البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

الخوف من الانحراف

العربية

المؤلف عبد الله يعقوب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أهمية الثبات والخوف من الانحراف .
  2. ضرورة اللجوء إلى الله وترك الاعتماد على النفس .
  3. خوف المؤمن من الانحراف والانزلاق في الفتنة .
  4. ثبات يوسف -عليه السلام- أمام فتنة النساء .
  5. خطر الابتعاث والواجب نحو المبتعثين .
  6. التمسك بالدين والحذر من دعاة الانفتاح والتجديد .

اقتباس

أيها الناس: هذا نبي الله يوسف -عليه السلام-، سليلُ بيتِ النبوةِ والإيمان، جاءته الفتنةُ، بل عُرضت عليه من سيدته: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ)[يوسف:23]. إنها سيدة القصر، تدعوه لنفسها، وهو عندها من جملة الخدم، لا يستطيع لها رداً ولا دفعاً، وزيادة في الاحتياط والحذر: (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ)[يوسف:23] بنفسها، حتى لا يطلع على ذلك إنسان، وتكون بجريمتها في أمن وأمان. ثم دعته للفتنة والفاحشة: (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)[يوسف:23]. ففر منها، والتجأ إلى الله، واستعاذ به و(قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ)[يوسف:23]. وليس للمؤمن منجاً، ولا ملجأ، ولا معتصَم من الفتن، إلا إلى الله. ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، وإذ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله...

أَيُّهَا الْنَّاسُ: يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[إبراهيم: 35 -36].

والمراد بالآية؛ كما قال أهل العلم: طلبُ الثبات والدوام على التوحيد، وملة الإسلام، والبعد عن عبادة الأصنام، بل أدخل إبراهيمُ -عليه السلام- نفسَه مع أنه معصوم من عبادتها لزيادة التثبت، وإظهار عجزه لربه، وإعلاما بأنه لا يقدر أحد على حفظ نفسه إلا بحفظ الله -تعالى-.

أيها الناس: إذا كان إبراهيم الخليل يخشى على نفسه من الشرك، ويلح بالطلب على الله أن يحفظه وأولاده من الوقوع فيه؛ فماذا عسانا أن نقول نحن؟

نحن أولى -والله- بالخوف من الوقوع في الشرك من إبراهيم -عليه السلام-.

أيها الناس: تعلِّمنا هذه الآيةُ أمراً في غاية الأهمية، وهو ضرورة اللجوء إلى الله، وترك الاعتماد على النفس، والحذر من الثقة المفرطة في النفس.

فثمة أقوام يرون أنفسهم بعيدين عن الشرك، بعيدين عن الانحراف، وأنه لن تضرهم الأهواء والمحدثات، يقولون ذلك ثقة في أنفسهم، واعتمادا عليها.

وهذا نوع من النفاق والعُجب، وهؤلاء أسرع الناس وقوعاً فيما أمنوه، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ -رحمه الله-: "أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ".

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: "مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلاَّ خَشِيتُ أَن أَكُونَ مُكَذَّبًا".

وعَنِ الْحَسَنِ: "مَا خَافَهُ -النفاق- إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ".

المؤمن -عباد الله-: يخشى على نفسه من الانحراف، والانزلاق في الفتنة، ولذا يجب البعد عن مواطنها ومظانها، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68].

وقال صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال: "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهْوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ"[رواه أبو داود].

فما بال أقوام يصدقون دجاجلة الإعلام، وأساطين الكذب، من زوّار السفارات، وبائعي الهوى والشبهات، الذين باعوا ضمائرهم للشيطان، ونحروا له قرابين الولاء، وقبضوا الثمن؛ خيانة للدين والوطن.

فلا وطنيةً رعوا، ولا فضيلةً حموا، كفى الله المؤمنين شرهم ومكرهم.

أيها الناس: هذا نبي الله يوسف -عليه السلام-، سليلُ بيتِ النبوةِ والإيمان، جاءته الفتنةُ، بل عُرضت عليه من سيدته: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ)[يوسف:23].

إنها سيدة القصر، تدعوه لنفسها، وهو عندها من جملة الخدم، لا يستطيع لها رداً ولا دفعاً، وزيادة في الاحتياط والحذر: (وغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ)[يوسف:23] بنفسها، حتى لا يطلع على ذلك إنسان، وتكون بجريمتها في أمن وأمان. ثم دعته للفتنة والفاحشة: (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)[يوسف:23].

ففر منها، والتجأ إلى الله، واستعاذ به و(قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ)[يوسف:23].

وليس للمؤمن منجاً، ولا ملجأ، ولا معتصَم من الفتن، إلا إلى الله.

ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، وإذ بالفتنة تطل برأسها من جديد، مع الترهيب والتخويف والتهديد: (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32].

لكن يوسف -عليه السلام-، صاحب المبدأ، الطاهر النقي، الذي لا يعرف الخيانة، الذي فرَّ من الفتنة هناك يعلنها صريحة مدوية هنا: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33].

(وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ).

نعم، إنه الخوف من الفتنة، الخوف من الانحراف، مهما بلغت منزلته في الإيمان واليقين، مع دوام الحذر واليقظة، واللجوء التام إلى الله، فمن فرَّ من الفتنة، ولجأ إلى الله؛ كفاه اللهُ أمرها، ونجاه منها: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف:34].

المؤمن -أيها الكرام-: يحذر من المقالات المنحرفة، والكتابات الملتوية، التي تبث الفتنة، وتقلب الحقائق، وتبدل الدين، وتغير صراط وسبيل المؤمنين إلى سبيل المنافقين.

أولئك الذين خافهم على أمته نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ".

المؤمن -أيها الكرام-: يحذر من السفر إلى بلادٍ لا يؤمن أهلها بالله، ولا باليوم الآخر، يكفرون بالله ليلاً ونهاراً، ولا يقيمون للفضيلة والقيم والمبادئ وزنا ولا اعتباراً، وقد قال حبيبكم -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا بَرِيء مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ"[رواه أبو داود].

"فما لبعض الآباء يلقون بأولادهم في هذا النهر الملوث، وهم لا يحسنون السباحة؟ ما لهم يبعثون بشابٍ أمضى عمره كله في بلد الدين والحجاب، ما رأى يوماً جسدَ امرأة غريبة عنه، ولا خلا بها، شابٌ بين جنبيه من الرغبة جمرة تتلظى، لو أبصر فتاةً من بعيد؛ لهفا قلبه إليها، وتمنى الدنو منها، ودفع ربع عمره ليبصر ما تحت ثوبها، يرمون به إلى بلادٍ: بعضُ النساء فيها سلعةٌ رخيصةٌ على جوانب الشوارع، وربما تعرّضن له إن لم يتعرض هو لهن! إلى بلاد: المنكراتُ فيها معلنة، والأعراضُ مستباحة، فإما أن يميله الهوى ويقوده الشيطان فيقع في الحرام، وإما أن يضم جوانحه على مثل لذع النار".

ولقد رأينا وسمعنا مصائب وقعت لبعض الدارسين من أبنائنا وبناتنا في بلاد الغرب، ما بين سوءات أخلاقية، وانحرافات سلوكية.

وسرتْ همهماتٌ محذِّرة، وخرجتْ كلماتٌ منذرة؛ تحدث عن ذلك العلماءُ والعقلاءُ والمجربون وأهل الخبرة، وما من مستجيب!..

وحينئذٍ؛ فلا يلومنَّ امرؤٌ إلا نفسه، إن وقعت الفأس في الرأس.

قال الشيخ الطنطاوي -رحمه الله– مبيناً خطورة الابتعاث إلى الخارج، وخاصة ما نجده الآن من آثاره السلبية عند صغار المبتعثين منهم، قال رحمه الله: "كما أقر أن سفري لمصر، على الرغم أنها بلد الأزهر ومثابة العلماء، وأن إقامتي فيها كانت قصيرة، وكنت في وسَطٍ إسلامي، أنها -على هذا كله كادت تفتنني، وتبدل سلوكي. فليتّقِ الله الذين يبعثون بأولادهم إلى بلدٍ لا يُسمَع فيها أذان، ولا يُتلى فيها القرآن، وفي نفوسهم ظمأ قاتل، وحولهم أنواع البارد المسموم من حلو الشراب.

إذا كنت أنا الناشئ في بيت العلم والدين كدتُ أفسدُ في مصر وأنا ابن عشرين، فماذا تكون حال من يذهب في مثل تلك السن إلى أوربا أو أميركا أو روسيا". ا. هـ كلامه رحمه الله.

لذا وجب النصح والبيان، لمعاشر الأولياء والآباء: أن اتقوا الله، اتقوا الله في أولادكم، اتقوا الله في البنين والبنات.

جنبوهم أسباب الفساد، ووسائل الانحراف، من مسموعٍ ومقروءٍ ومشاهَد.

حذِّروهم من الخلوة المحرمة، والاختلاط المنظم.

حذِّروهم من اللباس غير الساتر، ومن رُفقة الفاجر والغادر.

واجتنبوا الفتن ومظانها، وعليكم بجماعة المسلمين، فمن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية -والعياذ بالله-.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم.
 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا حمدا، والشكر لله شكرا شكرا.

أيها الناس: إننا نعيش في قوّةٍ وصحةٍ وأمن، توجب الشكرَ لله والحمد، وإنَّ من حقّ الله علينا، وحقّ أجيالنا وأوطاننا: أن نكون أوفياءَ للإسلام، أمناءَ على الإسلام، وأن نتطهّر من القبائح والمذامّ، وخبيثِ البثّ والإعلام، وأن نقومَ على أجيالنا أصدقَ قيام، بالتربية والتأديب، والتقويم والتهذيب، فلن تُصان حمى الأوطان، بمثل طاعة الرحمن.

واسترشدوا بالعلماء الربانيين، أصحابُ الاستقامة، وأهل الديانة، فهم أرفعُ الناس قدراً، وأسلمُهم فكراً، وأمكنُهم نظراً..

واحذروا دُعاةَ الانفتاح والتجديد؛ من العلمانيين والمنافقين الذين لا همَّ لهم إلا التبعيةُ والتقليد؛ لحياة شرّ الخلق والعبيد..

ولا تكونوا ممن صدف عن سواء الصراط، وحاد عن سبيل الرشاد، وسلك سبيلَ الكبر والعناد، لا تكونوا أغفالاً من حسن الاعتبار وصحيح الادّكار، فتنزلّ بكم العقوبات والنقمات، وارعوا أسماعكم لقول ربكم: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)[الأنعام: 82].

ألا فاتقوا الله -عباد الله-: وتمسكوا بدين الإسلام الخالد، ومبادئه العظيمة الراسخة، ولا يهولنكم كثرة المنحرفين عن الحق، فما دمت متمسكاً بالكتاب والسنة فأنت على الحق ولو كنت وحدك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54].

وصلوا وسلموا على نبي الهدى والرحمة، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.