البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عكرمة بن سعيد صبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
إن الأقصى المبارك أُولى القِبلتين، وثاني المسجدينِ، وثالث الحرمينِ الشريفينِ، يتعرض إلى اقتحامات وإلى اعتداءات عنصرية تمسُّ حرمةَ الأقصى، وكما تعلمون أن الأقصى هو رديف للمسجد الحرام، وللمسجد النبوي الشريف...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله أنعم علينا بالإيمان والإسلام، الحمد لله، أرسل إلينا النبي العدنان، خير الأنام، -عليه الصلاة والسلام-، ونشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وإمامنا، محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين المبجَّلين، وصحابته الغُرّ الميامين المحجَّلين، ومَنْ تَبِعَهم ونهَج نهجَهم، واقتَفَى أثرَهم إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أيها المصلون: من بيت المقدس، من أرض الإسراء والمعراج، من رحاب المسجد الأقصى المبارك، أنقل لكم تحيات إخوانكم المرابِطينَ، الركُّع السجود، في رحاب الأقصى المبارك.
أما بعد، أيها المصلون: يقول الله -سبحانه وتعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، هذه الآية الكريمة، من سورة الإسراء، وهي الآية الأولى، وسُميت السورة بالإسراء؛ لأنها تتحدث عن معجزة الإسراء، كما سُميت هذه السورة بسورة بني إسرائيل؛ لأنها تتحدَّث عن فساد وإفساد بني إسرائيل.
أيها المسلمون: أيها المصلون: لقد بدأت آية الإسراء بقوله -سبحانه-: (سُبْحَانَ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، ولم ترد سورة في القرآن الكريم قد بدئت بلفظ سبحان، هناك سور في القرآن الكريم بدئت بلفظ: "سبح"، "يسبح"، ولكن لا يوجد لفظ سبحان إلا سورة الإسراء؛ لماذا؟ للدلالة على أن الله -عز وجل- قد قرَّر إقامة معجزة فريدة من نوعها؛ ألَا وهي معجزة الإسراء والمعراج، وأن هذه المعجزة مرتبطة بعقيدة المسلمين، بإيمانهم؛ لذا فإن ارتباط المسلمين، جميع المسلمين في أرجاء المعمورة هو ارتباط عقيدة، ارتباط إيمان بالأقصى، بالقدس في فلسطين، ثم إن هذه المعجزة؛ أي معجزة الإسراء والمعراج ليست معجزة واحدة، بل هي عدة معجزات؛ لقوله -سبحانه وتعالى-: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)[الْإِسْرَاءِ: 1]، فالآيات هنا المعجِزات، ومن هذه الآيات؛ أي: من هذه المعجزات عروج النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى السموات العلا؛ لذا قال العلماء المفسِّرون بأن القدس هي بوابة الأرض إلى السماء، وهي أيضًا بوابة السماء إلى الأرض؛ لأن الأنبياء والمرسَلين قد هبطوا إلى أرض الأقصى، وأَمَّ بهم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إمامًا، فهو إمام الأنبياء والمرسَلين، وهو خاتم الأنبياء والمرسَلين، وأن رسالته الإسلامية هي الرسالة الشاملة، الدائمة إلى يوم الدين، وهناك معجِزات أخرى؛ هي ركوب الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- على البراق، وسمي البراق براقًا؛ لأنه أسرع من البَرْق، وأن الحائط في المسجد الأقصى من الجهة الغربية يُطلَق عليه "حائط البراق"، لماذا؟ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قد ربَط البراق بحلقة من حلقات هذا الحائط.
أيها المسلمون، أيها المصلون: إن جذورنا بالقدس هي جذور إيمانية، هي جذور ثابتة، فقد قرر الله رب العالمين من سبع سماوات بإسلاميةِ هذه الديارِ، ثم إن الخليفة العادل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد فتحها فتحًا سِلميًّا، قد فتحها وأعطى الأمان لأهلها، بالعُهدة العُمريَّة، ويَحسُن لأصحاب الكفاءات، ويَحسُن لأئمة المساجد والوُعَّاظ أن يشرحوا العُهدة العُمَرية في دروسهم للمسلمين؛ لما تحوي من دروس، وتحوي من قدرة الإسلام على حماية غير المسلمين، وتعلمون -أيها الإخوة الكرام- أن أمير المؤمنين الخليفة العادل عمر بن الخطاب قد دخَل بيت المقدس مشيًا على الأقدام، نعم؛ دخلها مشيًا على الأقدام، قد يقول قائل: "وهل خليفة أمير المؤمنين يدخل المدينة وهو ماشٍ. لماذا؟"؛ لأن عمر بن الخطاب كان يتناوب على ركوب الراحلة هو والمرافِق، مُرافِقه اسمُه أسلمُ، كان يركب عمرُ على الراحلة وأسلمُ يقودها مرة، ومرة أخرى فإنَّ أسلمَ هو الذي يركب على الراحلة وعمر يقودها، وحينما وصل الركب على جبل مُطِلّ على مدينة القدس، فإن عمر قد كَبَّر، وركع، وسجد شكرًا لله -تعالى-، كبَّر فسُمي الجبل بجبل المكبِّر، ولا تزال هذه التسمية قائمة، وستبقى قائمة إلى يوم الدين، جبل المكبِّر الذي يقع الجهة الجنوبية من مدينة القدس، وكان عمر بن الخطاب قد تمنَّى، وكان يرغب أن يكون فاتحًا لمدينة القدس؛ لأنه قد سَمِعَ سابقًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا يقول: "إنَّ بيتَ المقدس سيُفتح على يد رجل صالح"، فكان عمر من ضمن السامعين في الجلسة، وتمنَّى على الله أن يكون هو الْمَعْنِيَّ؛ وكان ذلك، فحينما وصَل مدينة القدس كان دور عمر أن يقود الراحلة، لم يطلُب عمرُ من مَرافِقه أن ينزل عن الراحلة، ليركب هو، لا، كان دوره أن يقود الراحلة، فدخلها مشيًا على الأقدام، وهو يقود الراحلة، وكان مُرافِقه أسلمُ هو الذي يركب على الراحلة، لم يدخل عمر بن الخطاب بدبَّابة، ولم يدخلها بطيارة، دخلها آمِنًا مطمئِنًّا، أعطى الأمانَ لأهلها؛ لذا أسلَم معظمُ أهل فلسطين، وبحمد الله، بعدالة الإسلام، الذي تربَّى عمر بهذا الدين العظيم.
وتعرفون -أيها الإخوة الكرام- سماحة الإسلام، مِنْ تصرُّف عمر، حين زار كنيسة القيامة، وطلب البطرك "صفرانيوس" من "عُمَرَ" أن يصلي الظُّهْرَ حينما حان وقتُ الظُّهرِ، فرفَض عمرُ وصلَّى خارجَ الكنيسة؛ خوفًا من أن يأتي المسلمون بعدَه ويُطالِبون بها؛ فحفاظًا على كنيسة القيامة فإن عمر صلى خلفَها، وأُقيم مسجد معروف في القدس الآن بمسجد سيدنا عمر؛ تثبيتًا لسماحة الإسلام، ولعدل الإسلام، هذا هو الدين العظيم، الذي يحاول الغرب أن يتهمه؛ بل هو دين فيه العدالة وفيه القِيَم وفيه السماحة، إنه دين منزَّل من الله -سبحانه وتعالى-، فيه الديمومة وفيه الشمولية، ونسأل الله -عز وجل- أن يُعِزَّ الإسلامَ، وأن يقوِّي المسلمين بالإسلام؛ لأن وحدة المسلمين لا تكون إلا بالإسلام، فالقوة كامنة بهذا الدين العظيم، إِنْ تمسَّكْنا به قَوِينا، وتوحَّدْنا، وحسب العالَم لنا حسابًا كبيرًا، فعلينا نحن أن ندعو وأن نتوجَّه إلى وحدة الصف، وحدة القلوب، وحدة العمل، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)[الصَّفِّ: 4]، "المسلم للمسلم كالبنيان، يشد بعضه بعضًا"، فلا بد أن نكون وحدة واحدة، كما أمَرَنا اللهُ -عز وجل-: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[التَّوْبَةِ: 105]، وقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ؛ عينٌ بكَت من خشية الله، وعينٌ باتَتْ تحرس في سبيل الله"، صدَق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
ادعُوا اللهَ وأنتُم مُوقِنونَ بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد، النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المصلون: نحن نُدرِك تمامًا أنَّ كل مسلم في العالَم يُحِبُّ القدسَ ويُحِبُّ المسجدَ الأقصى المبارَكَ.
أيها المصلون: النداء الذي انطلق من القدس للحفاظ على القدس، والاهتمام بالأقصى؛ لأن هذه المدينة تتعرَّض للتهويد، وتهمَّشت ونُسيت نتيجةَ الأحداث الجارية في بعض الدول العربية، فانشغل الناس عن القدس؛ لنُذَكِّر الدولَ العربيةَ والعالمَ الإسلاميَ بالقدس؛ لتكون موضعَ اهتمامهم الأولَ؛ لأن الاهتمام بالقدس هو خط إستراتيجي دائم، لن يزول، ثم إن الأقصى المبارك أُولى القِبلتين، وثاني المسجدينِ، وثالث الحرمينِ الشريفينِ، يتعرض إلى اقتحامات وإلى اعتداءات عنصرية تمسُّ حرمةَ الأقصى، وكما تعلمون أن الأقصى هو رديف للمسجد الحرام، وللمسجد النبوي الشريف؛ فرسولنا الأكرم، -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: "لا تُشَدُّ الرحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، ومسجدِي هذا، والمسجدِ الأقصى"، وفي رواية: "المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ الأقصى، ومسجدِي هذا".
هذا هو مسجدكم أيها المسلمون؛ المسجد الأقصى الذي يناديكم لحمايته، وللدفاع عنه، نسأل الله -سبحانه وتعالى- الأمن والأمان، لهذه الديار، والأمن والأمان لفلسطين وللقدس والأقصى.
أيها المصلون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ؛ فأمِّنوا مِنْ بعدي.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلكَ كلمتَي الحق والدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم هيِّئ مَنْ يوحِّد المسلمينَ، ويحذو حذوَ صلاح الدين، اللهم اجعل الأمةَ الإسلاميةَ في كفالتِكَ، واهْدِهَا للعمل بكتابِكَ، اللهم إنَّا نسألُكَ توبةً نصوحًا، توبةً قبل الممات، وراحةً عند الممات، ورحمةً ومغفرةً بعد الممات.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].