المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | عبد الله بن ناصر الزاحم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
معاشر المؤمنين: عندما يتعرض الإنسان في هذه الحياة لعوارضَ أو أحداثٍ لا يرغبها، وليس له فيها حول ولا قوة، تتبين له حاجتُه إلى ربه، ويظهر له عجزُه وضعفُه؛ فمن طبيعة الإنسان أنه في حالة النعمة والعافية يستعلي ويستكبر، وينسى ضعفه وعجزه وحاجته.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا،ً وجرت الأمور على ما يشاء حكمة وتدبيراً، له ملك السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله، ولن تجد من دونه ولياً ولا نصيراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وكان الله على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا،ً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -تبارك وتعالى-، فهي وصية الله للأولين والآخِرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
معاشر المؤمنين: عندما يتعرض الإنسان في هذه الحياة لعوارضَ أو أحداثٍ لا يرغبها، وليس له فيها حول ولا قوة، تتبين له حاجتُه إلى ربه، ويظهر له عجزُه وضعفُه؛ فمن طبيعة الإنسان أنه في حالة النعمة والعافية يستعلي ويستكبر، وينسى ضعفه وعجزه وحاجته.
عباد الله: لقد خلق الله الإنسان من ضعف، وجعله ضعيفا: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم:54]، ويقول -جل وعلا-: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:28].
بل بيّن الله ضعف الناس في أتم صورة فقال: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج:73].
أحبتي في الله: إن الله -عز وجل- رحيم بعباده فلا يهلك الناس بمجرد عصيانهم، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر:45]، لكنه -جل وعلا- يمهلهم ويرسل لهم النذر، فتارة يحبس عنهم الأمطار، ومرة بغلاء الأسعار، وثالثة بضيق العيش ونقص الأموال والأنفس والثمرات.
وقد تكون بالرياح والعواصف، كما جرى في الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع، من رياح مصحوبة بالأتربة عمت الديار، اغبرت السماء، وهبت الرياح، وعمت جميعَ الأرجاء، وأخذ الناس يتوارون في سياراتهم، أو يكنّون في منازلهم.
ويعظم الخطب عند المصابين بأمراض الصدر والربو، الذين ملؤوا المستشفيات، فبان عجزُهم عن رد هذه النازلة ودفع ضررها، ووقفوا ضعفاء عاجزين أمامها، لم تمنعها الأبوابُ الموصدة، ولا النوافذُ المغلقة، ولا الاحتياطاتُ البشرية، فوصلت لكل مكان، لتثبت ضعف الإنسان، والله -عز وجل- لم يرسل إلا جزءا يسيرا لا يعدّ ولا يذكر مما عنده.
إن الريح جندٌ من جند الله، يرسلُها رحمةً لمن شاء، وعذابا لمن أراد، ونذيرا للعباد.
لقد أرسل الله الريح العقيم على عاد، فأهلكتهم، (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات:41-42].
ويصف الله حالهم بقوله: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الأحقاف:24]، وفي سنن الترمذي أن الله -جل وعلا- ما أرسل عليهم إلا مثل حلقة الخاتم.
إن تلك الآياتِ والأحداث نذر من الله -تعالى- لعباده؛ لعلّهم يتضرعون، ولعلهم ينتبهون، ولعلهم يستعتبون، قبل أن تحقّ عليهم الحاقة.
إنها نذرٌ وآيات، فاعتبروا يا أولي الألباب، فلنتق الله عباد الله، إنه -جل وعلا- يقول: (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) [الإسراء:69]، فما أهون الخلق على الله إذا تمادوا في العصيان! وما أعظم قدرته -جل وعلا-!.
أيها الأحباب: إنها آيات ونذر من الخالق -جل وعلا-، لتذكير الناس بتقصيرهم، ولإنذارهم عقوبة خالقهم، ولإشعارهم بنعم الله ليشكروها، ولتذكيرهم بقدرة الله -جل وعلا- ونقمته ليحذروها.
تقول أم المؤمنين عائشةُ -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا".
عباد الله: إن مما يؤسف له أننا نسمع ونقرأ تفسيرات ممن غلبت على أفكارهم ماديات الحياة، بأنها ظواهرُ طبيعية، وعللوها بتعليلات مادية وفلكيّة، وهذا -وإن صحّ- فإننا لا نغفل عن تذكّر مسبِّبِها ومقدِّرِها، وحكمتِه -جل وعلا- في تقديرها، فَمَنْ دبَّرها؟! ومن أمَرَها؟! ومَنِ القَادِرُ على إيقافِها ومنعِها؟! إنه الله رب العالمين.
أيها المسلمون: إن الله -عز وجل- هو الذي يُسيِّر الرياحَ كيف يشاء، ويسخرها لمن يشاء، فهي للطائعين رحمةٌ وبركة، وتحمل الخير للعباد، تسوق السحابَ فيَنزِل من السماء ماء يحيي به الله بلدةً ميتا، ويسقيه مما خلق أنعاماً وأنَاسِيَّ كثيرا.
وهي نِقْمَةٌ وشرٌّ وهلاكٌ على الطغاة المتكبرين، سلطها الله على عادٍ الأولى، لما استكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا: من أشد منا قوة؟!، وأرسلها الله يوم الأحزاب على قريشٍ وأعوانها؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب:9].
يجب علينا أن نوقن بأن تلك الآياتِ والنذر تخويفٌ من الله لعباده؛ لعلهم يرجعون، (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء:59].
فكيف نستبعد غضبَ الله وعذابَه وقد عَذَّب أُممَاً سلفت بما كسبت أيديهم؟! فسننُ الله لا تتغير ولا تتبدل. وكيف نأمنُ عذابَ الله، والبلاء إذا نزل لا يقتصر على الفسقةِ والمجرمين، بل يعم؟ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].
عباد الله: إن ضعفَ الإيمانِ، والإغراقَ في مادياتِ الحياة، والتأثرَ بثقافاتٍ ماديةٍ ضالة؛ غربية أو شرقية، والسكوتَ عن المنكرات، سببٌ لاستمراءِ المعصية، ثم الرتوعِ في الحرام، اقرؤوا قول الله -عز وجل-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [المائدة:78].
إن من لم يُذَكِّره القرآنُ فلا مُذكِّر له، ومن لم يعظه القرآنُ فلا واعظَ له، ومن لم تُؤثِّر فيه آياتُ القرآنِ ولم تحرك قلبَه؛ فليعلم أن قلبَه ميت، فليبادر بعلاجه قبل فوات الأوان، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:43-45].
فاعتبروا يا أولي الأبصار، واعلموا أنه لا ملجأ من العقوبة إلا بكثرة الاستغفار، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33].
وعند أبي داود وابنِ ماجة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ".
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الذين إذا وُعظوا اتّعظوا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا ابتلوا صبروا.
أقول هذا القول، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله يُنزل البلاء برحمته وعدله، ويرفعه إذا شاء بالتوبة والإنابة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد أيها المسلمون: فاتقوا الله -تعالى- وتوبوا إليه، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن يحل بنا ما حلّ بمن حولنا.
عباد الله: إن عذاب الله إذا حلّ بقوم عمّهم، روى البخاري من حديث عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ"، وسألت زينب -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: "نَعَمْ؛ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث".
ومن يتأمّل في مجريات الحياة، وينظر في الواقع، فإنه يصاب بالرعب الرهيب، والفزع الشديد؛ لما يرى من انتهاكٍ لحرماتِ الله وحدودِه، وتضييعٍ وتفريطٍ لفرائض الدين وواجباته.
كيف نأمن عذاب الله وثوابتُنا ومُسلماتُ ديننا وركائزُ سلوكياتنا أصبحت حمىً مستباحاً يرتع فيه كلُّ ساقط وساقطة؟ وتكدِّره جُرأةُ العلمانيين، وبجاحةُ المستغربين، وفجورُ العصاةِ والمنحلِّين، عبر وسائلَ إعلاميةٍ كثيرة، ونحن مستمرئون وساكتون ولا ننكر؟!.
كيف نأمن عذاب الله والمترفون فسقوا بأفعالهم وأقوالهم وقراراتهم وتعدياتهم؟! (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].
كيف نأمن العذاب، ودعاةُ التغريبِ والفجورِ يدعون نساء المسلمين إلى جحيم الانحلال وإلى سعير التبرج والاختلاط، تحت شعار الحقوق المهضومة والتحرير؟!.
كيف يُؤمنُ العذاب وكثير من النساء ينخدعن بالدعايات الكاذبة، وينجرفن وراء الأبواق الخاسئة التي تتدثر بدثار الإصلاح، وتلبس لبوس المصلحة، والله يعلم إنهم لكاذبون؟!.
كيف نأمن العقوبة وقد هجر كثير من الناس المساجد، فمنهم من لا يشهد الفجر في جماعة، وآخرون لا يركعون مع الراكعين؟! وكثير منا قد استحلوا الحرمات، وخاضوا في المتشابهات، وتساهلوا في الموبقات، ومنها التعامل بالربا! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278-279].
كيف نأمن العقوبة وقد ضعُفت الهممُ في إنكار المنكرات، وإن وُجد فعلى خوف واستحياء، ورجالُ الحسبةِ لم يسلموا من أذى المجرمين، وأقلامِ الكتبة الكاذبين، وسخريةِ المنافقين؟!.
إن المؤمن حقًا هو مَن تُحدث عندَه هذه الآيات والعبر شعورا بتعظيم الخالق، والخوف والحياء منه، وإجلاله.
عباد الله: لقد رأينا ظُلمة لا ندري ما وراءها! أهو عارض ممطِرنا، أم ريح فيها عذاب أليم؟! لما رأيناها: مَن منا لهج لسانه بالذكر والاستغفار والدعاء والبكاء؟! لا نقول إن الناس جميعا لم يفعلوا ذلك، لا والله، فإن الخير لا يزال في الأمة، ولكنهم قلة.
كم نحن بحاجة إلى مراجعة جادة لأحوالنا! فالبلاء لا ينزل إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، ونحن نرى واقعنا وما نحن فيه من الغفلة، فلا نخدع أنفسنا بأننا على خير، ونُخَدِّر بعضنا بأننا خيرٌ من غيرنا.
يجب أن لا نعزو تلك الأحداث إلى غير أسبابها الحقيقية، بل الواجب أن نعترف بإسرافنا على أنفسنا، وأن نخشى العقوبة، وأن نلجأ إلى الله بصدق، ونجأر إليه بمسكنة وتذلّل، أن يرفع عنا ما أصابنا، وأن نعلم أن ذلك بما كسبت أيدينا؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30].
فلنتق الله عباد الله، ولنقف عند حدود الله، ولنعظّم حرماته، ولنأخذ بأسباب النجاة؛ فإن هلاكَ الإنسان ونجاته مُقيَّدان بما كسبت يداه.
ولنعتبر بمن حولنا، ولنتعظ بما يجري بالأقوام من غيرنا، كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يحدِّث في المسجد: "إن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره".
اللهم إنا عبيدُك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمُك، عدلٌ فينا قضاؤك، نشكو إليك ما لا يخفى عليك من أمرنا، ونسألك اللهمّ أن ترفع عنا ما نزل بنا من القحط، وقلة المياه، وكثرة الأوبِئة وتصاعد الأتربة.
اللهم الطف بنا يا أرحم الراحمين، اللهم قنا عذابك، وارحمنا برحمتك الواسعة، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا يا عزيز يا غفور، يا رب العالمين...
عباد الله: صلوا وسلموا على النعمة المهداة، والرحمة المسداة، حيث أمركم ربكم بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...