الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
.. فمن قال لا إله إلا الله معتقداً أن لا معبود بحق إلا الله، وأخلص العبادة لله، وتبرَّأ من كل معبود من دون الله، ومن كل عابد وعبادة لغير الله - ثبته الله عند السؤال في القبر، فقال: ربي الله. وإلا أضله الله فقال: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته؛ فكان من الضالين المعذَّبين ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى ربكم، وأخلصوا له عبادتكم، واستقيموا على شريعته في طاعتكم، وكونوا متأسين بنبيه صلى الله عليه وسلم في سائر قرباتكم، فإنكم بذلك مكلفون، وفيه ممتحنون، كما صحت الأخبار وتواترت الآثار، أنكم في القبور تفتنون، وقد انقطعتم من الأعمال إذا غادرتكم هذه الدنيا فـ (يُثبتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
أيها الناس: إن أول سؤال يمتحن فيه المرء في قبره أن يقال له: من ربك؟ وهذا سؤال عن تحقيق أعظم كلمة في الوجود، وهي كلمة التوحيد (شهادة أن لا إله إلا الله)، المشتملة على بيان حق الله تعالى على العبيد، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله.
وتحقيقها من العباد اعتقاد ذلك، وإخلاص العبادة لله دون إشراك لأحد معه في ذلك، والكفر بكل معبود سوى الله، والبراء من كل عابد وعبادة لغير الله.
قال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الأنعام:102]. وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]. وقال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36]. وقال جل ذكره: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة:5]. وقال عز وجل: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الآية [الزمر:2-3]. وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) [الكافرون:1-2]. (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4].
فمن قال لا إله إلا الله معتقداً أن لا معبود بحق إلا الله، وأخلص العبادة لله، وتبرَّأ من كل معبود من دون الله، ومن كل عابد وعبادة لغير الله - ثبته الله عند السؤال في القبر، فقال: ربي الله. وإلا أضله الله فقال: هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته؛ فكان من الضالين المعذَّبين.
أيها المسلمون: وأما السؤال الثاني في القبر فيقال للرجل: ما دينك؟ وهو سؤال عن دين الإسلام الذي أكمله الله ورضيه ديناً لسائر الأنام، وأتم به عليهم الإنعام، كما بين سبحانه ذلك بقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19]. وقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3]. وقوله: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
وذلك سؤال عن إقامة الدين والاستقامة عليه كما جاء من رب العالمين، دون زيادة أو نقصان أو تغيير أو تبديل في سائر الأماكن والأزمان، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى:13]. وقال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم:30-32]. وقال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112]. وقال سبحانه: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) [فصلت:6].
فمن أخلص دينه لله، وأدّاه فعلاً على الوجه الذي شرعه الله؛ امتثالاً لأمره، وابتعاداً عما عنه نهاه، وكمل ذلك بصدق التوبة والاستغفار من ذنوبه وخطاياه - كان ممن يثبتهم الله بحسن الجواب عند السؤال وكريم الجزاء والمثوبة في الحال والمآل (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) [الزخرف:68-73].
وأما من أشرك بالله أو تعبد الله بشرع لم يأذن به الله، فصار من الظالمين الضالين - فذلك يضله الله -عند السؤال- عن الصواب في الجواب، فيقال: هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فأعظِم بشؤم عاقبة الظلم والضلال في الأقوال والأفعال والأحوال في الحال والمآل.
أيها المسلمون: أما السؤال الثالث في فتنة القبر فهو سؤال عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فيقال للشخص: من نبيك؟ وهو سؤال عن الإيمان بنبوته ورسالته، ومتابعته على سنته، فمن كان يعتقد أنه صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد، ونبي لا يُكذَّب، ورسول حقه أن يطاع ويتبع، وأنه خاتم النبيين وسيد المرسلين، وخيرة الله من خلقه أجمعين، فهو خليل رب العالمين، أرسله الله إلى الناس كافة شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وحقق إيمانه به بتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع؛ كان من المصيبين في الجواب الفائزين يوم الحساب.
قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:3-4]. وقال جل ذكره: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:132]. وقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:80]. وقال سبحانه: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) [الحشر:7]. وقال عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
فمن آمن به حقًّا، واتبعه صدقاً، ثبته فأحسن الجواب، وحشره الله معه يوم الحساب، وأمّا من غلا فيه حتى جعله إلهاً مع الله، أو جفا في حقه، أو كذّبه وأنكر رسالته، أو أقر بها ولكن لم يتبعه - فأولئك يضلهم الله جزاءً وفاقاً، ولا يظلم ربك أحداً؛ فكم من متلعثم في الجواب، وكم من مجانب للصواب، والويل كل الويل لمن كان خصمه النبي المصطفى والرسول المجتبى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان:27-29].
أيها المسلمون: تذكروا هذا الامتحان، واسألوا الله التثبيت عند الافتتان، واعدّوا لذلك العلم النافع والاعتقاد الصحيح، والعمل الصالح والقول السديد، يثبتكم الله تعالى عند السؤال، ويجعل مآلكم أكرم مآل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر:92-93].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهدى والبيان، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الغفور الرحيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.