الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
كيف يفوّت المسلم على نفسه ذلك الخير العظيم؟! بل كيف يعرض نفسه لهذا العقاب الأليم؟! وكيف يهنأ بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وبحضور الملائكة الكرام يأنسون..؟! بل كيف يطيب له الفراش وأرباب العمل قد صفوا أقدامهم في المساجد، بين سجود وركوع، وخشوع..؟! ترى ما الذي أقعدهم.؟! الجهل بهذا الفضل.. أم غلبهم الكسل وأقعدهم عن معالي الأمور، فآنسهم بمتعة ظاهرة ودفء زائل..؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي فرض الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانا، وجعل صلاة الفجر لمن أقامها بوقتها نوراً وبرهناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالِقُنا ومولانا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أخشى الناس لربه سرّاً وإعلانا.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد. فاتقوا الله أيها الإخوة وأطيعوه، واعلموا أن طاعته خير الزاد.
أحبتي: عندما يبزغ الفجر آخرَ كل ليلة تنطلق دعوة عظيمة مدوية في الآفاق من مآذننا، وتنساب بعذوبة في أرجاء الفضاء الساكن ضمن جمل الأذان.. الصلاة خير من النوم، ثم يعيدها تأكيدًا لها الصلاة خير من النوم.. ما أجمله من نداء وما أجلها من دعوة..!!
أخي الكريم: ما هي أحاسيسك نحو هذا النداء، وما مفهومك لهذه الكلمات...؟
هل استشعرت معناها وقَلَّبْتَها في فكرك وأنت تسمعها...؟
وكم من الخلق يسمعون هذا النداء..؟ ولكن مَن الذي تفكر في معناها..؟
بل كم الذين يسمعونها..؟ ولكن من الذي لبَّاها..؟ وكم من المسلمين لم يسمعها قد غط في سبات عميق قد حرموا أنفسهم خير إجابتها..!
نعم والله إن الصلاة خيرٌ من النوم! لأن النوم استجابة لنداء النفس الأرضي.. أما النهوض إلى أداء الصلاة فهو استجابة لنداء الله تعالى العلوي..
نعم إن الصلاة خير من النوم.! لأن النوم موت.. والصلاة حياة.. لأن النوم راحة للبدن والصلاة راحة للروح..
الصلاة خير من النوم.. لأن الخلق كله يشترك في النوم.. لكن الصلاة ينفرد بها المؤمن..
لأجل ذلك نادانا المنادى مع أنفاس اليوم الجديد: الصلاةُ خيرٌ من النوم..
نعم الصلاة خير من النوم؛ لأن صلاة الفجر طريق إلى الجنة، وسبب للنجاة من النار.. فقد بشرنا بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- فقال: فيما رواه عنه أَبو موسى -رضي الله عنه-: أنَّه قَالَ: "مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ". متفقٌ عَلَيْهِ. والبَرْدَانِ: الصُّبْحُ والعَصْرُ.
وعن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا". يعني: الفَجْرَ والعَصْرَ. رواه مسلم.
أيها الأحبة: صلاة الفجر سبب للتنعم برؤية الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة، وهي بشارة ثالثة منه -صلى الله عليه وسلم- رواها جَرِيرُ -رضي الله عنه- قال: كُنَّا عِنْدَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ - من الضمّ أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا يقول أرنيه بل كلّ ينفرد برؤيته-، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، -يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ- ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها)[طه:130]، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا لا تَفُوتَنَّكُمْ". رواه البخاري.
أيها الإخوة: أما البشارة الرابعة فصلاة الفجر سبب في دخول حمى الملك -سبحانه وتعالى- فعن جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ". رواه مسلم.
قيل من معاني الحديث: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقضْ العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرّط في حقه أدركه، ومن أدركه كبَّه على وجهه في النار.
أخي المبارك: البشارة الخامسة لمن صلى العشاء والفجر في جماعة فقد جاء في فضلهم عن عثمانَ -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ". رواه مسلم.
أما البشارة السادسة: فهي لمن صلى في جماعة، فعَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فَضْلُ صَلاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَتَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: (اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ وَصَلاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي.؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". فنعمت الشهادة والشاهد.. رواهما البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
أيها الإخوة: حُقَ للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه البشارات أن يقول: "وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا"، رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة".
وحِينَ حَضَرَتْ أَبَا الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- الْوَفَاةُ، قَالَ: أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعَتْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُسْتَجَابَةٌ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَشْهَدَ الصَّلَاتَيْنِ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ وَلَوْ حَبْوًا فَلْيَفْعَلْ" رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب وحسنه الألباني.
أيها الإخوة: ولقد اعتنى -صلى الله عليه وسلم- براتبة الفجر كما اعتنى بفريضته فقَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" رواه مسلم، وفي رواية بل وأحب إليه من الدنيا جميعاً، فقال فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: "لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا" رواه مسلم.
ولذلك حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على راتبة الفجر ووصفت عائشة هذا الحرص فقالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ". رواه مسلم، فإذا كان هذا اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بالنافلة فما بالك بالفريضة؟
ومن أحكام سُنة الفجر: إذا لم يتمكن الإنسان من أدائها قبل صلاة الفجر فإنه يقضيها بعدها باتفاق، إلا أن الإمام أحمد اختار أن يقضيها من الضحى، ورأى غيره أن يقضيها بعد الصلاة، حتى لا ينساها، وأداء راتبة الفجر مشروع حتى لمن فاته وقت الصلاة لنوم ونحوه، فلو أن مسلماً غلبه النوم فلم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، فإنه يفعل ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- حِينَ نَامَ في السَفَرِ فَلَمْ يستيقظ هو وأصحابه إلا بعدما ضربتهم الشمس، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ؛ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: "أَقِمْ الصَّلَاةَ ثُمَّ صَلَّى الْفَرْضَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ". رواه أبو داود وصححه الألباني.
أما إذا قام النائم وبينه وبين خروج الوقت دقائق لا تتسعُ إلا للفريضة فإنه يبدأ بها. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة....
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الذي جعل الصلاة على المؤمنين كتابًا موقوتًا، ووعد مَن حافظ عليها بجزيل الثواب، وتوعد من تهاون بها بأليم العقاب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد أيها الإخوة: وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس والحذر كل الحذر من تأخيرها عن وقتها، فعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ عَن النَّبِيِّ قال -صلى الله عليه وسلم-: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ..."، ثم ذكر ما رآه من المواقف العجيبة ومنها قوله: "حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ –أي: يكسر- فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ –تدحرج- فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا -للذي يضرب رأسه- حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ قُلْتُ: مَنْ هَذَا قَالا انْطَلِقْ.."، ثم فسرا له ما رأى فقَال: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ –الرجل- يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ". رواه البخاري. أعاذنا الله من ذلك...
أحبتي: كيف يفوّت المسلم على نفسه ذلك الخير العظيم؟! بل كيف يعرض نفسه لهذا العقاب الأليم؟! وكيف يهنأ بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وبحضور الملائكة الكرام يأنسون..؟!
بل كيف يطيب له الفراش وأرباب العمل قد صفوا أقدامهم في المساجد، بين سجود وركوع، وخشوع..؟!
ترى ما الذي أقعدهم.؟! الجهل بهذا الفضل.. أم غلبهم الكسل وأقعدهم عن معالي الأمور، فآنسهم بمتعة ظاهرة ودفء زائل..؟! نسأل الله الهداية للجميع...
ومما يعين على القيام لصلاة الفجر: صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لها، والحرص على الطهارة وقراءة الأذكار قبل النوم، فإنها تعين على القيام، وكذلك ذكر الله –تعالى- عند الاستيقاظ مباشرة حتى تحل إحدى عقد الشيطان، أعاذنا الله منه، والمبادرة بالقيام بعد الاستيقاظ فَعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ -لصلاة الفجر- وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ". رواه البخاري.
وفي هذا توجيهٌ لنا بالمبادرة بالقيام بعد الاستيقاظ مباشرة؛ فمن لم يبادر في أول ما يستيقظ قد يعود إلى النوم مرة أخرى، وينبغي استخدام وسائل التنبيه، وأن يضعها في مكان بعيد عنه قليلاً، لكي يشعر بها ويتحرك، فيستيقظ بإذن الله.. أسأل الله أن يمُن علينا باستثمار فرص الخير..