البحث

عبارات مقترحة:

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

عدم الجلوس مع الأبناء

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ظاهرة انشغال الآباء عن أبنائهم .
  2. الاعتناء بالأقربين منهج قرآني .
  3. واقع كثير من الآباء اليوم .
  4. الآثار السلبية لعدم الاهتمام بالأبناء .
  5. خيركم خيركم لأهله .

اقتباس

كم من آباء تركوا أبناءهم فريسة للفراغ، أو ضحية لقرناء السوء وأشرار الخلق، عندما انشغلوا عنهم وتركوهم ولم يجالسوهم ولم يهتموا بهم، وكأنهم ليسوا بأبنائهم، وفضلوا الاهتمام بالعقارات والأموال والعمارات عليهم. بعض الآباء جعل بيته مثل الفندق لا يأتي إليه إلا وهو مثخن متعب، لأن أوقاته كلها مع أعماله وانشغالاته، فإذا جاء البيت مباشرة أكل لقمته ورمى بنفسه ونام...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقائدنا وقدوتنا محمداً بن عبد الله، عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الصفوة الأخيار، وعلى جميع من التزم شرعه من الصفوة الأبرار، وممن أمرنا بالاقتداء بهم من الصالحين والمتقين الأخيار.

عباد الله: نريد اليوم أن نتكلم عن ظاهرة منتشرة، وإن شئت فقل عن مشكلة موجودة في واقعنا بكثرة، وخلل تربوي كبير تعج به مجتمعاتنا بشكل ملفت وكبير، إنها مشكلة عدم الجلوس مع الأبناء والانشغال عنهم.

إن هذه مشكلة كبيرة لا ينبغي أبداً أن نستهين بها، أو أن يقول البعض: أما وجد موضوعاً يعرضه ويتكلم فيه غير هذا، فإن من ينظر في الواقع نظرة فاحصة يجد أن كثيراً من الآباء قد شغلته أعماله وانشغالاته عن الجلوس مع أولاده، وتلمس همومهم، وتفقد أحوالهم.

ليسأل كل أب نفسه هذا السؤال كم مرة يجلس مع أبنائه ويستمع منهم ويتجاذب أطراف الحديث معهم؟ وهل يفرغ من وقته وقتاً لذلك؟ أم أنه يشعر بالتقصير تجاههم ويرى أنه مقصر معهم؟.

أيها المسلمون: لو تأملتم في كتاب الله وتدبرتم في آياته ومعانيه لوجدتم أن الله -سبحانه وتعالى- دائماً ما يهتم بالأقربين، ويعتني بهم، ويقدمهم على غيرهم، ويفضلهم عمن سواهم.

يقول الله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) [البقرة : 83].

فذكر الله في هذه الآية ذوي القربى وخصهم بالإحسان، وعطف إحسانهم على الإحسان إلى الوالدين واليتامى والمساكين، هذا في جانب الإحسان المعنوي، وأما في جانب الإحسان المادي إليهم فقد قال: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) [البقرة : 177].

وذكر في آية أخرى الجار القريب وخصه بالذكر على الجار الذي ليس بقريب، فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء : 36]. ويقول -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل : 90]. وقال: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الروم : 38].

وحينما قطع أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- النفقة على قريب له؛ لأنه تكلم في عرض ابنته عائشة خاطبه الله بقوله: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور : 22].

فهذه الآيات كلها تأمرنا بالاهتمام بذوي القربى والإحسان إليهم، والاهتمام بهم، فكيف بأقرب الأقرباء وأقرب الناس إلينا، الذين هم أولادنا وفلذات أكبادنا.

فهؤلاء يجب أن نحسن إليهم زيادة، ونهتم بهم أكثر، ونرعى حقوقهم أكثر وأكثر، لأن الله أكد عليهم وخصهم بالذكر، وأوصانا وصية خاصة بهم، فقال: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) [النساء : 11].

أيها الناس: لقد ترتب على عدم الجلوس مع الأبناء خلل تربوي هائل، وانحراف كبير عند بعض الأبناء، لأنه يرى أن أصدقاءه يستمعون لهمومه، ويحلون مشكلاته، ويقفون إلى جانبه أكثر من أهله وأقربائه. وبالمقابل يشعر في نفسه أن أهله غير مبالين به، ولا مهتمين بنفسيته، ولا يشعرون بما يشعر به من هموم ومعاناة، ولذلك يتصرف بعض التصرفات غير اللائقة ويعتبرها ردود أفعال عليهم، أو تشفياً وانتقاماً منهم.

كم من آباء تركوا أبناءهم فريسة للفراغ، أو ضحية لقرناء السوء وأشرار الخلق، عندما انشغلوا عنهم وتركوهم ولم يجالسوهم ولم يهتموا بهم، وكأنهم ليسوا بأبنائهم، وفضلوا الاهتمام بالعقارات والأموال والعمارات عليهم.

بعض الآباء جعل بيته مثل الفندق لا يأتي إليه إلا وهو مثخن متعب، لأن أوقاته كلها مع أعماله وانشغالاته، فإذا جاء البيت مباشرة أكل لقمته ورمى بنفسه ونام، دون مبالاة بمشاعر زوجته وأحاسيس أولاده، بل دون السؤال عنهم، فضلاً عن الحديث أو الجلوس معهم. وإن سأل عنهم أو تحدث إليهم تحدث إليهم بعنف وغلظة، وغالباً ما يكون الحديث في مجال العمل، فيسألهم لماذا لم تعملوا كذا؟ ولماذا لم تحاسبوا فلاناً؟ ولماذا لم تكملوا العمل الفلاني؟ وهكذا ...

لا يشعرون منه بغير المحاسبة، والأسئلة الاستفهامية، والكلمات العتابية، أما كلمات الحب، وألفاظ المحبة، وعبارات الوفاء، فإنهم يعلمون أنها لغيرهم وليست لهم، ولا دخل لهم بشيء منها.

أيها الآباء: اتقوا الله في أولادكم وجالسوهم، وكونوا إلى جانبهم، وخذوا بخواطرهم، وارفقوا بهم، وأحسنوا إليهم، وكونوا معهم، وإياكم إياكم أن تنشغلوا عنهم أو تتركوهم لوحدهم، فتكونوا أنتم السبب في تيههم وضياعهم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن 14: 15].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على رسول الله، الذي أمرنا ربنا بالاقتداء به، والتأسي بهديه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

أيها المسلمون: لقد رأينا أن يخصص هذا الموضوع بالحديث ويتم التركيز عليه لأننا نرى الواقع المر الذي يعيشه كثير من الأبناء، فهذا متذمر من معاملة أهله وغلظتهم، وذاك لا يجرؤ على بث همومه والآمه لوالده بينما يبثها بكل سهولة لغيره، والثالث يحس بعدم قيمته في بيته بينما يرى أن غير أهله يقيمون له وزناً، ويراعون لكلامه اهتماماً، والرابع يفضل الحديث عبر الانترنت ويعيش مع عالم الوهم وأصدقاء الفيس بوك أو التويتر أو الواتساب؛ لأنه يراهم محيطين به، ومتعلقين فيه أكثر من أهله وأقربائه.

لقد تعلق بعض الأبناء تعلقاً فاحشاً ببعض الأشخاص، وأصبحوا مرتبطين بهم، ونفوسهم تشتاق لهم، وهؤلاء الأشخاص يستغلونهم، ويضحكون عليهم، ويعبثون بهم، وحينما تفتش عن السبب تجد أن هذا التعلق بالغير لم يأتِ من فراغ، وإنما سببه في الغالب هو غياب الحنان والعطف عند هذا الشخص من قبل أهله ومن حوله، فيضطر إلى عقد العلاقات وتمديد الصلات مع غيرهم من الأباعد، ولو كانوا من السيئين.

ربما يتعذر بعض الآباء بأن سبب انشغاله عن الجلوس مع أولاده وأهله هو ارتباطاته الدعوية، واهتمامه بالأمور الخيرية، ومتابعة أحوال المسلمين وتفقد همومهم, وهذا في الحقيقة ليس بعذر, لأن هذا الشخص الحريص على إيصال الخير والفضل إلى الناس يجب عليه أن يجعل أولى الناس الذين يحب الخير لهم وإيصال الفضل إليهم هم أهله وأولاده، حتى لا يكون شمعة تضيء للآخرين وتحرق نفسها وتدمر ذاتها.

ليس معنى هذا منعه من أمور الخير، أو الحيلولة بينه وبين الاهتمام بالآخرين، كلا، وإنما يجب عليه أن يجعل لأهله وأولاده وقتاً مخصصاً يجالسهم فيه، ويخرج معهم، ويستمع إليهم، ولا يجعل كل وقته للآخرين، ولا يجعل لأهله من وقته شيء.

إن الله -سبحانه وتعالى- لفت نظر رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الأمر وأرشده إليه فقال مخاطباً له: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214] فأمره أن يبدأ بدعوتهم قبل غيرهم، وأن يهتم بهم قبل الاهتمام بالآخرين وأكثر، وهذا ما طبقه الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَدَعَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا"[ مسلم (522)] أي سأقوم بها خير قيام.

لقد خاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرباءه في هذا الحديث خطاباً مخصصاً، فذكرهم في البداية بشكل عام، وخاطب قريشاً بأسرها، ثم قام بالتعيين والتخصيص فخاطب كل فخذ أو قبيلة من القبائل القرشية لحالها، ثم خاطبهم بالتعيين المباشر والخطاب الفردي: يافلان ويافلان، وهذا كله من حرصه -صلى الله عليه وسلم- على الاهتمام بأهله والعناية بأقربائه.

ومن هنا يجب علينا -نحن كآباء- أن نهتم بأولادنا، ونتقرب منهم، ونجالسهم، حتى لا يكونوا بعيدين منا، أو يكون حالهم كحال المشردين الذين لا أهل لهم يصلونهم، ولا أقارب لهم يواسونهم.

ليس اليتيم من انتهى أبواه

من هم الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي تلقى له

أماً تخلت أو أباً مشغولا

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" [ ابن ماجة (1977)].

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ, وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهم اجعلنا من البارين بأولادنا، المهتمين بهم، المراعين لحقوقهم، واجعل زوجاتنا وأمهاتنا قرة أعين لهم، وأصلح ذات بينهم، وجنبنا وإياهم الفتن والأغلال، يا أرحم الراحمين.

------

المرجع: 13 خللا في التربية لفضيلة الشيخ محمد المحيسني