الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
ربُّنا -عز وجل- عندما أمرنا بصلة الرحم أمر بذلك لغاية, ألا وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح فيما بين الأرحام. فلا نجعل من صلتنا للأرحام مجالس غفلة عن الله -عز وجل-, مجالس لهو ولغو؛ لأننا سوف نُسأل يوم القيامة عن ذلك, وربما...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: العيد نعمة من نعم الله -تعالى- أسبغها على عباده المؤمنين, وذلك بعد أداء عبادتين عظيمتين, عبادة الصوم وعبادة الحج, وأنت في الحقيقة في عيد عندما تكون لله -عز وجل- طائعاً؛ لأن الطاعات تولِّد فرحاً وسروراً عند الطائع؛ كما قال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طـه: 123] إذا انتفى عنك الخوف والحزن فأنت في فرح وسرور.
فمن جاءه شهر رمضان فصامه حقَّ الصيام وقامه حقَّ القيام، فإنه يستحقُّ أن يعيش في اليوم الأول من شهر شوال يوم عيدٍ مبارك عليه, حيث يُدخل الله -تعالى- الفرحة في قلبه, وآثار هذه الفرحة ينقلها للآخرين عندما يلتقي بهم يوم العيد.
أيها الإخوة الكرام: إن من أعظم مظاهر العيد السعيد: صلةَ الأرحام التي تكون بين المؤمنين؛ لأن العبد الذي خرج من شهر رمضان المبارك بعد صيامٍ وقيامٍ وقربٍ من الله -تعالى-, يسرع لامتثال أمر الله -تعالى- وخاصةً في صلة الأرحام, قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) [الرعد: 21].
وقد حذَّر الله -تعالى- من قطيعة الرحم بقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 22 - 24].
أيها الإخوة المؤمنون: يجب علينا أنْ نعلم بأنَّ صلةَ الرحم واجبةٌ علينا, وصلة الرحم تعني أن نصل من قطعنا, وأن نُحسن إلى من أساء إلينا, وأن نحلُم على من جهل علينا؛ لأنَّ واصل الرحم التي تصله لا يسمى واصلاً لها, إنما هو المكافئ, وذلك لقوله تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].
لذلك بيَّن لنا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- هذا الفارق بين الواصل والمكافئ بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ, وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ مَنْ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا" [رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-].
وهذا ما يجب على المسلم الملتزم أن يجسِّده سلوكاً وعملاً, بحيث يعامل الآخرين بالفضل لا بالعدل, وخاصة الرحم.
تعامل مع رحمك بالفضل, فَصِلْهم إذا قطعوك, وأحسن إليهم إذا أساؤوا إليك, واحلم عليهم إذا جهلوا عليك, فإن فعلت ذلك فأنت الواصل للرحم حقيقةً, وأنت المُؤَيَّد من الله -تعالى-؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي, وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ, وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ, وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ".
يا عباد الله: لنصل أرحامنا مكافأة, ولنصل أرحامنا إذا قطعوا, لنكون من المتنافسين في العمل الأحسن, قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك: 2].
يا عباد الله: إن كان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يقول: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ, يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا, وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ" [رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-].
إن كان هذا في حقِّ العامة من المؤمنين فهو يتأكَّد أكثر في حق الرحم المؤمن؛ لأن هذا له حقُّ الرحم وحقُّ أخوة الإيمان, فكونوا خيراً من رحمكم إذا أساؤوا -لا قدَّر الله تعالى- فإذا عصى رَحِمُك اللهَ فيك, فأساؤوا إليك وجهلوا عليك وقطعوك, فلا تعصِ الله -عز وجل- فيهم, يكفي وجود عاصٍ واحد, لا يكن العصاة متعددين, وخير ما تكافئ به العاصي أن تطيع الله -تعالى- أنت فيه.
تذكَّروا -يا عباد الله- قول الله -تعالى-: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النـور: 22] فاعفوا واصفحوا عن أرحامكم إذا أساؤوا, وتذكروا قول الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) [فصلت: 46].
أيها الإخوة المؤمنون: ربُّنا -عز وجل- عندما أمرنا بصلة الرحم أمر بذلك لغاية, ألا وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح فيما بين الأرحام؛ قال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214].
أمر بذلك لكي نكون متناصحين؛ كما قال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ, قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" [رواه الإمام مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه-].
وقال تعالى: (وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) [العصر: 1- 3].
فلا نجعل من صلتنا للأرحام مجالس غفلة عن الله -عز وجل-, مجالس لهو ولغو؛ لأننا سوف نُسأل يوم القيامة عن ذلك, وربما أن يتحسَّر الإنسان يوم القيامة على تلك المجالس التي كانت مليئة باللهو والغفلة واللغو؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ إِلا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ, وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً".
ولنعلم جميعاً ونحن نزور الأرحام قول الله -تعالى- عندما يصف عباده المفلحين: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 1 - 3].
وكما وصف ربنا -عز وجل- عباد الرحمن بقوله: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان: 72].
أيها الإخوة الكرام: ربنا -عز وجل- ما شرع لنا الطاعات لتكون سبباً للوقوع في المخالفات, ربنا -عز وجل- عندما شرع لنا زيارة الأرحام حذَّرنا من الوقوع في المخالفات والمحظورات أثناء زيارة الأرحام, من جملة ذلك: أولاً: الدخول على النساء من غير المحارم -يا عباد الله-: كثيرٌ من الناس الذين يقومون بصلة الأرحام يقعون في بعض المخالفات الشرعية, والتي من جملتها الاختلاط بالنساء من غير المحارم, بحيث يدخل الرجل على زوجة عمه وخاله, يدخل على بنت خاله وخالته, وبنت عمه وعمته, وكلُّ هذا حرام لا يجوز شرعاً, وذلك لقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" يعني غير المحارم "فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ" [رواه الإمام مسلم عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-].
ويتأكَّد هذا التحريم إذا صارت هناك خلوة بهؤلاء النساء اللواتي يحلُّ للرجل الزواج منهنَّ, حيث يلعب الشيطان بين الرجل والمرأة, كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، وَلَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ, خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبِهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ".
وكم سمعنا من ارتكاب الفواحش بسبب هذا الاختلاط, كم من رجل خان أخاه في زوجته, وكم من رجل خان عمه في زوجته أو ابنته, وكم من رجل خان خاله في زوجته أو ابنته وهكذا... فاحذروا -عباد الله- الدخول على النساء الأجنبيات خشية الوقوع في المخالفات, ودرءُ المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.
ثانياً: الغيبة والنميمة: -أيها الإخوة المؤمنون-: كثيرٌ من الناس عندما يقومون بصلة الأرحام يقعون في كبيرة من الكبائر وهم لا يشعرون, والتي من جملتها الغيبة والنميمة وتتبُّع العورات, وكلُّنا يعلم حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟" قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ, قَالَ: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" [رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-].
أما حديث تتبُّع العورات فالكل يعلمه, وذلك عندما يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ" [رواه الإمام أحمد عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه-].
احذروا -يا عباد الله- الغيبة وتتبع العورات أثناء زيارات الأرحام, فلا تجعلوا من الطاعة سبباً للمعصية, ودرءُ المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.
ثالثاً: كشف العورات -يا عباد الله-: الكثير من النساء يتساهلْنَ في كشف العورة إما بالثياب الضيِّقة, وإما بالثياب الرقيقة, وإما بالثياب القصيرة, وربما يدخل الرجل على بعض أرحامه ويرى هذا بعينه, وهو من جملة المنكرات ولا يتغيَّر وجهه لله -تعالى-, يرى كشف العورات وهو ساكت, والساكت عن الحق شيطان أخرس.
يا عباد الله: احذروا هذه المعصية أثناء زيارة الأرحام, ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر, وذكِّروا محارمكم بحديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ, وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ, مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ, رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ, لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا, وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" [رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-].
احذروا هذه المنكرات التي نتائجها وخيمة, ولقد سمعنا عن زنا المحارم الشيء الكثير, ودرءُ المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.
استغلوا زيارة الأرحام بالتبليغ عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وتذكَّروا قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً" [رواه البخاري].
أحباب سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, احذروا المخالفات الشرعية أثناء صلة الأرحام؛ لأنه من تمام فضل الله -عز وجل- علينا أنه رتَّب لنا على صلة الأرحام ثمرات منها: أولاً: الله -تبارك وتعالى- يصل واصل الرحم: أعظم ثمرة من ثمرات صلة الأرحام هي: أن الله -عز وجل- يصل واصل الرحم؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ, قَالَ: نَعَمْ, أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى, قَالَ: فَذَاكِ لَكِ, ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 22 - 24].
ثانياً: واصل الرحم يبارك الله -تعالى- في عمره ورزقه: -عباد الله-: إن واصل الرحم يكرمه الله -تعالى- بالبركة في عمره والبركة في رزقه؛ كما جاء في الحديث الشريف عن أَنسٍ -رضي اللهُ عنه- أَن رسولَ اللهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قال: "مَنْ أَحبَّ أَنْ يُبْسَطَ له في رِزقِهِ، ويُنْسأَ لَهُ في أَثرِهِ، فَلْيصِلْ رحِمهُ" [رواه البخاري].
ثالثاً: واصل الرحم لا يخزيه الله -تعالى-: -أيها الإخوة الكرام-: إن واصل الرحم لا يخزيه الله -تعالى-, وكيف يخزي الله عبداً يعامل الناس بالفضل لا بالعدل, وهذا ما أكَّدته أمُّنا السيدة خديجة الكبرى -رضي الله عنها-, عندما رجع سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من غار حراء في المرة الأولى وفؤاده الشريف ترتجف, وقال لأمِّنا السيدة خديجة -رضي الله عنها-: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ, ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ: "أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي" وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ, قَالَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي" قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: كَلا, أَبْشِرْ, فَوَاللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا, وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ. [رواه مسلم].
عباد الله: لنكن من الواصلين لأرحامنا وإن قطعت وأساءت وجهلت, لنكن واصلين لأرحامنا مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لنحذر الاختلاط بالنساء والخلوةَ بهنَّ, لنحذر الغيبة وتتبُّع العورات, ولنبلِّغ الأحكام الشرعية عند زيارتنا للأرحام, راجين المولى -عز وجل- أن يكرمنا بثمرات صلة الأرحام.
نسأل الله -تعالى- أن يصلنا برحمته ويبارك لنا في أعمارنا وأرزاقنا، آمين.
أقول هذا القول، وكل منا يستغفر الله, فيا فوز المستغفرين.