البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

نهاية رمضان

العربية

المؤلف أحمد بن عبد العزيز الشاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. توديع رمضان .
  2. فوز العاملين في رمضان وخسارة المفرطين فيه .
  3. المحافظة على الطاعات بعد رمضان .
  4. زكاة الفطر .
  5. آداب العيد .
  6. ملامح الحرب الصليبية على العراق .
  7. دروس البطولة من أرض الفلوجة .

اقتباس

قال الضيف وهو يتأهب للرحيل: يا أيها المسلم، قد جئتكم أحمل العطايا، وأبشر بالمنح الربانية، والمواهب الرحمانية، فنالها من نالها، وخسرها من خسرها، واليوم أودعكم وأنا أحمل معي شهادات بالفوز والرضوان، موقّعة من الرحيم، على لسان الصادق الأمين، ونَصها: "من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات، وتغفر الزلات، أحمده -سبحانه- على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، ذو الخلق الأسمى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله ربكم واشكروا له، (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [الطلاق:5].

وقف المسلم يتأمل في أحوال المسلمين يتابع الغطرسة الصليبية والهجمة الحاقدة على الإسلام، ويراقب بقلق الخطوات النفاقية العلمانية والتي تستهدف زعزعة البناء العقدي والأخلاقي في الأمة من خلال الطرح السافل، والمعالجة المتهورة.

ويرقب الدعوات الآثمة لإفساد المرأة المسلمة من خلال دعوتها للتخلي عن الحجاب، وإقحامها في أعمال لا تتناسب مع طبيعتها ولا تتوافق مع دينها؛ ويتأمل بحزن محاولات تغريب المرأة في مناهجها وتعليمها وإعلامها وسائر شؤون حياتها.

وفي الوقت ذاته يتأمل في مشاهد مبهجة ومواقف رائعة تتمثل في عودة الأمة لربها، وإقبال الشباب على جنة الاستقامة، ووعي المرأة المسلمة بالمخاطر من حولها، ويشاهد بفرح بيوت الله في هذا الشهر المبارك تزداد بالعُباد والزهاد والقائمين والعاكفين والركع السجود.

بينما المسلم شارد في تأملاته، غارق في آهاته، كأنه في حراسة، فينتقل بين آلامه وآماله، إذ حانت التفاتة فرأى الضيف الكريم، شهر رمضان المعظم، يجمع متاعه ويتأهب للوداع. فقال لضيفه: ما الذي أرى؟ وما الذي يا ضيفنا جرى؟ أوهكذا ترحل بعد مقام يسير، وزمن قصير؟.

يا ضيفنا، كنا بالأمس نستقبلك، وبهذه السرعة نودعك! أعلم -يا ضيفنا- أنك تحمل شعوراً بالعتب، وفي جنباتك شيء من الغضب، لأن منا من جفاك، ولم يقدرك حق قدرك. لا تلمنا يا ضيفنا المكرم، فهذا نتاج أزمة نفسية أحدثتها نعال اليهود والنصارى وأذنابهم من المنافقين.

يا ضيفنا، قد شغلونا عن لذتك، وسلبونا العيش في متعتك، يوم أن بُلينا بهذه المحن، يوم أن أحدثوا فينا تلك الفتن، فكان البال منشغلا، وأصبح القلب منذهلا، فعذراً ثم عذراً!.

قال الضيف وهو يتأهب للرحيل: يا أيها المسلم، قد جئتكم أحمل العطايا، وأبشر بالمنح الربانية، والمواهب الرحمانية، فنالها من نالها، وخسرها من خسرها، واليوم أودعكم وأنا أحمل معي شهادات بالفوز والرضوان، موقّعة من الرحيم، على لسان الصادق الأمين، ونصها: "من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

وفي الوقت ذاته أحمل صكوك الخسارة والحرمان، مذيلة بتوقيع الروح الأمين، وممهورة بتأمين المصطفى الأمين -صلى الله عليه وسلم-، ونصها: "من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قل: آمين. فقال المصطفى: آمين".

بلغ -أيها المسلم- مَن وراءك أني راحل، وعائد إليكم بعد عام سيولد فيه أناس ويموت أقوام، ويسعد فيه أقوام ويشقى فيه فئام، وكم من مؤمل بلوغي حال دونه الأجل!.

بلغ -أيها المسلم- إخوانك أن مَن بدّل عهده مع الله ونقض غزله من بعد قوة وعاد إلى الغي والفتور فإن ذلك علامة الخسران، ودليل الرد والحرمان: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج:18].

نعمة سابغة، ورحمة واسعة، أن تخرج من رمضان مغفوراً لك؛ فحافظ على تلك النعمة، ولا تبدلها نقمة بالعودة إلى العصيان بعد خروج رمضان.

عهدتك -يا مسلم- حياً حييياً في شهر الصيام، فخذ على نفسك العهد أن تبقى على عهد الحياة والحياء بعد شهر الصيام، فعسى أن يكون هذا العهد توبة من الله عليك، وتوفيقاً وذخراً لديك، فإذا أبرمت ذلك العهد فإياك والنكث! (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) [الفتح:10]. واحذر أن تكون بنقض العهد ربع المنافق! (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة:77].

يا أيها المسلم، إني قريبا راحل بعد أن رأيت منكم وفاء ورجاء، فسلام الله على الموفين بالعهود! ويا حسرة على أهل النكوص والقعود!.

ثم خاطب المسلم إخوانه والدموع مدرارة، والعبرات تسبق العبرات، وقال في نبرة حزن وألم:

دع البكاء على الأطلال والدار

واذكر لمن بات من خل ومن جارِ

ذر الدموع نحيبا وابك من أسف

على فراق ليال ذات أنوار

على ليالٍ لشهر الصوم ما جعلت

إلا لتمحيص آثام وأوزار

يا لائمي في البكا زدني به كلفا

واسمع غريب أحاديثي وأخباري

ما كان أحسننا والشمل مجتمع

منا المصلي ومنا القانت القاري

وفي التراويح للراحات جامعة

فيها المصابيح تزهو قبل أزهار

إن هو إلا يوم أو ساعات وتغرب شمس من شموس الخيرات والبركات، ويخبو نور من أنوار النفحات الربانية، والعطايا الإلهية.

إن تلكم الأيام المعدودات من نفائس أيام المؤمنين، جرت فيها أحاسيس حية، ومشاعر صادقة، أثمرتها معالي الهمم، ومسابقة النفوس الدائبة، فلا عجب أن تستهل العبرات، وتشتد الحسرات؛ أسفاً على فوات خير عظيم، وساعات صافية راضية. ما أجمل نهاره المنير بالذكر والتلاوة والمعروف! وما أطيب لياليه العامرة بالقيام، وحداء الصالحين، وأنين التائبين!.

تذكرت أياماً مضت ولياليا

خلت فجرت من ذكرهن دموع

ألا هل لها يوما من الدهر عودة

وهل لي إلى وقت الوصال رجوع

إن للطاعات فيه منافع وآثاراً في النفوس أغنت عن لذات الطعام وزينة الحياة ومكاسب الأموال، ورب صلاة صادقة أو قراءة خاشعة أعقبت سروراً مضيئاً امتزج بالدم والعصب لا يضاهيه طيب المأكل ولا أفراح الحياة وملاذها ومفاخرها؛ لأنها لا تدوم، وإن دامت لم تخل من تنغيص، وإذا انقضت أورثت غموماً وأحزاناً وشدائد قاسيات.

فالحياة الحقيقية والسعادة الدائمة والعزة الشامخة، إنما هي في طاعة الله -تعالى- وعبادته، عبادة سائقها الإخلاص، وحكمها التذلل، ومنهجها الاتباع: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

يا مسلمين: إن ضيفنا المعظم قد عزم على الرحيل، فالعين لفراقه تدمع، والقلب يوجل، وإنا لفراقك لمحزونون!.

شهر رمضان! إنه الآن بين أيدينا، وملء أسماعنا وأبصارنا، وحديث منابرنا، وزينة منائرنا، وبضاعة أسواقنا، ومادة موائدنا، وحياة مساجدنا. فكيف الحال بعد فراقه؟.

يا شهرنا الكريم! يا لحسن الفائرين الذين اغتنموك بأكمل وجه من صلاة وصيام، وتهجد وقيام، وصدقة وإحسان، فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه؛ فغفر لهم!.

ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا ذلك الفضل، فأمضوا وقتهم بالملهيات، وأشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا، ومضى عليهم الشهر بهذه الحال.

يا مسلمين: إن ضيفنا قد قرب رحيله فاختموه بخير ختام، واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير، قال الحسن: "أكثروا من الاستغفار؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة".

وكان نبيكم يقول: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".

يا أيها العصاة، وكذلك كلنا، لا تقنطوا من رحمة الله بسوء أعمالكم، وأحسنوا الظن بربكم، وتوبوا إليه؛ فإنه لا يهلك على الله إلا هالك.

يا مسلمين: إن المحاسن التي جنتها النفوس المسلمة في رمضان ينبغي أن تكون طريقاً للزيادة والمضاعفة، وسلماً للمجد والعلاء، وليس التقاعس والانقلاب، والنكوص على الأعقاب.

عاهد الله بالمحافظة على الطاعات، وأنت في نهاية موسم الطاعات؛ فقد كان نبيك -صلى الله عليه وسلم- يعاهد الله على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وأول النهار، فيقول في سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك".

أخي: وأنت على عتبات الوداع لشهر الله المعظم، وتترقب ساعات الرحيل الحزينة، فإني مذكرك، وناصح لي ولك، فاستمع؛ إني عليك من المشفقين، ولك من الناصحين.

إن الشياطين يتزاحمون عند بوابة الخروج على فك القيود التي سلسلوا بها خلال الشهر المبارك، فهل تمنحهم أخي فرصة للوصول إلى مآربهم، أم تراك تتمسك بهذا الطهر الذي منحك الله إياه؟ والأخير بالخيّرين أمثالك أحرى وأقرب.

أخي: التجئ إلى الله عصر هذا اليوم، فلربما تكون هي الساعات الأخيرة، وإن فيها لساعة تجاب فيها الدعوات، فتضرع إلى ربك، واسأله لنفسك وأمتك، وإن ربي لسميع الدعاء.

أخي: في ليلة العيد أحي شعيرة التكبير؛ تعظيماً لله ولدينه: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [البقرة: 185].

أخي: زكاة الفطر شعيرة إسلامية، وصورة روحانية، لكن أصبحت اليوم في عصر التواكل والتوكيل عادة لا معنى لها ولا أثر، ولذا فإني أوصيك بأن تشتريها بنفسك، وتحضرها إلى بيتك، وتعرضها أمام أبنائك وأهلك؛ ليتربوا عليها، ويستشعروا عبوديتها، قبل أن يأتي جيل ينسي معالمها.

أخي: أيام العيد أيام بهجة وسرور، ولحظات وفاء وصفاء وانشراح صدور، وأوقات صلة وتزاور، وهي أيام ذكر وطاعة، وإذا كانت موسماً للترفيه والتسلية فإن الترفيه لا يعني الانفلات من الحدود الشرعية، والتمرد على القيم الأخلاقية.

العيد لَهْوٌ بريء، لكن لا يعني اختلاط الرجال بالنساء، ولا المجاهرة بالغناء، ولا يعني تضييع الصلوات، واتباع الشهوات، فلنحذر مما يسخط الله، ولنتجنب ما يغضبه، وما يتنافى مع الغيرة والرجولة والمروءة، وإنما نكمل الفرحة بطاعة الله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

نسأله -تعالى- أن يختم لنا رمضان بالعفو والغفران، والنجاة من النيران، والفوز بالجنان، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا؛ (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 28].

أقول هذا القول.

الخطبة الثانية:

أخي: احرص على صلاة العيد فهي من شعائر الدين الظاهرة، واخرج إليها بأحسن زينة وأبهى حلة، بلا إسراف ولا مبالغة، فإن المبالغة والسرف فيه خروج عن حد القصد والاعتدال، وإضاعة وتبذير للمال، وإضاعة للضعيف والفقراء، ومفاخرة بلا أدب ولا حياء.

واعلم أن ليس من الزينة التجميل بما حرمه الله من حلق للحى، وإطالة للشارب، وقص للشعر بما يشبه فعل الكافر، بل تلك مظاهر انهزامية، ودليل تبعية وتشبه بأعداء الله، "ومَن تشبه بقوم فهو منهم".

أما بعد: والأمة تعيش أيام شهرها الأخيرة، وتترقب لحظات نزول الرحمات، والعتق والغفران، فإنها تنظر بعين العزة والإكبار والإشفاق إلى ما يجري في أرض العراق، هناك حيث فتحت حامية الصليب وراعية الإرهاب فصلاً جديداً من فصول الحروب الصليبية على الإسلام والمسلمين.

أجل! إنها حرب صليبية، وإن كان المخدوعون من دعاة تغيير المناهج يطالبون بحذف الحروب الصليبية بدعوى أنها انتهت في وقتها! (أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:59]!.

إنها حرب صليبية رفع فيها جنود الصليب صلبانهم على فوهات المدافع، وعلقوها في صدورهم، واستهدفوا بنارهم ودمارهم أهل التوحيد والعقيدة.

هناك على أرض العراق قد حصحص الحق، وانجلت الحقيقة، وتبينت معالم الحرية والديمقراطية التي جاءت بها أمريكا لتبشر بها المسلمين، وتنذر بها قوماً آخرين.

إنها حرب تقوم على حرق الأرض وهدم المساجد والمستشفيات، إنها حرية يعبر إليها عبر بوابة الإبادة الجماعية، والأسلحة الكيماوية.

إننا لسنا بحاجة إلى تحليلات سياسية، أو اعترافات غربية، أو توقعات صحفية، تبين لنا الهدف من جحافل الصليب، فذلك بينه لنا ربنا في كتابه: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة:2]. فإلى متى نظل ساذجين مخدوعين تصنع آراءنا ومواقفنا وسائل الإعلام الكاذبة؟.

هناك على أرض الفلوجة وما حولها تصنع لوحة من لوحات المجد والعز، وترسم صورة رائعة للمفاخر.

أبطال الفلوجة القليلو العدد والعُدد يجابهون أقوى قوة طاغوتية على وجه الأرض، فتنقل الأخبار من بطولاتهم عجباً.

على أرض الفلوجة تعانق صوت مدافع الأبطال مع دعوات إخوانهم في كل الأرجاء تنبعث من الحناجر المؤمنة، ويتردد صداها في الآفاق، لتظهر صوتَ مرصوصِ التلاحم والولاء بين المؤمنين.

على أرض الفلوجة تظهر آيات الله وبشائر نصره لأوليائه، يرسل الأعداء طائرات فيرسل الله رياحا تسقطها، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [لأنفال:17]، ويرسل الأعداء سموماً فينزل الله أمطاراً تمسح آثارها، وترفع أخطارها.

على أرض الفلوجة تلتقي القلة المؤمنة الصابرة مع الكثرة الكافرة، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 249].

على أرض الفلوجة رجال يأبون الضيم، ويرفضون الظلم، ولا يقبلون الدنية في دينهم.

في أرض الفلوجة تذكرة بيوم مؤتة، حيث بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة آلاف ليقاتلوا مائتي ألف؛ فهل ترى في ذلك تهوراً وانتحاراً؟.

على أرض الفلوجة ظهرت آثار دعواتكم، (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً) [الفرقان:77]. فواصلوا ولا تملوا ولا تستعجلوا؛ فإن وعد الله حق، ونصره آتٍ، ولو بعد حين.

على أرض الفلوجة ظهرت خيانات أهل النفاق، وأحقاد المجوس، كما ظهرت حقيقة الإرهاب ومعالمه، وتبين صانعوه من هم، وزارعوه على أرض الفلوجة وما حولها. سيردد الأمريكان وحلفاؤهم: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [المؤمنون:107].

إلى إخوتنا هناك، إلى صانعي لوحة المجد والعز: إن عز علينا أن نشارككم هذا الشرف فلن نضعف -بإذن الله- عن التفاعل معكم بدعائنا ومشاعرنا.

يا أسود العراق: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) [محمد:4]، (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لأنفال:67]، (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) [النساء:104].

إنه لفرق -والله- بين رجال يبذلون الدماء ويقدمون الأرواح ويصيدون الأعداء ويحمون الأعراض ويرابطون على الثغور، وآخرين يسهرون على الأفلام والمسلسلات ويضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات، ولكن:

خلق الله للحروب رجالاً

ورجالاً لقصعةٍ وثريدِ

يا مجاهدي العراق: إننا إذ نحمد الله ونشكره على ما أولى وقدم، وعلى ما تفضل به -سبحانه- من صور النصر الظاهرة، حيث تهاوت طائرات الأعداء، ودمرت دباباتهم، وجندل صناديدهم بل صناديقهم على ثرى الفلوجة وما حولها، وحيث تجلت آيات الله الباهرة في نصر المؤمنين وإغاثة المظلومين، ومع هذا فلا تستعجلوا النصر، ولا تشعروا بالعجب والفخر، ولا تقترحوا على الإله صورة من صور النصر، فالله يحكم ما يشاء ويختار، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد:8].

يكفيكم نصراً ثباتكم على دينكم وعلى مبادئكم وصمودكم في وجه أهل التخذيل ودعاة الإرجاف، وحاملي راية اليأس والقنوط، يكفيكم نصراً أن أبرزتم للعالم أن القوة هي قوة الحق لا قوة العدد والعتاد، وكشفتم للعالم القناع عن وجه الإرهاب الحقيقي، وأعلنتم للعالم أن المسلم لا يذل ولا يزل ولا يمل ولا يكل حتى ينال إحدى الحسنيين.

يكفيكم نصراً أن أرغمتم وجه الصليبيين في التراب، وحطمتم أسطورة أن أمريكا قوة لا تغلب، ولا تواجه، وبذرتم بذور السقوط المرتقب -بإذن الله- لهذه الأمة الظالمة الطاغية.

وإننا، ونحن نرقب الساعات الأخيرة لهذا الشهر المبارك، والمسلمون قد اتصلت قلوبهم بالله، وحسن ظنهم، وزاد رجاؤهم به، والمسلمون في المساجد الآن، وفي ساعة ترفع فيها الدعوات، وتسبق العبرات العبارات، وتضم الحناجر بالابتهالات، تتوجه إلى من له الخلق والأمر، وبيده النفع والضر، ومنه الهزيمة والنصر، ونردد في ثقة ويقين: يا ناصر المستضعفين، ويا راحم البائسين، ويا ملجأ المكروبين، إنك ترى حال إخواننا في العراق وفلسطين وفي بلاد أخرى، وتسمع بكاءهم وأنينهم، وأنت الأعلم بحالهم، والأقدر على نصرتهم، عز جارك، وجل ثناؤك، لا تضعف قوتك، ولا يهزم جندك، ولا يرد حكمك.

نسألك من قلب خاضع منكسر، أن تجعل لإخواننا من كل هم فرجاً...