الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
إن قلوبهم لو أشربت حقاً بغض هذا المنكر الذي ينهون عنه؛ لأبغضته في قرارة نفسها ولحاربته علناً بفعالها, ولو أشربت حقاً حب هذا الخير الذي يأمرون به؛ لأقامت منه واقعاً في حياتها ولدعت إليه بفعالها ولكنها مرضى، مرضى إن لم تكن جوفاء خالية من أي خير، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
إن جرم هذا الفعل لعظيم، وإن خطره سيما على القيادة والعلماء ونحوهم لجسيم, يكشف أهله في الدنيا وقد يعرضهم لفتنة عمياء ولفح نار تلظى، فقد روي أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه....
الخطبة الأولى
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب, أحمده تعالى وأعوذ به من علم لا ينفع, وقلب لا يخشع ودعاء لا يُستجاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون إن دين الإسلام الحنيف الذي أنزله الله رحمة للعالمين ومنهاجاً للمؤمنين, عني كثيراً بتربية الشخصية المسلمة وإعدادها إعداداً يليق بمن هو أمين على تطبيق منهج الله في الأرض, وحقيق بجنة الفردوس الأعلى بجوار الله يوم القيامة, إعداداً يلتقي عليه المظهر والمخبر معاً, يتسم بالاستقامة والرزانة والوضوح في الضراء والسراء والمنشط والمكره, إعداداً يصون المسلم أن يهزأ أو يغمز بيد أو بلسان أو حتى بعين, فقد نهى أشد النهي عما يعرض لسوء أو يحط من قدر، يقول سبحانه: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) [الأنعام: 151] ويقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس" ويقول: "فمن اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" ويقول أحد العلماء في نفسه:
أنزهها عن بعض ما لا يشينها | مخافة أقوال العداء فيم أولِما |
وهناك خصلة شنعاء وخلة نكراء، تحط من القدر مهما تستر صاحبها عليها:
فمهما تكن عند امرئ من خليقة | وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ |
ألا وهي مخالفة الفعل للقول المتضمنة خُلق المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ويبطنون خلاف ما يظهرون، يقول تعالى عاتباً على علماء بني إسرائيل ومن شابههم في هذه الصفة من علماء هذه الأمة وقادتها: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] ويقول في منافقي هذه الأمة: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) [النساء:81]. ويقول: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:204-206].
وقد حدث في تاريخ الإسلام إبان نزول القرآن، أن تمنى رجال من المؤمنين فريضة الجهاد قبل أن تفرض, فلما نزل القرآن يأمر به تقاعس بعض المتمنين, فأنزل الله توبيخاً لمن تقاعس وهدياً وتشريعاً للمسلمين إلى يوم القيامة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3].
وإذا كان هذا العتاب وهذا الاستنكار لمن تمنى طاعة الله، فلما أمر بها نكل, فما بالكم بمن يقول هذا منكر في دين الله فاجتنبوه وهذا معروف فافعلوه، وأعماله ومشاعر مستمعيه تجاريه على ذلك بما صدقت ولا بررت.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله | عار عليك إذا فعلت عظيم |
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها | فإن انتهت عنه فأنت حكيم |
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى | بالقول منك وينفع التعليم |
إن هذا النوع من الناس مستخف عملياً ومستهتر بحرمات الله, (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) [النساء: 108] ، إن قلوبهم لو أشربت حقاً بغض هذا المنكر الذي ينهون عنه؛ لأبغضته في قرارة نفسها ولحاربته علناً بفعالها, ولو أشربت حقاً حب هذا الخير الذي يأمرون به؛ لأقامت منه واقعاً في حياتها ولدعت إليه بفعالها ولكنها مرضى، مرضى إن لم تكن جوفاء خالية من أي خير، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
فيا أيها المسلمون: إن جرم هذا الفعل لعظيم، وإن خطره سيما على القيادة والعلماء ونحوهم لجسيم, يكشف أهله في الدنيا وقد يعرضهم لفتنة عمياء ولفح نار تلظى، فقد روي أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه، وروى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أسامة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يؤتى بالرجل يوم القيامة, فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه –أمعاؤه-, فيدور بها كما يدور الحمار برحاه, فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما شأنك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى, كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه". وفي رواية قال: وإني سمعته يقول -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-: "مررت ليلة أسري بي على رجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار, فقلت: يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون".
فاتّقوا الله -عباد الله- وابتغوا رضى الله والقربى إليه بالأعمال الصالحة ظاهراً وباطناً, وتجنبوا ما يعرض لسخطه وأليم عقابه، وانهجوا في أمركم ونهيكم ودعوتكم وجميع شأنكم نهج الإسلام الذي يريده الله, نهج رسل الله وأتباعهم بإحسان الذين يعلنونه لأقوامهم بمثل (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
وأستغفر الله لي ولكم.