المبين
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة |
كان من صفاته: الشفقة والرحمة بالمؤمنين، والحرص على مصالحهم، وحب الخير لهم، كما يحب لنفسه، يمر على أمية الكفر-أمية بن خلف- وهو يعذب بلالا -رضي الله عنه-، فيقول له: ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى وأنت تعذبه؟ فيقول الكافر: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى؟ قال أبو بكر: أفعل عندي غلام أجلد منه، وأقوى على دينك، أعطيك به، قال أمية: قد قبلت، قال: هو لك فأعطاه...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام-يعني العشر من ذي الحجة- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء"[أخرجه البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-].
معاشر المسلمين: إننا نعيش تلك اللحظة تلك الأيام التي ذكرها الحديث أيام العشر، أياما مباركة، تتضاعف فيها الحسنات، وتتنزل الرحمات، ويستبق المسلمون فيها للخير، كل بحسب إيمانه، فهي أيام شرع فيها الحج، وينتهي فيها العام، ويقف فيها الحجاج موقفا يغبطهم عليه كل مؤمن، موقف عرفة، وقد صح في مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله -عز وجل- فيه، عبدا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء".
وفي رواية: "انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا".
ولا يزالوا هكذا، حتى تغرب الشمس.
أما غير الحاج، فالبركة أيضا لا تبرح اليوم، قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والتي بعده"[أخرجه مسلم].
فالحمد لله الذي من علينا ببلوغ هذه الأيام، وأسأله أن يعيننا على فعل الخير، والعمل الصالح، وأن يقبل أعمالنا؛ إنه سميع عليم.
أيها الإخوة: إن الحرص على العمل الصالح يعيدنا إلى موضوعنا الماضي، وهو الصديق -رضي الله عنه- الذي كان أحرص الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-على العمل الصالح، كان قدوة لكبار الصحابة، فكيف لا يكون قدوة لنا؛ سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعا من الصحابة ذات يوم: "من أصبح منكم اليوم صائما؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضا؟" قال أبو بكر: أنا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة"[أخرجه النسائي].
تأملوا -أيها المسلمون-: في رجل جمع أعمال الخير كلها، في يوم واحد، كيف يقضي يومه وليلته، وما هو همه اليومي بين اتباع جنازة، وعيادة مريض، وتصدق على مسكين، يقوم بهذه الأعمال وهو صائم لله، ناهيك عن تلاوة القرآن، وقيام الليل، وذكر الله، خلال ذلك كله.
وهو -أي أبو بكر- يعلم بصدق إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- له بأنه من أهل الجنة، يعلم ذلك، لكن هل دعاه هذا العلم إلى الاتكال وترك الاجتهاد في العبادة؟
كلا، بل كان رضي الله عنه رأسا في الخير، كان يقوم بأعمال يعجز عن مجاراتها كبار الصحابة.
يقول ابن القيم: "وكذلك كل من بشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، أو أخبره بأنه مغفور له، لم يفهم هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له، ومسامحته، بترك الواجبات، بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وخوفا وحذرا بعد البشارة منهم قبلها".
وكان الصديق -رضي الله عنه- شديد الخوف، وكذلك عمر، فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيدة بشروطها، والاستمرار عليها إلى الموت، هذه حالهم، فكيف هي حالنا نحن لم نبشر بالجنة، ولا بالنجاة من النار؟
-أسأل الله النجاة من النار والفوز بالجنة-.
ومع هذا يتساءل الإنسان: ما هو اجتهاده؟ كم هو فراره من صغائر الذنوب وكبائرها؟
أبو بكر بشره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وهو على الأرض، فقام كالسهم في طاعة الله، لا ينثني، ولا يتراجع.
أي همة بعد همته؟ ولا غرابة بعدها أن يقول صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين -من شيء من الأشياء- في سبيل الله دعي من أبواب -يعني الجنة يا عبد الله هذا خير- فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة -المراد له عناية في التطوعات لا الواجبات فقط، فالواجبات يشترك فيها أكثر الناس- ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ ثم قال: وهل يدعى منها كلها أحد يا رسول؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر"[رواه مسلم].
لا غرابة إذا أن يرجو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك لأبي بكر، لا غرابة أن يرجو له بأن يدعى رضي الله عنه من جميع هذه الأبواب، تناديه الملائكة من جميع تلك الأبواب، لقد لامس الإيمان شغاف قلبه، منذ دخوله الإسلام، حتى راح يتلو آياته بكل تأثر، تقول ابنته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "غزير الدمعة، وقيد الجوانح، شجي النشيج، فاصطففت إليه نسوان مكة وولدانها".
يعني إذا رأوه يصلي بفناء داره، وهو يبكي، ويتعجبون منه، ومن رقة قلبه، حتى أغضب ذلك رؤوس الكفر في قريش، خوفا على أولادهم ونسائهم، من أن يتأثروا به، ويفتنوا به -رضي الله عنه-.
هذا هو أثر العبد الصالح إذا بارك الله في عبادته، وعلم الله فيه الإخلاص والصدق، لقد أسلم على يد أبي بكر من كبار الصحابة: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهم أجمعين- اهتدوا على يديه -رضي الله عنه-.
أبو بكر لم يغلق على إيمانه بين أربعة جدران كما يفعل كثير من الناس، بل كان يدعو إلى الله أقرب الناس إليه من أصحابه ومعارفه وأقربائه، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويبذل في سبيل الله جسده وماله، وكل شيء عنده.
كان من صفاته: الشفقة والرحمة بالمؤمنين، والحرص على مصالحهم، وحب الخير لهم، كما يحب لنفسه، يمر على أمية الكفر-أمية بن خلف- وهو يعذب بلالا -رضي الله عنه-، فيقول له: ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى وأنت تعذبه؟ فيقول الكافر: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى؟ قال أبو بكر: أفعل عندي غلام أجلد منه، وأقوى على دينك، أعطيك به، قال أمية: قد قبلت، قال: هو لك فأعطاه أبو بكر غلامه ذاك، وأخذ بلالا فأعتقه، ثم أعتق معه على الإسلام، قبل أن يهاجر من مكة ست رقاب.
كان رضي الله عنه من أشد من عرف شفقة وخوفا على المسلمين من الإثم والعقوبة.
وهذا ما ينبغي لكل مسلم أن يشعر به تجاه إخوانه المسلمين، نحن نرى المفرطين والعصاة ممن لا يعتدون، ولا يكابرون، ينبغي أن ندعوا لهم بالهداية، من أعماق قلوبنا، أن نستشعر الخطر الذي هم فيه، فإن لم نتمكن من كفهم عن منكرهم، أو حثهم على الخير، فلندعُ لهم بالهداية.
أبو بكر كما تبين في حديث أبي الدرداء الذي سقناه الأسبوع الماضي، كان خائفا على عمر من غضب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لما طلب شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أن يقبل عمر اعتذاره، إذا لم يقبل منه، فغضب الرسول على عمر، حتى لما أقبل عمر جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتمعر وجهه؛ من شدة غضبه.
قد يحس غير أبي بكر بنشوة انتصار النفس، إذا رأى هذا المنظر في هذا الموقف.
لكن أبا بكر رحيم القلب، أشفق على عمر من عقوبة لا يرضاها لنفسه، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله: "والله أنا كنت أظلم" قالها مرتين: "أنا كنت أظلم" سامحه حتى يهدئ من غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولذلك جاء في مستدرك الحاكم، موقفا لعمر يبين أثر مثل هذه الأخلاق، وغيرها على الإنسان، كان أبو موسى -رضي الله عنه- إذا خطب بالبصرة يوم الجمعة، وكان هو واليها في خلافة عمر، صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم ثنى بالدعاء لعمر بن الخطاب، فقام ضبة بن محصن الْعَنْزِيَّ، فقال: أين أنت من ذكر صاحبه قبله -يقصد أبا بكر- تفضله عليه؟ ثم قعد، فلما فعل ذلك مرارا كتب أبو موسى إلى عمر: إن ضبة يطعن علينا، ويفعل، فكتب عمر إلى ضبة أن يأتي إليه، فبعث به أبو موسى، فلما قدم ضبة المدينة على عمر، ودخل عليه، وبخه عمر في ظنه أن ضبة يريد الفتنة، ثم قال له: ما الذي شجر بينك وبين عاملك؟ قال: الآن أخبرك يا أمير المؤمنين، إنه كان إذا خطب حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم ثنى يدعو لك، فغاضبني ذلك منه، وقلت: أين أنت من صاحبه تفضله عليه؟ فكتب إليك يشكوني، قال: فاندفع عمر -رضي الله عنه- باكيا، وهو يقول: أنت والله أوثق منه، وأرشد منه، فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك، يعني إخراجه ضبة من بلده- قلت غفر الله لك يا أمير المؤمنين ثم اندفع مر باكيا يقول والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر إن عمر يعلم فضل أبي بكر ومكانته عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ كما أن عمر لا ينسى أخلاق أبي بكر، كان الصديق -رضي الله عنه-.
كان الصديق أوابا، لا يحتمل أن يبقى عنده لأحد من المسلمين حق، أو دعوى، لا يحتمل أن يبقى بينه وبين عبد من عباد الله شحناء، أو خصومة؛ أخرج أحمد من حديث ربيعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه أرضا، وأعطى أبا بكر أرضا، قال: فاختلف في عذق نخلة، فقلت: أنا -أي ربيعة- يقول هي في حدي، وقال أبو بكر: هي في حدي، فكان بينهما كلام، فقال أبو بكر كلمة ثم ندم، لأنه أواب، فقال أبو بكر رد علي مثلها، حتى يكون قصاصا فأبيته، فأتى ربيعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: مالك والصديق؟ فذكر القصة، فقال النبي: أجل فلا ترد عليهما قال لك، ولكن غفر الله لك يا أبا بكر، فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، فولى أبو بكر، وهو يبكي.
كان مما تميز به الصديق -رضي الله عنه: سلامة الصدر من أدنى التفاتة عند القيام بالطاعة كان يؤدي الطاعة دون نظر إلى غيره من الناس، يبذل وسعه في فعل الخير وحسب.
كان أقرب الناس إلى أبي بكر بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر كان عمر ينافس، بل يحاول منافسة الصديق في أكثر من موقف طاعة بينما لم يكن الصديق أصلا يفكر في أن ينافس عمر فضلا عن أن ينافسه؛ لأن أبا بكر بسجيته وبساطته يسبقه دائما بلا تكلف، هي ذات أعماله، هذا هو مستواها هذا هو الرجل، ثبت في الصحيح عن عمر -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي -عندي مال وفير-، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله: ما أبقيت لأهلك؟ قال: قلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقال عمر: لا أسابقك إلى شيء أبدا".
يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "فَكَانَ مَا فعله عمر من المنافسة وَالْغِبْطَة الْمُبَاحَة، لَكِن حَال الصّديق رَضِي الله عَنهُ أفضل مِنْهُ، وَهُوَ خَال من المنافسة مُطلقًا، لَا ينظر إِلَى حَال غَيره".
كان الصديق مشغولا بشيء واحد فقط، بالعبادة ذاتها، كان يعمل لله دون أن ينظر إلى غيره من خلق الله؛ أخرج أحمد في مسنده عن قيس بن مروان: أنه أتى عمر - فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب -أي عمر- وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل، فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها.
ثم قال: ويحك، والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة، وأنا معه، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد".
قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "سل تعطه، سل تعطه" قال عمر: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال: فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه".
كان يرقب الفرص ليسبق الصديق إلى الخير، لكن الصديق لم يكن في حسبانه ذلك مطلقا، فإنه -رضي الله عنه- لم يكن ليلتفت إلى عمر، ولا إلى غير عمر، ولا شك أن إدخال السرور إلى قلب المسلم من أعظم القربات إلى الله -تعالى-، وصدق الربيع بن أنس إذا يقول: "مثل أبي بكر الصديق في الكتاب الأول، مثل القطر أينما وقع نفع".
الاجتهاد العبادة رقة القلب، الإشفاق على المسلمين، وحب الخير لهم، وصفاء النفس ونقاؤها، الإنابة، صفات ميزت أبا بكر، ورفعت درجته عند الله.
أسأل الله أن يرزقنا نصيبا من هذه الصفات.
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنبكوت: 69].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
أحمد وتبارك -تعالى- حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على محمد نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه، وعلى من اهتدى بهداه.
أما بعد:
فيا عباد الله: رباطة جأش أبي بكر وحكمته، وثباته على المنهج، صفات تستدعي شيئا من البسط والتدقيق، فأسأل الله -تعالى- أن يعيننا على بيانها في مقام آخر.
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم ارض عن خلفائك الراشدين، وعن سائر الصحابة أجمعين.