البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

كورونا

العربية

المؤلف سعد الدريهم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أسباب الخوف من مرض كورونا .
  2. الابتلاءات دعوة لمراجعة النفس .
  3. الذنوب والمعاصي سبب البلاء .
  4. التحصن بالإيمان بالقدر .

اقتباس

لعله أقلقكم ما أقلق غيرَكم، وأقض مضاجعكم ما أقض مضاجعَ الآخرين، من هذا المرض الموسوم بكورونا، وهو حقاً مرض مقلق ويبعث على الخوف؛ وذلك لخطورته، وسرعة انتقاله بين الناس، وكذلك لسرعة تغير فيروسه من مرض له عوارض إلى مرض لا عوارض له، بل يصيب الإنسان ويستلُ روحه دون أن يعلم بمكنون ما أصابه، كما أنه يزيد من خطورته أن الأمصال المضادة له أو العلاجاتِ المكافحةَ لمن أصيب به لا زالت غير موجودة على مستوى عالم اليوم...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضللْ؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعدُ:

فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أيها الأحبةُ في الله: لعله أقلقكم ما أقلق غيرَكم، وأقض مضاجعكم ما أقض مضاجعَ الآخرين، من هذا المرض الموسوم بكورونا، وهو حقاً مرض مقلق ويبعث على الخوف؛ وذلك لخطورته، وسرعة انتقاله بين الناس، وكذلك لسرعة تغير فيروسه من مرض له عوارض إلى مرض لا عوارض له، بل يصيب الإنسان ويستلُ روحه دون أن يعلم بمكنون ما أصابه، كما أنه يزيد من خطورته أن الأمصال المضادة له أو العلاجاتِ المكافحةَ لمن أصيب به لا زالت غير موجودة على مستوى عالم اليوم، ومما يزيد الطين بلة أن الشفافية لا زالت شبه معدومة من المسؤول لبيان المسببات الجالبة لهذا المرض، فلا يدري المواطن ما يأتي وما يذر من أجل الخلاص من هذا الداء، وذلك أمر لا يُحمد لمن تولى المسؤولية ثم تخلى ولم يبين للناس مكامن الخطر وبواعثه، وهو من الخيانة إن علم ولم ينشر ذلك التحذير.

أيها الجمع الكريم: إن هذا الداء -وهو مرض كرونا- بتنا في مقدمة الدول التي أصيبت به، فهو -بحسب الإحصائيات المعلنة- أصيب من أهلنا من هذا البلد ما يربو عن المائتين، وقد توفي قريب من النصف، وفي المؤشرات العالمية يعد وباءً؛ وذلك إن تعدت الوفاة من مرض من الأمراض مائة أو يزيد، ومهما يكن من أمر فإن اخترام هذه الأنفس وبسبب من هذه الأمراض يعد مصيبة وخسارة للمجتمع الصغير الأسرة، وكذلك للمجتمع الكبير الدولة، ولا يخفاكم أن وقوع هذه الأمراض بين الناس يعد مصيبة بالمعنى الشرعي كذلك. قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).

وهي من الله القدير سبحانه! ليراجع الخلق أنفسهم وما أحدثوا من شرور وآثام، ولا يكاد يسلم البشر وبحسب طبيعتهم من هذه الموبقات، وقد كَثُرَت في هذا الزمان، ولا يؤاخذون بها ماداموا يحدثون التوبة تلو التوبة، كما أنهم لا يؤاخذون بها مادامت سراً، لكن لما أعلنوا بها جاءهم أمر الله من كوارث ومصائب وأمراض، ولا يهلك على الله إلا هالك؛ لذا التواصي بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصانة من تلك المهلكات والجوائح لو علمنا؛ لذا لا بد أن تدركوا وتؤمنوا أن تغير الأحوال من حولنا أو في بلادنا كائن بسبب من تقصيرنا كما في الآية السالف ذكرها: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْكُمْ...).

ولا يغرنكم ما يقال من بعض المفتونة قلوبهم من أنه ليس لعمل الإنسان أثرٌ في تغيرات الأرض، بل إن له الأثرَ الكبير في ذلك: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، ففسادها بسببك وصلاحها كذلك بسببكم؛ إن أطعتم الله صلح حالكم، وإن عصيتم الله فسدت تلك الحال، وعفو الله فوق ذلك (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وإلا لو عاملنا بما نستحق لم نكن شيئاً مذكوراً؛ لذا أول ما تواجه به هذه النكبات والأوبئة التوبة من العباد لله عما أحدثوا؛ جميعاً وفرادى، ولا يقل أحد -مهما كان صلاحه- بأنه منزه من التقصير، بل كلنا مقصر، والله يعفو ويتكرم سبحانه، فتوبوا إلى الله جميعاً -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون.

وهنا التفاتة نحو دولتنا -أعانها الله-، ونحسب أنها لم تقصر، وهي تبذل الجهود من أجل الوطن والمواطن، لكننا نرغب إليها أن تستحث الخطا نحو توعية واعية شاملة تشخص الداء وترسم الدواء، وأن تشكل لجاناً على أعلى المستويات لتحقيق السلامة، وألا تترك الأمور إلى اجتهاد وزير من هنا أو هناك، فهذه الأزمات لو وقعت في دول أخرى لأديرت من أعلى رجالات البلد، فهو أمر ليس بالبسيط، بل يتعلق بأرواح شعب كامل، وفي هذا الظرف الخطير لا زلنا ندير أمورنا بعقلية الرجل الواحد، وخير دليل على ذلك تعيين الوزير الجديد مستشاراً متخصصاً في ذلك المرض، وهذا من بدايته فشل، فالعقل الجمعي في هذه الأمور وممن عايش المصيبة خير من العقل الفردي، كما أن استقطاب الخبرات من الدول الأخرى ذات الخبرة ركيزة مهمة في العمل الإصلاحي.

ونحن نعايش هذا الداء ونتخوف منه -أيها الأحبة في الله-، لا بد أن يُقذف في روع كل واحد منا، أن له أجلاً قد قُدِّرَ، فلا هو بالذي يتقدم عليه ولا هو بالذي يتأخر عنه، بل ستموت في حينك الذي قدره الله، ولا يغني حذر من قدر كما قيل، كما أن الفرار من البلاد التي وقع فيها الوباء لا يعصمك منه، بل إن الشرع المطهر أبان لنا أنه إذا وقع الطاعون في بلد وأنت فيها فلا تخرج منها، وإن وقع في بلد وأنت خارجها فلا تدخلها، هذه وصية نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، والعالم اليوم يعمل في ضوئها، وفي هذا حد من انتشار الأمراض، وهذا الأمر -أيها الجمع الكريم- يعزز لدينا الدافع الذاتي ويشعر الإنسان بمسؤوليته، فإذا أصبت بهذا المرض الخطير، فاعزل نفسك عن الناس من قريب وبعيد، واذهب للتشافي منه؛ لئلا تصيب قريباً أو عزيزاً، وأنت مأجور على ذلك، وإن فعلت غير ذلك فأنت مأزور، وأحب للناس ما تحب لنفسك، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم.                 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله على آلائه، وصلـواتُه على محمَّدٍ خاتمِ أنبيائه، وعلى آله وأصحابه وأصفيائه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أَمَّا بَعدُ:

فيا أيها الأحبة في الله: هناك ما هو أعظم من المرض، وهو الوهم بالإصابة بالمرض، وذلك بسبب الشائعات الكثيرة، والتي يعزز منها ذلك التواصل بين الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي من (واتس أب) وغيره، وربما مات الموهوم بوهمه وإن لم يصب بالمرض، يقال: إن رجلاً لقي الطاعون وقال له الطاعون: إني ذاهب للأرض الفلانية وقاتلٌ فيها خمسة آلاف نفس، وبعد فترة لقيه ذلك الرجل وقال له: إنك قلت: سأقتل من تلك الأرض خمسة آلاف، وقد قتلت خمسين ألفاً؟! فقال له الطاعون: قتلت خمسة آلاف، والبقية ماتوا بسبب وهم المرض. فكم من إنسان سيموت ليس بسبب كرونا، ولكن بسبب وهمه أنه مصاب بها.

فتوكلوا على الله -أيها الأحبة في الله-، واعلموا أن لكل أجل كتاباً، واعلم -أيها العبد- أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وهذا -أيها الجمع- لا ينافي فعل الأسباب من تجنب الأماكن الموبوءة أو الأشخاص الذين فيهم هذا المرض، ونحن هنا نفر من قدر الله -وهو المرض- إلى قدر الله -وهو السلامة-، ونعم الفقه من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عندما قال ذلك حذراً من دخول الشام بسبب طاعون عمواس، ونعم والله الدين الذي علم الناس كيف يتعاملون مع المصائب والنوائب.

وهنا نصيحة لي ولكم في هذا الموقف الكريم، وهو أن الإنسان عندما يقول صباحاً ومساءً: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم؛ لم يضره شيء"، وكلمة "شيء" في هذا الحديث نكرة وقعت في سياق النفي، فتفيد العموم، فكل ما خطر في بالك من أخطار لا يضرك بعد أن تقول هذه الكلمة في صباحك ومسائك! لم لا نتعلم أذكار الصباح والمساء ومنه هذا الدعاء النبوي؟! ولم لا نعلمها الصغار والكبار منا لنتجنب ما نخاف منه وما لم نعلم ممن يريد بنا الشر، فحافظوا -أيها الجمع-، على أذكاركم لتُحفظوا وتسعدوا، فالله سبحانه عظيم لا يضر من التجأ في الأرض ولا في السماء، وعليكم بالدعاء أن يحفظ الله هذه البلاد وأهلها من كل سوء، فهي والله معقل أهل السنة وحصنهم الأخير، ولا يهلك مع الدعاء أحد.

والله نسأل أن يحفظ بلادنا، وأن يسلمها من الأمراض والأدواء، وأن يأخذ بأيدينا لكل خير؛ إنه جواد كريم.

عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم -أيها المؤمنون من جنه وإنسه-، فقال -عز من قائل حكيم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : 56 ].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.

اللهـم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعـداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.