الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | إبراهيم سلقيني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
لا بد للإنسان في هذه الحياة من صديق مخلص يبادله المحبة والوفاء، ويرجع إليه عند الشدة والبلاء بعد الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، يوفي إليه بمكنون سره، ويشعر بالطمأنينة والوفاء بجواره.. الحياة سفر شاق وطويل، ولا بد في السفر الشاق الطويل من مؤنس يعين عليه، يذكّرك إذا نسيت، وينصحك إذا أخطأت زينةً في الرخاء، وعُدة عند البلاء.
الخطبة الأولى:
الحمد لله آناء وأطراف النهار ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه إنسان، وأينما استقر، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوب إليه ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الأخوة الأحبة يقول الله -تبارك وتعالى- في محكم آياته وهو أصدق القائلين: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28].
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله -عز وجل- أشدهما حبًّا لصاحبه" صدق عليه الصلاة والسلام.
أيها الإخوة: لا بد للإنسان في هذه الحياة من صديق مخلص يبادله المحبة والوفاء، ويرجع إليه عند الشدة والبلاء بعد الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، يوفي إليه بمكنون سره، ويشعر بالطمأنينة والوفاء بجواره.
نعم أيها الإخوة: لأن الحياة سفر شاق وطويل، ولا بد في السفر الشاق الطويل من مؤنس يعين عليه، وأنعم بهذا المؤنس عندما تكون العلاقة معه في الله، أي: أن يكون الله هو الغاية والله هو الهدف، المحبة في الله تعني أنك تحب ما دام محبًّا لله، ما دام ملتزمًا بحدود الله يذكّرك إذا نسيت، وينصحك إذا أخطأت زينةً في الرخاء، وعُدة عند البلاء.
هذه المحبة في الله، ومن أجل الله هي التي تدوم وما سواها ينقطع، إن الذي يصاحبك لمالك، أو الذي يصاحبك لجاهك، أو الذي يصاحبك لعَرَض من أعراض الدنيا هذا ليس بصديق، وإنما هو يبحث عن مصلحته أينما وُجدت، ويدور ويتقلب مع هذه المصلحة حيثما تقلبت.
لذلك -أيها الإخوة الأحبة- أعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شأن المحبة في الله، وأوصى الصديقان أن يخلص كلّ منهما في محبته، وأن تكون غايته الله -تبارك وتعالى-.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبًّا لصاحبه" أي: بقدر أن تكون المحبة لله وفي الله وخالصة لوجه الله، وكلما كانت أشد قوة ومحبة كلما كان صاحبها أشد قربًا وأفضل عند الله منزلة تبارك وتعالى.
أكد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ذلك بأحاديث كثيرة، منها أنه جعل من علامة الإيمان المحبة في الله: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحب إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذف في النار".
وأحاديث أخرى منها أنه -صلى الله عليه وسلم- عدَّ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي رواية في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله عَدَّ منهم: "ورجلان تحابا في الله فاجتمع على ذلك" أي: على محبة الله "وافترقا عليه" أي: افترقا عن المحبة؛ لأن أحدهما حاد عن محبة الله وخالفه، وهو يحب لله ويبغض لله.
ولقد جعل الله -تبارك وتعالى- لكل نبي من الأنبياء أصحابًا، وجعل له حواريين يؤازرونهم في دعوتهم، ويعينونهم بعد الله –عز وجل- في محاربة عدوهم، وأول صاحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو سيدنا أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- آمن بالرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما كذَّبه الناس، وهاجر معه، وفداه بنفسه وبجميع ماله، وفَّى له حيًّا وبعد مماته، وأيضًا لم تفتنه الفتن، ولم يؤثر فيه الجاه.
ولذلك نرى أن الله -تبارك وتعالى- ذكر هذه الصحبة في القرآن الكريم، حينما قال -تبارك وتعالى-: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].
(لِصَاحِبِهِ) هذه هي الصحبة الصادقة الكاملة، وهذه هي الأُخوة في الله -تبارك وتعالى-، وليس الحب في الله مجرد ادعاء أو مجرد التلفظ باللسان، وإنما الحب في الله -كما أشرت- أن يكون الله -عز وجل- هو الغاية.
وليس من الحب في الله من يصادقك ما دمت في سراء ونعماء، فإذا خرجت عن السراء والنعماء خرج عن صحبتك ونسي.
ليس من الصحبة في الله إذا كنت ذا جاه صاحَبَك، وإذا زال جاهك ابتعد وهرب منك.
ليس من الصحبة في الله -تبارك وتعالى- أن يحترمك صديقك حينما يلقاك وحينما يبتعد عنك يفري جلدك، ويهتك سترك، وينال من عرضك.
ليس من الحب في الله –عز وجل- أن يجتمع الصاحبان على معصية الله -عز وجل- أو انتهاك حرماته.
ليس من الحب في الله أن يجتمع الصاحبان على انحراف أو باطل أو السكوت عنه.
ليس من المحبة في الله أن ترى صاحبك أو صديقك يخطئ ولا تنصحه، وأقول تنصحه، لا أن تشهّر به، وأن تذكّره إذا نسي.
أيها الإخوة الأحبة: هذه بعض معاني المحبة في الله وهي المحبة التي تدوم؛ لأنها لله والله يدوم.
وهذه المحبة جميلة؛ لأنها مظهر من مظاهر جمال الله، وما كان لله فهو متصل ودائم وما كان لغير الله فهو منقطع وغير دائم.
أيها الإخوة الأحبة: ليبحث كلّ منا عن إخوة له يشاركونه في محبته لله، وفي الالتزام بهدى الله -عز وجل-، واجتناب محارمه فيقوّي صلته بهم، ويخلص ويفي في صداقتهم، وفي محبتهم؛ لأنهم يذكرونه إذا نسي، وينصحونه إذا أخطأ، ويتعاونون معه على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
وصدق الله –تعالى- إذ يقول: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
لم ترد.