التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | ماجد العتيبي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
إننا -أيها المسلمون- مقبلون على مشروع تجاري ضخم، مشروعٍ أرباحه خيالية لا يعرف قدرها إلا الله، إنه التجارة في رمضان، وحتى ننالَ أفضلَ الأجر وأعظمَه، فليس لنا قدوةٌ إلا أفضلَ الخلقِ وأعظمَهم، ألا وهو حبيبنا وقدوتنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، فلنقف على جزء من حياته -صلى الله عليه وسلم- في رمضان.. فلقد كان هديه -صلى الله عليه وسلم- في رمضانَ أكملَ الهدي..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبدُه ورسوله.
أما بعد:
فلو قُدِّر لك أن دخلت في مشروع تجاري ضخم، ألستَ تسألُ عن أفضل الطرقِ للربح وتجنُّبِ الخسارة، ألا تستعينُ بأهل الخبرة؟! ألا تقتدي بأكبر تجار البلد؛ لتربح، وتنجو؟!
فإننا -أيها المسلمون- مقبلون على مشروع تجاري ضخم، مشروعٍ أرباحه خيالية لا يعرف قدرها إلا الله، إنه التجارة في رمضان، قال الله تعالى في الحديث القدسي: "الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ".
وحتى ننالَ أفضلَ الأجر وأعظمَه، فليس لنا قدوةٌ إلا أفضلَ الخلقِ وأعظمَهم، ألا وهو حبيبنا وقدوتنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، فلنقف على جزء من حياته -صلى الله عليه وسلم- في رمضان.
فلقد كان هديه -صلى الله عليه وسلم- في رمضانَ أكملَ الهدي، فكان أجودَ الناس، وأجودَ ما يكون في رمضان، وكان أجودَ بالخير من الريح المرسلة.
وكان يفرح بقدومِ الشهر ويُبشّر أصحابَه بقدومه، وكان مما قال لأصحابه مرة: "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ. تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا قَدْ حُرِمَ" (رواه أحمد والنسائي).
وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة، أو بشهادة شاهدٍ واحد، فإن لم يكن رؤيةٌ ولا شهادة، أكملَ عدة شعبان ثلاثين يومًا.
وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بالسُّحور، ويقول: "السُّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ" (رواه الإمام أحمد)، ويقول: "نِعْمَ سَحُورُ المؤمنِ التمرُ" (رواه أبو داود)، وكان يأمر بتأخيره، فكان ما بين سُحوره وأذان الفجر قدرُ قراءة خمسين آية.
وكان يومُ صومِه أحسنَ الأيام، وأخلاقُه أحسنَ الأخلاق، وكان يأمر بحُسن الخلق وينهى عن سيئه، ويقول: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" (متفق عليه).
ويرى أن ترك البذيء من الأخلاق أعظمُ من ترك الطعام والشراب، ويقول: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رواه البخاري).
وكان حَسَنَ العِشرة، طيِّب النفس، حلو الكلام، تقول عائشةُ رضي الله عنها "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِأَرَبِهِ" (متفق عليه)، لكنه نهى عن القُبلة لمن لا يملك شهوته.
وكان عليه الصلاة والسلام -فيما صح عنه أمرًا وفعلاً- يُعجّل الإفطارَ بعد غروب الشمس، فيفطر على رطب أو تمر أو ماء، ويبكّر بصلاة المغرب، ويقول: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ، أَوْ قَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ، مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ" (رواه أحمد وأبو داود). وإذا أفطر قال: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُروقُ، وثَبَتَ الأجْرُ إن شاء الله تعالى".
وأفطر عند سعد بن معاذ فقال: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ؛ وَأكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ".
وسافر -صلى الله عليه وسلم-، فصام وأفطر، وخيَّر أصحابَه بين الفطر والصوم، لكنه حث على أن تُؤتى رخصُ الله، وقال: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ" (رواه الإمام أحمد)، ورأى في سفرٍ رجلاً قد أُجهد وشقَّ عليه الصوم، فقال: "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ" (متفق عليه).
وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاثة عشرة ركعة، وكان يطيل القيام، يقول حذيفةُ رضي الله عنه أتيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في ليلةٍ من رمضان فقام يصلي، ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران، يقرأ مترسلاً إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان رُكوعُه نحوًا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلا قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبًا من قيامه.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يحث على قيام رمضان ويقول: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (متفق عليه).
وحث -صلى الله عليه وسلم- على صلاة القيام جماعة، فقال: "إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" (رواه الإمام أحمد والنسائي).
وكان في ليله يدارس مع جبريل -عليه السلام- القرآن وذلك كل ليلة.
اللهم بلغنا رمضان، وزدنا فيه بأحسن الأعمال. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكريم المنان، أكرمنا بشهر رمضان، وأنزل فيه القرآن، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى حُسن الإيمان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان.
أما بعد:
فلم يكن شهرُ رمضان عندَه -صلى الله عليه وسلم- شهرَ كسلٍ وخمول؛ بل شهرُ جِد ونشاط، وغزوٍ وقتال، خرج في رمضان في غزوتين، فنصرَه الله نصرًا مؤزرًا، في بدرٍ الكبرى، وفي فتح مكة، وكان قد أفطر -صلى الله عليه وسلم- في هاتين الغزوتين ليتقوى على العدو.
وحث في هذا الشهر على التزود من القُربات والأعمال الصالحة؛ فمن ذلك أنه حث على العمرة، وقال: "عمرة في رمضان تعدل حَجَّة" (متفق عليه)، وفي رواية للبخاري: "حَجَّة معي".
وكان إذا جاء آخرُ الشهر جدَّ وشمَّر، تقول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره" (رواه مسلم).
وتقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله" (متفق عليه).
وكان قد اعتكف العشرَ الأُول من الشهر، راجيًا ليلة القدر، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم اعتكف العشر الأواخر، وقال: "فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ" (متفق عليه).
عبادَ الله، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.
عباد الله إن في اتباعه -صلى الله عليه وسلم- تحصيل الهداية، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، وقال: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
فأكثروا من الصلاة والسلام عليه، فقد أمرنا الله بذلك فقال: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].