العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | ناصر العلي الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
نحن لو ألقينا نظرةً في حال المرأة العاملة في الغرب والشرق نجد أن المرأة أتعس مخلوق؛ فهي تمارس الأعمال الشاقة، وتزاحم الرجال في كسب الرزق، وأهملت بيتَها، وتأكل من السوق طعامَها، وفقدت أنوثتَها، وتبدَّد حُلْمُ سعادتِها، وتفكَّكتْ أواصرُ أسرتِها، وأهملتْ تربيةَ أولادها، وخربتِ البلاد، وعمَّ الفساد، وشاع الانحلال، وانتشرت البطالة بين الرجال، وصارت الصيحاتُ ترتفع من...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة المسلمون: كانت المرأة في الجاهلية تعدُّ من سَقْط المتاع، حتى جاء دينُ الإسلامِ العظيم فانْتَشَلها من هذه الوَهْدة السَّحيقة، ووضعها في مكان كريم، قال الله -تعالى-: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)[آل عمران: 195].
وقال صلى الله عليه وسلم: "النِّسَاءُ شَقَائقُ الرِّجَالُ"[رواه أبو داود، بسند حسن].
لقد أولى الإسلامُ المرأةَ عنايةً بالغةً، وأهتمَّ بحياتها، وجعلها مَوطِنَ سَكَنِ الرجل، قال الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
وجعل الإسلامُ المرأةَ خيرَ مُتَعِ الحياة الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"[رواه مسلم].
عباد الله: لقد خلق الله المخلوقات، وقسَّمها إلى جنسين: ذكرٍ وأنثى، قال تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الذاريات: 49].
وقال سبحانه: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)[النجم: 45].
وجعل لكل جنسٍ وظائفَه المناسبةَ لقدراته وطبيعةِ خِلْقَتِه، لا يقوم بها غيرُه، وهذا ما يُعرف بالتوازن البيئيِّ في الحياة.
وإنَّ من ينظر إلى الرجل والمرأة بمقتضى الفطرة والخِلْقة وتوزيعِ مهامِّ الأدوارِ المنوطةِ بكلٍّ منهما لَيُدركُ أنَّ عملَ الرجلِ الطبيعيَّ يكون خارجَ البيت، وأنَّ عملَ المرأةِ الطبيعي يكون داخل البيت.
هذه حقيقةٌ بَدَهِيَّةٌ من بَدَائِهِ الحياة، وكلُّ مَنْ يقول بغير هذا فقد صَادَم الفطرةَ والعقلَ والشرعَ وطبيعةَ الحياة.
فالأصل والأساس أن يكون ميدانُ عملِ المرأةِ، هو مملكتَها وبيتَها.
فالمرأةُ في المنزلِ مَلِكةٌ، وعمادُ الأسرة، ومربيةُ الأجيال، وقديمًا قال الشاعر:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددْتها | أعددتَ شعبًا طيِّبَ الأعراقِ |
الأمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعَهَّدَهُ الحَيَا | بِالرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّما إيْرَاقِ |
الأمُّ أستاذُ الأساتذةِ الأُلى | شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ |
لقد أناط الإسلامُ بالمرأة دورًا عظيمًا، يتمثل في تربية الناشئة ليكونوا شعبًا طيِّبَ الأعراق.
إنَّ أمانةَ رعايةِ البيتِ جعلها الإسلامُ معلقةً برقبة المرأة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا"[رواه البخاري].
ورواية مسلم: "وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ"[رواه ابنُ حبانَ وغيرُه، وهو حديثٌ صحيح].
هذا هو طبيعةُ عمل المرأة، وهذا ميدانها الصحيح.
إن الله -تعالى- حكم من فوق سبع سماواتٍ بأنَّ المكانَ الأصليَّ لعمل المرأة هو البيتُ، فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].
وقَرْنَ في بيوتِكُنَّ، علماءُ الشرع يدركون أنَّ الأمرَ الإلهيَّ للمرأة بالقرار في البيت ليس كما يصوِّرُه أهلُ الشهوات والشبهات مَنْ في قلوبهم مرضٌ وفي عقولهم خللٌ، مِنْ أنَّ الإسلام يفرض على المرأة إقامةً جبريةً في البيت بحيث لا تبرحه إطلاقًا، كلا وحاشا، ولكنما ذلك دِلالةٌ ربَّانيةٌ إلى أن يكون البيت للنساء هو الأصلَ في حياتهن وهو المقرَّ لعملهِنَّ، وما عداه فهو استثناءٌ طارئٌ ليست له صفةُ الاستقرار والاستمرار، إنما هي الحاجة التي تُقدَّر بقَدْرها، ولو كانت المرأة تخرج للعمل خارجَ البيت كالرجل سواءً بسواءٍ، ومثلاً بمثلٍ بشكلٍ اعتياديٍّ لما أمر الخالق الكريمُ القدير بالقرار في البيت: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)[الأحزاب: 33].
تأملوا -يا عباد الله-: الإيماءَ اللطيف في كلام العليم الخبير اللطيف، حيث أضاف البيوتَ إلى النساء في أربع آيات محكمات، مع أن غالبَ البيوت ملكيتُها ترجع للأزواج، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)[الأحزاب: 33].
وقال سبحانه: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ)[الطلاق: 1].
وقال تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب: 34].
وقال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) [يوسف: 23].
وورد في إحدى روايات الحديث: "وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِهَا وَمَا وَلِيَتْ مِنْ أَمْرِ زَوْجِهَا".
وقال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، فَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا"[رواه ابن السُّنِّيِّ وصححه الألباني].
تلاحظون في هذه النصوص أنَّ البيوتَ أضيفت إلى النساء مراعاةً لاستمرار لزومِهنَّ لها وقرارِهنَّ بها، لتنهض بواجباتها الحقيقيةِ تجاهَ زوجِها وولدِها.
إنَّ عملَ المرأةِ الأساسَ بيتُها، فهو مملكتُها الغالية، تتولى فيه رعايةَ زوجِها وتلبِّي احتياجاتِه، وبين حُجَرِ هذا البيت وأركانِه تربِّي صغارَها وتُغدق عليهم حنانَها وعطفَها.
أيها الإخوة المسلمون: عمل المرأة الآن خلقْنَا منه مشكلة، وجعلناه معضلةً، وروَّجنا إعلاميًّا بما يسمى بطالة المرأة، واهتمَّ بعض الناس حثيثاً في علاج بطالة المرأة على حساب بطالة الرجل، إذا كان الشاب لا يعمل، والفتاة تعمل، فمن سيتزوج من؟ من سيدفعُ مهْرًا لمن؟ من يعول من؟
أهذا أنموذجٌ سويٌّ أصحيحٌ أن يبقى الرجل قارًّا في البيت عاطلا عن العمل، بينما يكثر التداعي والتنادي لتوظيف المرأة عاملةً خارج بيتها، إنها الفطرة المنكوسة، والحكمة المطموسة.
وراحت الدعوات المشبوهةُ، والنداءات المتكررة، والمحاولات المستميتة؛ ترفع عقائرها بإخراج المرأة من بيتها: هيَّا اخرجي يا فتاةُ! اخرجي أيتها المرأة! لتزاحمي الرجال، ولتنافسي الشباب، ولتقاومي المجتمع الذكوري الذي تسلَّطَ عليك، وأهدر حقوقك.
إنها دعواتٌ خبيثةٌ فاسدةٌ، صادمةٌ للدين والعقل.
ويدَّعون وبئس ما يدَّعون أن نصف المجتمع معطَّل، وأن المجتمع يتنفس برئةٍ واحدة، وأنَّ المجتمع يمشي على عكاز واحدة، وأن عملَ المرأةِ ربةُ منزلٍ هو تخلُّفٌ ورجعية، وأن البيت مأوى الجاهلات العاطلات الغافلات المؤمنات ونحوُ ذلك من الألفاظ الخادعة الماكرة.
لا -يا عباد الله-: البيت مكانٌ مُشِّرفٌ للمرأة، تقوم فيه بعملٍ يعجز عنه أفحلُ الرجال.
ونحن لو ألقينا نظرةً في حال المرأة العاملة في الغرب والشرق نجد أن المرأة أتعس مخلوق؛ فهي تمارس الأعمال الشاقة، وتزاحم الرجال في كسب الرزق، وأهملت بيتَها، وتأكل من السوق طعامَها، وفقدت أنوثتَها، وتبدَّد حُلْمُ سعادتِها، وتفكَّكتْ أواصرُ أسرتِها، وأهملتْ تربيةَ أولادها، وخربتِ البلاد، وعمَّ الفساد، وشاع الانحلال، وانتشرت البطالة بين الرجال، وصارت الصيحاتُ ترتفع من النساء قبل الرجال بأنْ لا صلاحَ إلا بعودة المرأة إلى بيتها ومملكتها، طالما وجدتْ مُعيلاً يعولُها ويكْفُلُها.
نعم -يا عباد الله-: إنَّ الإسلام كَفَل للمرأة النفقة، وأوجبها على زوجها ووليِّها، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]ٍ.
وقال سبحانه: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7].
وقال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ"[رواه ابن ماجة، وهو حديثٌ حسن].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة المسلمون: إنَّ ظروفَ الحياةِ المعيشيةِ قد تُلجئ المرأةَ إلى الخروج للعمل، فهل سمح الإسلام للمرأة بالعمل؟
إنَّ الإسلام كما علمتم وجه المرأة إلى القرار في بيتها، والقيامِ بشؤون زوجها وولدها، ولم يأمرْها أن تعمل في ميادين الحياة العامة من أجل الكسب المادي، ولكنه كذلك لم ينهها عن العمل، طالما دعتِ الحاجةُ إلى خروجها وعملها.
لكنَّ الشريعة الغراء لم تَتْرُكِ الأمرَ فوضويًّا كما يحلو لأهل الأهواء، بل وَضعتِ الضوابطَ التي تنظِّمُ هذا الخروج للحيلولة دون الوقوع في الحرام.
من تلك الضوابط:
الضابط الأول: أن يأذن لها وليها بالعمل زوجًا كان أو أبًا أو أخًا ونحوهما؛ لأن إدارة هذه الشؤون على الرجل، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)[النساء: 34].
ولما أرادت عائشةُ -رضي الله عنها- الخروج لزيارة أهلها، قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتأذن لي أن آتيَ أبوي؟"[متفق عليه].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "لا يحلُ للزوجة أن تخرج من بيتها إلاَّ بإذنه، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشِزةً عاصية لله ورسوله، ومستحقةً للعقوبة".
ونصَّ الإمامُ الشافعيُّ في كتابه: "الأم": "أن المرأة إذا بلغتْ قادرةً على نفسها ومالها على الحج فأراد وليُّها أو زوجُها منْعَها منه امتنعت، ما لم تُهِلَّ بالحج".
فإذا كان هذا -يا إخواني-: في حج الفريضة، فكيف بالعمل المباح؟!.
والضابط الثاني: أن يكون خروجها لضرورة أو حاجة، والحاجة قد تكون شخصيةً كمطلَّقةٍ أو أرملةٍ لإعالة نفسها، وكمتزوجةٍ وزوجها لا يكفيها بالمعروف أو تعمل لإعانة أبيها وأهلها، ولا معيل لها ولا لهم، ولم تقم الدولة بسداد حاجتها.
وقد تكون الحاجة للعمل مجتمعيَّةً من قبيل فروض الكفايات، كتدريس بنات جنسها ووعظهن، وتطبيبهن وتمريضهن.
ومما يدل على أن عملها مقيد بالحاجة قوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[القصص: 23].
فَعِلَّةُ عمل المرأتين عجزُ وليِّهِما عن الرَّعْيِ والسَّقْي، وكفاهما موسى -عليه السلام- لما عمل أجيرًا مقابلَ نكاح إحدى المرأتين.
وقال صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ" [متفق عليه].
فللنساء أنْ يخرجْنَ لزيارة أهلها وذوي رحمها وجيرانها، وغيرِ ذلك مما تمسُّ به الحاجة، فقد ثبت في البخاري أن عائشة -رضي الله عنها- خرجت لحضور عرسِ امرأةٍ وزفَّتها لزوجها، وأقرَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك.
والضابط الثالث: أن يكون العمل مباحًا في ذاته ملائمًا لطبيعة المرأة؛ مثل: البيع والشراء والخياطة والتعليم والتطبيب والتمريض والدعوة إلى الله، والأعمال الخيرية والخدمات الاجتماعية.
وأما الأعمالُ غيرُ المشروعة؛ كالعمل في مؤسسات ربوية، ومصانعِ خمور، والرقص والغناء والبغاء والتمثيل المحرم.
والعملِ مذيعةً تخضع بصوتها، وتكشف وجهَها وزينتَها أمامَ الناس، فهذه أعمالٌ محرمةٌ، لا تليق بالمرأة.
والمهنُ الشاقةُ؛ كالحدادة وتنظيفِ الشوارع العامة، وبناءِ العِمارات، وشَقِّ الطرق، وفي المناجم، وغيرِها من الأعمال الشاقة على الرجال فضلاً عن النساء، لا يجوز لها أن تمارسها؛ لأن في ممارستها عدوانًا على طبيعتها وأنوثتها، قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
وقال صلى الله عليه وسلم: "يَا أَنْجَشَةُ! رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ"[متفق عليه].
يعني: "رفقًا بالقوارير".
وألا يكون عملها فيه تسلطٌّ على الرجال، فلا تكون رئيسةً عليهم، ولا تتولى إمارةً أو قضاءً أو وزارةً أو شرطةً أو نحوَ ذلك على الرجال، قال صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً"[رواه البخاري].
الضابط الرابع: الالتزام بالحشمة والآداب الشرعية في خروجها؛ درأً للفتنة، وأن لا يكون عملها مجالاً للسفور والتبرج.
ومن شروط اللباس الشرعي: أن يكون ساترًا لجميع البدن.
وأن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفاف.
وأن لا يكون لباس شهرةٍ ولا زينةٍ في نفسه.
وأن يكون واسعًا غيرَ ضيِّق، فلا ُيجسِّم أعضاءَها وعورتَها.
وأن لا تخرج متطيبةً بعطرٍ أو بخورٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فمرَّت عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فهي زانية"[رواه ابنُ حبانَ وحسنه الألباني].
أن لا تتشبه بالكافرات ولا بالرجال، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"[رَوَاهُ أَحْمد وهو صحيح].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ والمتشبِّهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ"[رَوَاهُ البُخَارِيّ].
والضابط الخامس: ترك الاختلاط والاختلاء بالرجال الأجانب؛ قال صلى الله عليه وسلم: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ"[متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثالثَهما الشَّيْطَان"[رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وهو حديثٌ صحيح].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"[متفق عليه].
والحمو: أقارب الزوج.
أيها الإخوة المسلمون: هذه أهمُّ الضوابط الشرعية لخروج المرأة للعمل، وهذا تأصيلُ المسألة من وجهة نظر علماء الشريعة؛ فينبغي لمن تؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً؛ أن تتقيد بأحكام الشرع، حتى يكون خروجها للعمل خروجاً شرعياً يكافئها الله عليه بالثواب في الآخرة، مع ما تعطى في الدنيا، لا أنْ يكونَ خروجُها إثمًا عليها، ووبالاً على مجتمعها.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة أعداء الملة والدين...