المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
فالمحسن يتبِع الحسنة حسنات، ولا يغشَى المحرَّمات، ومَن أساء فيما سَلَف فباب التوبة مفتوح وطرُق الخيرات مُيسَّرة والهداية بيِّنةُ المعالم واللهُ يفرح بتوبة عبدِه وبإقباله عليه، ولا يهلِك على الله إلا من خاب وخسِر، والأعمال بالخواتيم. فاختموا شهركم -يا عباد الله- بالصالحات، واحذَروا التفريط وارتكابَ المحرمات، واعلموا أن عدوَّكم الشيطان يتربَّص بكم ليجعل الأعمال هباءً منثورا؛ إذ...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- بدوامِ طاعته والحذر من معصيته.
أيّها المسلمون: لقد ولَّى شهر الصوم بأوقاتِه، وتفضَّل عليكم ربُّكم فيه ببركاته وخيراته، وأعانكم ووفَّقكم فيه للصَّالحات، وحفِظكم فيه من الموبِقات، وعجَّل لكم من الثواب، وادَّخر لكم أكملَ الجزاء في دارِ المآب؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: "كلُّ عملِ ابن آدَم له إلاّ الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به"]رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-].
ولم يبقَ منَ الشّهر المبارك إلاَّ القليلُ مِن زمانِه، والخاتمةُ مِن أوانِه، والمؤمنُ هنا يحاسِب نفسَه فيما عمِل، فإن أحسن حمِد ربَّه على إعانته وشكره على نعمته، قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ)[النحل: 53].
وثبتَ على الهدايةِ والاستقامة ولم يَزِغ يمينًا ولا شمالا، وفرِح بما قام به من صالح العمل، وخاف أن يُردَّ عليه عمله؛ لما عسى أن يكون أصابه من الخلل، فهو بين الخوف والرجاء، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[المؤمنون: 57-61].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسولَ الله، أهو الذي يسرِق ويزني؟ قال: "لا يا ابنةَ الصديق، هو الذي يصلي ويصوم ويتصدَّق ويعمل الصالحات ويخاف أن لا يقبَل منه".
فالمحسن يتبِع الحسنة حسنات، ولا يغشَى المحرَّمات، ومَن أساء فيما سَلَف فباب التوبة مفتوح وطرُق الخيرات مُيسَّرة والهداية بيِّنةُ المعالم واللهُ يفرح بتوبة عبدِه وبإقباله عليه، ولا يهلِك على الله إلا من خاب وخسِر، والأعمال بالخواتيم.
فاختموا شهركم -يا عباد الله- بالصالحات، واحذَروا التفريط وارتكابَ المحرمات، واعلموا أن عدوَّكم الشيطان يتربَّص بكم ليجعل الأعمال هباءً منثورا؛ إذ كانت الشياطين في رمضان مسلسَلَة مأسورة، فادحَروا الشياطينَ بالاعتصام بالله ودوام طاعتِه واجتناب معصيته، فإن الله -تعالى- يقول: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ)[الحجر: 42].
ألا وإن الحسناتِ بعد الحسنات زيادةُ ثوابِ الله وفوزٌ وفلاح، وخير وصلاح، وكفّارة للآثام، قال الله -تعالى-: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)[هود: 114].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الحج: 77].
وعن سفيان بن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله، قل في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرَك، قال: "قل: آمنت بالله، ثم استقم" [رواه مسلم].
ألا وإن المعصيةَ بعد الطاعاتِ تُنقِص ثوابها أو تُبطلها، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[محمد: 33].
فلا تتبَّدلوا بعد رمضان العصيانَ بالإحسان واللغو والباطلَ بالقرآن والمحرّمات بالصالحات، قال تعالى: (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران: 144].
ولا تغترّوا -عبادَ الله- بالصّحَّة ولا بالأموال والأولادِ، وامتداد الأعمار، وسرابِ الآمال، فإنَّ أمر الله يأتي بغتة، فكم من مدركٍ يومًا وعامًا لم يستكمله، وكم من مؤمِّلٍ لم يدرِك أمله، وكم من مغرورٍ بشهواتِ الدنيا حيل بينه وبين ما يشتهي، وكم من مؤجِّلٍ للتوبة فقصِمَ قبل نَيلها.
فكونوا -عباد الله- من المسارعين إلى الخيراتِ المبتعِدين عن المعاصي والمحرَّمات، ولا تغترّوا بهذه الحياة، قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ)[الزمر: 54-59].
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآن العظيم، ونَفَعَني وإياكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكر الحكيم، ونفعنا بهديِ سيِّد المرسلين وقولِه القويم.
أقول قولي هَذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروهُ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لله رَبِّ العَالَمين، الرَّحمَن الرَّحيمِ، مالِكِ يَومِ الدِّين، وَأَشهد أن لاَ إلهَ إلا الله وحدَه لاَ شريكَ له القويّ المتين، وأشهَد أنّ نبيّنا وسيِّدنا محمّدًا عبدُه ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
أمّا بعد:
فاتَّقوا الله -أيها المسلمون- اتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عبادَ الله: إنَّ ربَّكم يقول جل وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[الأعلى: 14، 15].
وقال تعالى: (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)[فاطر: 18].
أيّها المسلمون: كان السلف -رضي الله عنهم- يعتنون برمضان، ويسألون الله زمنًا طويلا أن يبلِّغهم رمضان، ثم إذا انقضى سألوا الله زمنًا طويلا أن يتقبَّل منهم رمضان؛ لأنّه حسنة من الحسنات وفضلٌ من الله أنزل فيه الخير والبركات، من حُرِم هذا الشهر فقد حرِم الخير، ومن وُفِّق فيه فقد وفِّق لكل خير.
عباد الله: قد شرع الله زكاةَ الفطر للصائم من اللغو والرفث وإحسانًا للفقراء وتحقيقًا للتكافل الاجتماعي بين المسلمين، ففي الحديث: "فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من بر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أَقِط، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والصغير والكبير، من المسلمين".
ويجزئ عن هذه الأصناف ما يقتاتُه أهل كلِّ بلدٍ من الحبوب التي يقتاتونها والتي يدَّخرونها، فإن هذا يجزئ في إخراجها، وهي صاع من هذا المقدار أو ما يعادله مما يقتاته كلُّ أهل بلد.
ووقت إخراجها قبل صلاة العيد، وله أن يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز أن تخرَج دراهم.
فيا عباد الله: اعملوا بسنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، واختموا شهرَكم بخيرِ ما تقدرون عليه، فإنَّ الله -عز وجل- شكورٌ حليم، يقبل القليلَ من العباد، ويثيب عليه الكثير.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
وقد قال: "من صلَّى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا".
فصلوا وسلموا على سيّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد...