البحث

عبارات مقترحة:

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

عوائق في طريق المربي

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. التربية في الزمن الصعب .
  2. عوائق في طريق التربية وحلولها .
  3. البيئة وأثرها في التربية .
  4. مشكلات وحلول   .
  5. الاستعانة بالله في التربية .

اقتباس

من أعظم العوائق التي تعترض كثيراً من الآباء والمربين عائق البيئة أو المجتمع الذي يتربى فيه المتربي، والأعراف والتقاليد التي نشأ فيها وترعرع عليها، والتي تحتوي في الغالب على الكثير من المؤثرات الفاسدة، والمعوقات الفاعلة التي تعرقل نموه التربوي أو تؤخره...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائلُ: (وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)[آل عمران: 79]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ" [الترمذي (2685)].

أما بعد:

عباد الله: نعيش اليوم في زمن صعبت فيه التربية، وكثرت حولها العوائق، وأحاطت بها المعوقات، فنريد اليوم أن نتحدث عن بعض العوائق التي تعيق المربي في طريق التربية، لأن كثيراً منا إما آباء يربون أبناءهم، أو مدرسين يدرسون طلابهم، أو موجهين ومشرفين يشرفون على محاضن التربية وحلق العلم، فلهذا أحببت أن أتكلم في هذه الخطبة عن بعض العوائق في طريق المربي.

من أعظم العوائق التي تعترض كثيراً من الآباء والمربين عائق البيئة أو المجتمع الذي يتربى فيه المتربي، والأعراف والتقاليد التي نشأ فيها وترعرع عليها، والتي تحتوي في الغالب على الكثير من المؤثرات الفاسدة، والمعوقات الفاعلة التي تعرقل نموه التربوي أو تؤخره أو تشوهه.

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا العائق وتكلم عنه فقال: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ..." [ البخاري (1358) مسلم (2658) ]. فأخبر -صلى الله عليه وسلم- عن أثر البيئة أو المجتمع وتأثيرها على الفرد، فمع أنه يولد على الفطرة التي فطره الله عليها، إلا أن أبواه أو بيئته تؤثر عليه فتكون سبباً في انحرافه عن هذه الفطرة فيتمجس أو يتهود أو يتنصر طبقاً للديانة التي هم عليها.

إن الحل لهذه المشكلة هو الانتقال من تلك البيئة، فقد بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أمة أمية تنتشر بينهم جاهلية جهلاء، ويعيشون في بيئة فاسدة، وتحكمهم عادات مقيتة، ومع ذلك كله استطاع -صلى الله عليه وسلم- التغيير الكامل فيهم، والتأثير القوي عليهم، وذلك بالتربية الجادة، والمتابعة المستمرة، والإخلاص والتقويم.

وليس هذا فحسب وإنما قام -صلى الله عليه وسلم- بنقلهم من تلك البيئة الفاسدة إلى بيئة صالحة، وهاجر بهم من المجتمع الفاسد إلى المجتمع الفاضل، حيث فرضت عليهم الهجرة وأمروا بها. يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال : 72].

فمدح الله في هذه الآية الكريمة من هاجر، وذم من لم يهاجر وبقي في مكة ذليلاً مستضعفاً تحت رحمة الكفار وكنفهم، ونهى المسلمين عن موالاتهم ونصرتهم، لأن الواجب عليهم أن يهاجروا كإخوانهم، وينتقلوا من تلك البيئة التي لا يستطيعون فيها على إقامة الدين وتطبيق الشرع القويم، إلى بيئة أخرى يقدرون فيها على إقامة الدين وتحقيق شعائره.

كما أنكم تعلمون جميعاً قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم أكمل المائة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ فِيمنْ كَانَ قَبْلكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعةً وتِسْعين نفْساً، فسأَل عَنْ أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ فدُلَّ عَلَى راهِبٍ، فَأَتَاهُ فقال: إِنَّهُ قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْساً، فَهلْ لَهُ مِنْ توْبَةٍ؟ فقالَ: لا فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مِائةً ثمَّ سألَ عَنْ أَعْلَمِ أهلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ فقال: إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وكَذَا، فإِنَّ بِهَا أُنَاساً يعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ، ولاَ تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ" فالشاهد أنه أمره أن ينتقل ممن تلك البيئة الفاسدة والأرض السيئة إلى أرض أخرى طيبة وقال له " ولاَ تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ" [ البخاري (3470) مسلم ( 46 )].

إن الواجب على الأب إذا علم أن ابنه قد تعلم الأخلاق السيئة من المنطقة التي يعيش فيها؛ عليه أن ينتقل من تلك المنطقة إلى منطقة أخرى يرى أنها أصلح وأفضل، خاصة إذا كان مستأجراً فيها والبيت ليس بيته، بل حتى لو كان بيته فإن الأولى له الانتقال ولو أن يؤجر بيته ليستأجر بيتاً آخر في تلك المنطقة الأخرى التي هي أصلح.

وأحياناً قد يأخذ الابن أو الطالب بعض السلوكيات الخاطئة من المدرسة التي يدرس فيها, فإذا لم يتمكن الأب من التغيير فعليه فوراً أن ينتقل بابنه إلى مدرسة أخرى أو محضن آخر.

وعندما يرى أن أصدقاءه قد أثروا عليه تأثيراً سلبياً؛ فعليه أن يمنعه منهم ويوفر له البديل من الأصدقاء الطيبين الذين يأمرونه بالخير ويحثونه على الصلاح، يقول الله: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : 67].

إن الإسلام حينما أمر الزوج عند الزواج باختيار المرأة الصالحة إنما هو لأهداف كبيرة منها: الهدف المستقبلي في تربية أبنائه، لكي تربيهم على البر والتقوى والهدى والصلاح، لأنهم دائماً سيكونون تبعاً لها ومحيطين بها خاصة في المراحل الأولى من أعمارهم، فلهذا أمر باختيار الزوجة الصالحة لتكون فيما بعد الأم الصالحة والقدوة الطيبة.

ومن العوائق التي تعترض المربي في طريق التربية الظروف الاقتصادية والمعيشية والأحوال الأسرية التي نشأ عليها المتربي، والعادات والسوالف التي ترعرع عليها ونما عليها.

إن الحل لهذه المشكلة كبير وعظيم، ويتطلب من المربي جهوداً مضنية، وإخلاصاً بالغاً، وحرصاً شديداً، ومتابعة مستمرة للمتربي، حتى يعرف حالته، ويعايش همومه، ويطلع على أحواله عن كثب وقرب لكي يعالجها.

إن من الخطأ الكبير في التربية أن يكون المربي بعيداً عن المتربي لا يسأل عنه ولا يتابعه، ولا يدري بهمومه ولا يسأل عن أحواله، ولا يطلع على مشاكله واحتياجاته، وفي النهاية لا يستطيع التأثير عليه ولا تربيته التربية الصحيحة بسبب بعده عنه.

كم من طالب يعايش مشكلة اقتصادية أو اجتماعية في بيته تقلق باله وتشغل تفكيره، ويود من معلمه أو من المشرفين عليه أن يأخذوا على يديه، ويضعوا له حلولاً لهذه المشكلة حتى يتخلص منها. فإن لم يجد من يقوم معه تذمر وأصيب بالإحباط واليأس، وأحس أنه يعيش في طريق التربية بمفرده وليس معه من يتفقده ويعاونه ويقوم معه في ملماته وأزماته.

فلابد على كل أب وكل مربي أن يحرص على القرب من أولاده وطلابه، والسماع منهم، واللقاء بهم، والجلوس معهم، ومعرفة ما يدور في أذهانهم، حتى يعالج همومهم، ويوجد الحلول لمشكلاتهم.

يقول الله -سبحانه وتعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران : 159].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، لا إله بحقٍّ غيرُه يُعبَد، أحمدُه -سبحانه- وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحِدُ الأحد، الفردُ الصمدُ، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه أهل الفضل والشرَف والسُّؤدَد، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

أيها المسلمون:

ومن العوائق التي تعترض طريق المربي وتأثيره على المتربي قرناء السوء، الذين يحاولون هدم ما بناه المربي، وإفساد كل خير اكتسبه منه، إما بطريق السخرية والاستهزاء، أو عبر التهديد والتخويف بأن هذا الشخص لن تلقى منه إلا التعقيد والضرر.

ومن هنا فإن الأب أو المربي يجب عليه أن يكون فطناً لا يستغفل، حتى لا يقوم هؤلاء الخبثاء بهدم ما بناه في هذا الولد أو الطالب بأساليبهم المكاره وشرهم المستطير.

كم من الآباء والمربين من يشتكي من عدم قدرته على ضبط ابنه، ومتذمر من انفلاته من يده، وعدم انصياعه لأوامره، بعد أن كان من خيار الأولاد وأفضلهم، والسبب في انحرافه وخروجه عن الطاعة هم هؤلاء القرناء السيئون.

يقول الله -تبارك وتعالى-: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) [الصافات 50: 57].

انظروا إلى خبث هذا القرين، ومحاولاته المستميتة في انحراف قرينه، وجعله واحداً من المكذبين بيوم الدين وكفره بالبعث والنشور، وما يزال به حتى يوقعه في الكفر والتكذيب، ولكنه كان فطناً يقظاً لم يستمع له، ولم يصدق بكلامه، فلما رآه يوم القيامة في الجحيم قال له: (تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي تغويني.

فلابد للأب والمربي من الانتباه لخطر هؤلاء القرناء منذ البداية، فإذا أحس في ابنه أو تلميذه تغيراً ورأى أن مصدره هم قرناء السوء فليبادر إلى حل المشكلة، ووضع الحلول الصحيحة لإبعاده عن هذه العلاقات السيئة والصحبة الفاسدة.

علينا جميعاً في البداية والنهاية أن نستعين بالله وحده على تربية أبنائنا وطلابنا والعناية بهم، وإدراك المخاطر التي تحيط بهم، والعوائق التي تمنع من تربيتهم التربية المثلى وتكسبهم الصفات الطيبة الحميدة. يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" [البخاري (893) مسلم  (1829) ].

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على خير مربي وأعظم قائد، من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهم أعنا على تربي أولادنا وطلابنا وجنبنا وإياهم كل شر وضير ووفقنا فيهم لما تحب من الهدى والخير.