القادر
كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
إن الله تعالى قد أعطاكم الكثير، وطلب منكم اليسير، وثوابه عائد إليكم، فإن الله سبحانه غني عنكم، ولكن من رحمته أن شرعها لكم؛ لتنالوا بها رضاه، وتحسنوا بها إلى من يستحقها من عباد الله، فجعلها جزءاً يسيراً من أموالكم لا يتجاوز العشر، وذلك منه -سبحانه- رفقاً بكم، وفرضها مرة واحدة في العام إذا ..
الحمد لله الذي آتانا المال وجعلنا فيه مستخلفين، وحثنا على الإنفاق منه فيما شرع مخلصين، وقال: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].
أحمده سبحانه، فرض الزكاة وجعلها ثالثة أركان الإسلام، وجعلها للفقراء في أموال الأغنياء كل عام، طهرة للأغنياء الأخلاق والآثام، ومواساة لذوي الحاجات والفقراء والمساكين والأيتام.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، جعل الإنفاق ابتغاء وجهه قرين الإيمان، ووعد المنفقين بالأجر الكبير والرضوان.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشرف البريات وسيد المسارعين في الخيرات. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي المكارم والهمم العاليات.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واشكروه على نعمه السابغة العظمى، وأنفقوا ابتغاء وجهه، فإن النفقة كذلك جُنَّة تقي المنفق وهج نار تلظّى.
أيها المسلمون: اشكروا الله على ألوان فضله عليكم، وجزيل إحسانه الواصل إليكم، فإنه سبحانه قد أعطاكم الخير الكثير، وأمدكم بالمال الوفير، فرزقكم من الطيبات، وصان وجوهكم عن الحاجة إلى مسألة البريات، وجعل أيديكم هي العلياء، وعافاكم من أنواع الابتلاء، فابسطوا أيديكم بأنواع الخير، وتنافسوا في خصال البر؛ شكراً لله على النعماء، وحذراً من أسباب الشقاء (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
أيها المسلمون: إن من شكر الله تعالى على نعمته بالمال أن تحسنوا به إلى عباده كما أحسن إليكم، وأن تؤدوا حقه الواجب فيه عليكم، فإن الله تعالى قد أثنى على عباده المؤمنين في كتابه المبين بصفات جعلها موجبات لوراثة الجنات؛ فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) إلى قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:4-11]. وقال تعالى: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:162]. وإنما فازوا بالثناء العظيم والأجر الكريم؛ لأنهم امتثلوا قوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور:56].
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وأخرجوا زكاة أموالكم؛ لعلكم تفلحون، وطيبوا نفساً يتقبلها الله منكم (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]. (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:272]. (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة:273]. (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:274].
فكونوا من المنفقين المحسنين المتزكين، ولا تكونوا من المرابين الجاحدين الآثمين (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:276-277].
أيها المؤمنون: إن الله تعالى قد أعطاكم الكثير، وطلب منكم اليسير، وثوابه عائد إليكم، فإن الله سبحانه غني عنكم، ولكن من رحمته أن شرعها لكم؛ لتنالوا بها رضاه، وتحسنوا بها إلى من يستحقها من عباد الله، فجعلها جزءاً يسيراً من أموالكم لا يتجاوز العشر، وذلك منه -سبحانه- رفقاً بكم، وفرضها مرة واحدة في العام إذا توفرت شروط وجوبها على التمام، وجعلها في الأموال النامية ونحوها مما حصل دون كلفة وكبير مشقة، وهي أربعة أنواع من المال:
أحدها: بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم إذا كانت متخذة للدر والنسل، وسائمة -أي راعية أكثر الحول- مع تمام الملك وبلوغ النصاب.
وأقله في الإبل خمس وفيها شاة، وفي البقر ثلاثون وفيها تبيع وهو ما له سنة، وفي الغنم أربعون وفيها شاة، وما زاد على النصاب له تفصيلات وفروع مدونة في كتب الفقه ولا يتسع المقام لبسطها.
فإن كانت متخذة للتكسب -كما هو حال غالب الناس اليوم- فهي عروض تجارة تزكى زكاة العروض.
الثاني: الخارج من الأرض من حب وثمر ونحوهما: مما يكال ويقتات ويدخر، ففيه الزكاة إذا كان قد بلغ نصاباً يوم حصاده لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [البقرة:267].
وقوله: (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه ِ) [الأنعام:141]. والنصاب ثلاثمائة صاع نبوي، أي ما يساوي سبعمائة وخمسين كيلو جرام تقريباً.
والواجب فيه العشر فيما سقي بلا مؤونة كالذي يسقى بالأمطار والأنهار، ونصف العشر فيما يسقى بكلفة كالمكائن والنواضح ونحوهما. وفي المعادن المستخرجة من الأرض وما وجد فيها من كنوز الجاهلية الخمس.
الثالث: الذهب والفضة: وتجب الزكاة إذا بلغ ما يملكه الشخص منها أو من أحدهما نصاباً، ومضى عليه الحول، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، وتساوي خمسة وثمانين جراماً، ونصاب الفضة مائتا درهم، وتساوي خمسمائة وخمسة وتسعين جراماً، وذلك على وجه التقريب. والواجب فيها ربع العشر، أي: اثنان ونصف في المائة.
والأوراق النقدية المتداولة بين الناس اليوم لها حكم الفضة، فإذا ملك الإنسان منها ما يقابل قيمة نصاب الفضة أو أكثر، ومضى عليه الحول، وجبت فيه الزكاة وهو ربع العشر، أي: اثنان ونصف في المائة، وهكذا ما يقابلها من العملات الأخرى، وحول ربح المال حول أصله.
الرابع: عروض التجارة: وهي ما يعد للبيع والتكسب من أنواع المال التي يتجر بها الناس من عقار وطعام وشراب ولباس ومراكب وأثاث ومعدات، ونحو ذلك من أنواع السلع، فتجب الزكاة في قيمتها إذا مضى عليها الحول.
فينبغي للمسلم أن يجعل له فيها وقتاً معيناً من العام -كرمضان مثلاً- يحصي فيه ما لديه من السلع التي أعدها للتجارة، دقيقها وجليلها، وصغيرها وكبيرها، ثم ينظر قيمتها في السوق في ذلك الوقت ويخرج ربع عشر قيمتها، أي: اثنين ونصفاً في المائة، وأما ما يؤجر مما ذكر فليس في نفسه زكاة، وإنما الزكاة في أجرته إذا مضى عليها الحول، وهي باقية لم تنفق ولم تصرف.
أيها المؤمنون: أما ما يقتنيه المرء لحاجته من مسكن وملبس ومأكل ومشرب ومركب وأثاث ونحو ذلك، فليس فيه زكاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة " رواه مسلم.
وهكذا ما تقتنيه النساء من حلي تتزين به فليس فيه زكاة ما دام لم يعد للتجارة في قول جمهور أهل العلم؛ لأنه مما يعد للحاجة، وخرج عن النماء بالاستعمال؛ ولأنه لم يرد فيه أدلة صحيحة وصريحة في إيجاب الزكاة فيه، والأصل براءة الذمة من الواجب حتى يثبت الدليل الصحيح السالم من المعارض، مع أنه قد ورد من الآثار المرفوعة ومن عمل جمع من مشاهير الصحابة في العلم والفتوى ما يدل على عدم وجوب الزكاة فيه إلى غير ذلك من الأدلة.
أيها المؤمنون: اتقوا الله الذي هداكم، واشكروه على ما أعطاكم، وأخرجوا زكاة أموالكم على وجه التمام والكمال وطيب نفس فيما تخرجونه من المال، طمعاً في الرحمة وجزيل المثوبة من ذي الكرم والجلال، وطلباً للسلامة من شر وعقوبة البخل بالمال في الحال والمآل (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهدى والبيان، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفرد بتدبير الأمور وتصريف الأحوال، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، أحمده سبحانه على سابغ نعمه، وأسأله للجميع المزيد من أنواع جوده وفضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، فلا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى دينه وهداه، والمنذر لمن أعرض عن ذكره وهداه، والسابق إلى كل ما يحبه الله ويرضاه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن مرجعكم إليه، وحسابكم عليه، وتأهبوا للوقوف غداً بين يديه (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
واشكروا لله تعالى إذ بلّغكم رمضان، ويسر لكم خصال الإيمان، فامضوا محتسبين في صيام نهاره وقيام لياليه، وتنافسوا ابتغاء وجهه في عمل البر فيه.
أيها المسلمون: إن شهر رمضان شهر الفضل والرحمة، فينبغي أن يستقبل بالفرح والاستبشار (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
ويستقبل بالنية الصالحة، والتوبة إلى الله من السيئات، والاجتهاد إلى الله في أداء فرائض الطاعات، وتكميلها بما شرع الله من جنسها من النوافل والمستحبات، والحذر من كل وسيلة توقع الشخص في شيء من الموبقات.
ولا يستقبل بالتأفف والتبرم من قدومه، وتثاقل أيامه، فإن ذلك من شأن المنافقين الخاسرين.
ولا يستقبل بالموائد الزاخرة من ألوان الأطعمة والأشربة الفاخرة مع الغفلة عما شرع الله فيه من الأعمال الصالحة التي هي للعاملين التجارة الرابحة.
ولا يستقبل بالسهر على ألوان اللهو والسمر، فذلك شأن المترفين الغافلين الذين نسوا أهوال القبور وأحوال يوم البعث والنشور.
ولا يستقبل بالتحلل من صيام أيامه والاحتيال على الترخص من أحكامه دون عذر مقرر في شرع رب العالمين؛ فإن ذلك شأن من قل حظه من الفقه في الدين.
أيها المسلمون: شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا للرحيل فإنه عن قريب، وتزودوا بأحسن الزاد فإن السفر لا رجوع منه إلى هذه الدار ، وسيحمد المحسنون العاقبة في هذه الدار ويوم القرار، فاغتنموا في الصالحات وجليل القربات شبابكم قبل هرمكم، وصحتكم قبل سقمكم، وغناكم قبل فقركم، وفراغكم قبل شغلكم، وحياتكم قبل موتكم، فإن هذه الأمور عوارٍ عندكم؛ لتمتطوها إلى الجنة، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.