الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - صلاة العيدين |
أعيادُ أهل الإسلام أعيادٌ متميزة عن سائر أعياد البشر، ليست أعيادًا لمولد ذا وموت ذا، لا لمولد عظيم، ولا لحدثٍ أرضي ولا مادي، ولكنها فرحٌ بإكمال الصيام والقيام، وفرحٌ بإتمام نسك الحج، أعيادٌ مرتبطة بديننا، ليست أفراحًا مجرَّدة، ولكنها أعيادٌ شرعية يُثاب عليها ..
أما بعد:
فيا أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فكلمة التقوى جامعة لكلِّ خير، مانعةٌ من كل سوء، كلمةٌ أوصى الله بها الخلائق أجمعين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ) [النساء:131]، كلمةٌ أوصى الله بها خيرَ خلقه وأتقاهم له محمدَ بن عبد الله: (يا أَيُّهَا النَّبِيّ اتَّقِ اللَّهَ) [الأحزاب:1].
كلمةُ التقوى هي صفة أولياء الله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يونس:62، 63]، هي المنجية من عذاب الله: (وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجّى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّـالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) [مريم:71، 72]، كلمةٌ إذا استقرَّت في القلب دعت إلى كلِّ خير، وقادت العبدَ لكل خير، وحذّرته من كل سوء، كلمةٌ تصحب العبد في كلِّ أحواله، في الحديث: "اتَّق الله حيثما كنت".
أمةَ الإسلام: فلنتَّق الله في أوامره التي أمرنا بها امتثالاً وتطبيقًا: (وَمَا ءاتَـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ) [الحشر:7]، ولنتق الله فيما نهانا عنه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَـالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
اتقوا الله في أخباره، فصدِّقوها وأيقنوا بها: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) [النساء: 122].
اتقوا الله في وعده، فارجوا ما عند الله، وثِقوا بوعد الله، وأن أعمالَكم الصالحة لن يُبخس منها شيء: (فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً) [طه:112]، يقول الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ) [آل عمران: 195].
اتقوا الله في وعيده، فاحذروا بأسه ونقمته: (إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج: 12]، (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَـالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم:6].
اتقوا الله في صومكم، واتقوا الله في فطركم، واتقوا الله في سرِّكم وعلانيتكم، فمنه المبدأ وإليه المصير.
أمةَ الإسلام، أفطر المسلمون اليوم ففرحوا بفطرهم، وحُقّ لهم ذلك؛ حيث فرحوا بإكمال الصيام امتثالاً لأمر ربهم الذي قال لهم: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة:185]، ولهم فرحٌ آخرُ فوق هذا كلِّه يومَ قدومهم على الله، وفي الصحيح: "للصائم فرحتان: فرحة يوم فطره، وفرحة يوم لقاء ربه". فيفرح يوم قدومه على الله إذ يجد أعمالَه مدَّخرة له أحوجَ ما يكون إليها: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا) [آل عمران:30]، يوم يقوم الصائمون من قبورهم وإنَّ رائحة أفواههم أطيبُ من ريح المسك، يومَ يُدعون من ذلك الباب المخصَّص لهم من أبواب الجنة ألا وهو باب الريان، يدخلون منه، فإذا دخل الصائمون أغلِق ذلك الباب فلم يدخل منه أحد.
أمة الإسلام: لنحمدِ الله على هذا الدين القويم الذي هدانا له، نسير فيه وفق شرع ربنا، وبالأمس صمنا، وبأمره اليوم أفطرنا، وهكذا قبولُنا لشرع ربنا.
هذا يومٌ يُظهر فيه المسلمون ذكرَ الله وتعظيمَه والثناء عليه: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
هذا يومُ فطركم، هذا يومُ عيدكم، يوم فرحٍ وسرور بعبادة الرب الغفور.
أمة الإسلام: في هذا اليوم يعرف المسلمون عظيمَ نعم الله عليهم، ويعرفون قدرَ نعمة الله عليهم، بما منّ عليهم بالخير والفضل، فيواسون محتاجيهم، ويعود غنيُّهم على فقيرهم.
أمة الإسلام: أعيادُ أهل الإسلام أعيادٌ متميزة عن سائر أعياد البشر، ليست أعيادًا لمولد ذا وموت ذا، لا لمولد عظيم، ولا لحدثٍ أرضي ولا مادي، ولكنها فرحٌ بإكمال الصيام والقيام، وفرحٌ بإتمام نسك الحج، أعيادٌ مرتبطة بديننا، ليست أفراحًا مجرَّدة، ولكنها أعيادٌ شرعية يُثاب عليها.
أمة الإسلام: عيدُنا جديدٌ في يومه، أصيلٌ في نفسه، فله ارتباطٌ قويّ بركنين من أركان إسلامنا.
أمة الإسلام: في عيدنا تجديدُ اللقاء، صلةُ الرحم، تقوية أواصر المودَّة بين الإخوة، زيارة المريض، تفريج همّ المهمومين وكرب المكروبين والتيسير على المعسرين، لتكون فرحة العيد فرحةً شاملة للجميع.
أمة الإسلام: أفراحنا ليست تحلّلاً من قيودِ الشرع، ولا طيًّا لبساط العبادة، ولا هدمًا لبناء الأعمال، ولكنها أعيادٌ شرعية منضبطة بضوابط الشرع، إذًا فلنحذر أن نبارز الله بالعصيان في هذا اليوم.
أمة الإسلام، أفراحنا ليست لإطلاق أيدينا وألسنتنا في المنكرات، ولاقتراف ما حرم الله علينا من اختلاطٍ محرم أو غناء محرَّم أو فحش في القول والعمل، إنَّ المسلم زكيّ القلب، مهذَّب النفس والسلوك، لا تزيده الأحداث إلا ثباتًا ورسوخًا في إيمانه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام: يقول الله -جل وعلا-: (اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [الحج:75]، ويقول -وهو أقسط القائلين-: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) [القصص:68].
اختار محمدًا –صلى الله عليه وسلم-، فجعله خاتمَ الأنبياء والمرسلين، وجعل شريعتَه خاتمةَ الشرائع، وألزم أهلَ الأرض كلَّهم طاعته واتباعه: (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158].
اختار أمتَه فجعلهم خيرَ الأمم وأفضلَها: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110].
بعثه الله على حين فترة من الرسل واندراسٍ من العلم، وقد بُدِّلت الشرائع، وحُرّف الكلم، وهام الناس في شعب الضلال وأوديته، بعثه الله وقد غلب الشركُ على أهل الأرض، فعبدوا الملائكة والأنبياء، والأشجار والأحجار والحيوان، زاعمين أنها تقربهم إلى الله، بعثه الله في الحرم وهم يأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، ويسيؤون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويتسلَّط القوي على الضعيف، بعثه الله بالهدى ودين الحق، فكان غريبًا بين قومه، لكنه امتثل أمرَ ربه، فدعا قومه إلى الله، وحذَّرهم من عبادة غيره، ودعاهم إلى إخلاص الدين لله، وأن يتركوا ما كان عليه آباؤهم وأسلافهم من عبادة غير الله، دعاهم إلى أداء الأمانة وصدق الحديث وصلة الرحم والإحسان إلى الجار والكفِّ عن المحارم والدماء، نهاهم عن الفواحش وعن قول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، حذَّرهم من كلِّ سوء، ودعاهم إلى كل خير.
وقد عانى الشدائدَ في دعوته، فقابلوه بالتكذيب، وقالوا: ساحر، وقالوا: مجنون، وقالوا: شاعر، وقال: مفترٍ، والله يعلم كذبَهم وأنهم يعلمون كذبَ ما يقولون: (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّـالِمِينَ بِآيَـاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام:33]، لكنَّه صبر على كلِّ الأمور، صبر وصابر وهاجر وجاهد، فعاش غريبًا بينهم، فبدأ الإسلام غريبًا، وبدأ النبي وأصحابُه غرباء، غربةَ رسالةٍ وعقيدة، لا غربة وطن ونسب وقبيلة، لكنه صابر وهاجر وجاهد في الله حق جهاده حتى أظهر الله دينه وأعلى كلمته.
فلمَّا دبّ الضعف في الأمة الإسلامية، وتسلَّط عليها أعداؤها من شياطين الإنس والجن، وحصلت الفرقةُ وضعفت الديانة، عاد الإسلام غريبًا.
أجل، عاد غريبًا في توحيد العبادة، بين أقوام ينتسبون إلى الإسلام ولكنهم بعيدون عن الإسلام، عبدوا غيرَ الله، وعظَّموا قبورَ الأموات، وطافوا بها، ونذروا وذبحوا لها، وهتفوا بأسمائها في الشدائد، وعاكسوا بذلك فطرة الله.
عاد الإسلام غريبًا في عبادته، فاستُخِفّ بالصلاة، وضيِّعت الزكاة، واستُخفَّ بشعائر الإسلام، بين من ينتسبون إلى الإسلام مع الأسف الشديد.
عاد الإسلام غريبًا في معاملاته، فإذا ذكرتَ الربا وأن الله حرَّم التعامل بالربا وجعل التعامل به حربًا لله ورسوله: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:279]، (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَا) [البقرة:275]، استغربوا هذا الأمر، وقالوا: الربا من ضروريات العصر، فاستبدلوا البيعَ الحلال بالربا المحرّم، واستبدلوا الصدقَ والبيان والوضوح بالكذب والغشِّ والخيانة، فأُكِلت أموالُ الناس بالباطل.
عاد الإسلام غريبًا في حمايته للأعراض، بين أقوامٍ استباحوا السفورَ وحاربوا الحجاب، ودعَوا إلى الرذيلة باسم الفضيلة معاكسةً لفطرة الله.
عاد الإسلام غريبًا حينما جاءت أوامره تُلزم الأمة الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر، الأمرَ بكل ما يحب الله، والنهي عن كل ما حرم الله؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان هذه الأمة، وسياجٌ منيع يحفظ الدماء والأموال والأعراض، فيَستنكر أولئك ذلك لأن الله غيّر فطرهم، فرأوا الباطل حقًّا والحقَّ باطلاً: (أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء) [فاطر:8].
عاد الإسلام غريبًا في أحكامه، ولا ترى في العالم الإسلامي محكِّمًا لهذه الشريعة في الدماء والأموال إلا هذا البلد -حماه الله وصانه وحفظه من كلِّ سوء-، إذًا فأحكام الشريعة غريبة بين المسلمين مع الأسف الشديد.
عاد الإسلام غريبًا، تكاثرت عليه دولُ الكفر والضلال: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ) [التوبة:32]، وقد وعدَنا الله إن صدقْنا في إيماننا النصرَ والتأييد والتمكين: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ) [النور: 55].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
تمرّ أمتنا الإسلامية بأحوالٍ شديدة مؤلمة، تكالبَ العدوّ عليها من كل جانب، اتّحدت وتعدّدت وسائلهم، واختلفت مشاربهم، لكن الكلمة مجتمعة على عدائنا وكراهيتنا، وقد أوضح الله لنا ذلك في كتابه لنكون على حذر، قال الله تعالى: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89].
هم الذين لا يرضيهم سوى إذلالنا وفرض التبعية علينا لهم: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
هم الذين لا يدَعون أذًى لنا قوليًا أو فعليًا إلا أتوه: (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوء) [الممتحنة:2].
هذا العداء الظاهرُ والأذى السافر لماذا؟! حسدًا لنا على نعمة الله علينا: (وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا) [البقرة: 109]، حسدونا على الإيمان إذ آمنا وكفروا، وقبِلنا وأعرضوا، حسدونا على ما منَّ الله علينا بنعمة الإيمان والأمن والاستقرار، ورغد العيش ونعمة الاتفاق واجتماع الكلمة، حسدونا أن المرأة بيننا محفوظة بحفظ الله، وأمورُها سائرة على شرع الله، حسدونا أن حرياتِنا مضبوطةٌ بضوابط الشرع، فلا جور ولا ظلم، حسدونا أنَّ أحكامَنا فيما بيننا هو كتاب الله وسنة محمد –صلى الله عليه وسلم-.
أمة الإسلام: نحن اليوم بأمسِّ الحاجة إلى اجتماع الصفِّ ووحدة الكلمة والوقوف مع قيادتنا ضدَّ من يهدّد ديننا وأمنَنا وخيرنا، نحن بأمسِّ الحاجة إلى التحامٍ قويّ، واتفاقِ الكلمة، والتعاونِ المطلوب في حماية الدين والعقيدة وأمن هذا البلد ورخائه، هذا البلد الذي يعيش أمنًا واستقرارًا يحسده الأعداء على نعمته، ولن يجدوا لذلك سبيلاً بتوفيق من الله إن نحن تمسكنا واجتمعت كلمتنا.
أيتها الأمة: احذروا مكائدَ الأعداء ووسائلَهم الخبيثة التي يخدعون بها من يخدعون، يريدون تشتيت كلمتنا وتفريق صفنا وبثَّ الفوضى بين مجتمعنا، ويأبى الله عليهم ذلك.
أمة الإسلام: إن هذا الأمنَ الذي تعيشونه في هذا البلد، هذا الأمن العظيم أنتم محسودون عليه، فليحذر كلّ منا أن يكون سببًا في إحداث شيء في هذه الأمور، وليكن كلٌّ منا على يقين أنه أمين على أمن هذا البلد، وأن كلَّ مواطن منَّا عينٌ ساهرة على أمن هذا البلد، فما منكم إلا على ثغر من ثغور الإسلام، فالله اللهَ أن يؤتى الإسلام من قبله.
أمة الإسلام: إن إعلام أعداءِ الله دائمًا يحرص على بثِّ الفرقة بين صفوف المسلمين، دائمًا يحرص على تلفيق التهم بأهل الإسلام، وكلّ ذلك مما في قلوبهم من الحقد والغيظ على الإسلام وأهله.
إن بلادنا المسلمة بلادُ خير وبلاد دعوة إلى الخير، وبلادٌ تمدّ يد الخير لكل من أراد، وبلاد -ولله الحمد- سياستها قائمةٌ على العدل والإنصاف، ليس فيها ظلم ولا تعدٍّ، ولكن الخير وبثّ الخير والكلمة الطيبة هي الصادرة من هذا البلد، فهذا بلدٌ منّ الله عليه بهذه النعمة، فلنشكر الله على نعمته، ولنحذر من أسباب زوالها، فإن الله إذا أنعم على قوم أحبّ منهم أن يقابلوه بشكره على هذه النعمة: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]، لنحذر من أسباب زوال النعم: (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال:53].
فليعلم كلَّ مسؤول منا أن الله سائله عما استرعاه، ضيّع ذلك أم حفظ، فانظر -أيها المسلم- أيَّ ثغر من ثغور الأمة أنت فيه، فكن حاميًا لهذا الثغر، مؤدِّيًا لعملك، مخلصًا لله فيه، عفيفَ النفس عن أموال الأمة، مترفعًا عن الدنايا، حريصًا على القيام بالواجب: (يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) [النساء:135].
الزموا شرائعَ الإسلام، أدّوا الصلواتِ الخمسَ جماعة في المساجد، وحافظوا عليها فإنها ركنُ الإسلام الثاني، هي عمود الدين، من حافظ عليها وحفظها سهُل عليه بقيةُ شرائع الإسلام، أدّوا زكاةَ أموالكم كما أمركم بذلك ربكم، أخلصوا لله في صيامكم وحجّكم، برّوا بالوالدين، وصلوا الأرحام، وأحسنوا إلى عباد الله، وابتعدوا عن الغش في التعامل، وابتعدوا عن شهادة الزور، واحذروا معاصيَ الله، واستعينوا بنعم الله على طاعته، وأعقبوا رمضانَ بالأعمال الصالحة، واسألوا الله قبولَ أعمالكم، وأن يثيبَكم، فإن الله -جل وعلا- لا يضيع أجرَ من أحسن عملاً.
واعلموا -رحمكم الله- أن أحسنَ الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...