربما قَسَم صلى الله عليه وسلم سورة البقرة في ركعتين كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها.
ومن شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه عليها، أنه بات ليلة يردد آية حتى أصبح يشفع بترديدها لأمته عند الله تعالى؛ كما روى أبو ذَرٍّ رضي الله عنه قال: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حتى أَصْبَحَ يَرْكَعُ بها وَيَسْجُدُ بها (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [المائدة:118] فلما أَصْبَحَ قلت: يا رَسُولَ الله، مازِلْتَ تَقْرَأُ هذه الآيَةَ حتى أَصْبَحْتَ تَرْكَعُ بها وَتَسْجُدُ بها؟ قال: "إني سَأَلْتُ ربي عز وجل الشَّفَاعَةَ لأمتي فَأَعْطَانِيهَا وَهِىَ نَائِلَةٌ إن شَاءَ الله لِمَنْ لاَ يُشْرِكُ بِالله عز وجل شَيْئاً" رواه أحمد.
لقد قام صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة بآية واحدة؛ من أجل يشفع لنا عند الله تعالى؛ رحمةً بنا، وخوفاً علينا، فجزاه الله تعالى عنا وعن المسلمين خير ما جزى نبياً عن أمته.
وكان تهجده صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي غيره سواء من جهة عدد الركعات إلا أنه كان إذا دخل العشر أحيا ليله، سُئلت عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَيْفَ كانت صَلَاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَمَضَانَ؟ فقالت: ما كان يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولا في غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا؛ متفق عليه.
ولما ثَقُلَ صلى الله عليه وسلم صار يجلس في صلاة الليل ولم يترك مناجاة ربه عز وجل، أخبرت عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وهو جَالِسٌ فإذا بَقِيَ من قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ من ثَلَاثِينَ أو أَرْبَعِينَ آيَةً قام فَقَرَأَهَا وهو قَائِمٌ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذلك؛ رواه الشيخان.
فحري بأهل الإيمان والقرآن أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، ومناجاة الله تعالى فيه، وتدبر كتابه، والإلحاح في دعائه؛ ولاسيما في هذه الليالي المباركة التي فضلها الله تعالى على سائر الليالي، وجعلها موضعاً لليلة القدر، جعلنا الله تعالى والمسلمين من الفائزين بها، ومنَّ علينا بالاجتهاد والإخلاص، وتقبل منا ومن المسلمين، إنه سميع قريب.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله ربكم، واجتهدوا في طاعتكم، وتعرضوا لنفحات الله تعالى في هذه الليالي الفاضلة؛ فلعل دعوةً تشقُ عنانَ السماء تُرفع عنها الحُجُبُ فيتقبلها الله تعالى فيحظى صاحبها بسعادة لا يشقى بعدها أبداً، ومن وُفِّق للعمل وفِّق للقبول، ومن أُعين على الدعاء فحريٌ أن يُستجاب له قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إني لا أحمل همَّ الإجابة وإنما أحمل همَّ الدعاء فإذا أُلهمت الدعاء فإن الإجابة معه ".
أيها المسلمون: كونوا كما كان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ شكراً لله تعالى على نعمه، وتعظيماً له، وانطراحاً على بابه، وذلاً بين يديه، وخشوعاً في مناجاته ودعائه؛ فإن ربكم جلا وعلا قريب كريم (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
عظموا الله ربكم، وألحوا عليه في دعائكم، وألينوا من خشيته قلوبكم، واستدروا له دمعكم؛ فإنه جل وعلا بكم رحيم، عن رَبِيعَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أَلِظُّوا بيا ذا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ " رواه أحمد.
والمعنى: الزموها وتعلقوا بها في دعائكم؛ فالجلال والإكرام هو الحمد والمجد، ألا وإن أفضال ربكم عليكم كثيرة، وحقوقه عليكم عظيمة، وتعظيمكم له فريضة، فأدوا فريضته.
قَالَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لعائشة رضي اللهُ عنها: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: " يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي "، قُلْتُ: وَالله إِنِّي لأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الأَرْضَ، فَجَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ الله، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ... الآيَةَ كُلَّهَا " رواه ابن حبان.
احرصوا يا عباد الله على قيام هذه الليالي المباركة، والزموا المساجد في ليلها؛ فإن فيها ليلة القدر.. لو أحيا العباد السنة كلها لإدراكها لما كان ذلك كثيراً، واعلموا أنكم إن أكثرتم من العبادة فالله تعالى أكثر منكم في الثواب، وأكرم منكم في الجزاء، قال الصحابة رضي الله عنهم: " إذن نكثر" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكثر".
كيف؟! وقد خلقكم ربكم من العدم، وأغرقكم بالنعم، وأعطاكم قبل أن تعبدوه، وأحسن إليكم قبل أن تعرفوه، وها أنتم أولاء قد عرفتم حقه لما جرى عليكم قلم التكليف، وعرفتم شيئاً من عظمته فيما قرأتم من القرآن، وعلمتم بعض إحسانه إليكم، وما جهلتم من نعمه عليكم أكثر مما عرفتموه (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله) [النحل:53].
حافظوا -رحمكم الله تعالى- على صلاة أول الليل وآخره حتى يكتب لكم قيام الليل كله؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الْإِمَامِ حتى يَنْصَرِفَ كُتِبَ له قِيَامُ لَيْلَةٍ " رواه أبو داود.
ومن لزم المسجد بين قيام أول الليل وآخره للصلاة والذكر والقرآن والدعاء فقد أحسن؛ لأنه أحيا الليل كله، وما هي إلا ليال معدودة فتنقضي، يفوز فيها من يفوز، ويفرِّط من يفرط؛ فاللهم اجعلنا من الفائزين، ولا تجعلنا من المحرومين، اللهم أعنا على أنفسنا وعلى شياطيننا، وارزقنا الإخلاص في أعمالنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واقبل منا ومن المسلمين.
وصلوا وسلموا...