البحث

عبارات مقترحة:

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

ما ينبغي من العمل في العشر الأواخر من رمضان

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. السعيد في شهر الصيام .
  2. الإحسان في ختام رمضان .
  3. تحري ليلة القدر في جميع أيام العشر .
  4. مشروعية الاعتكاف .

اقتباس

إن آخر شهركم أفضل من أوله، وإنما يستحق الأجير أجره عند ختام عمله؛ فاستدركوا ما قد فاتكم أوله قبل نهايته، وأحسنوا الختام فما أجمل عاقبته؛ فالمحسن ينتظر الإحسان، والمسيء متعرض للخيبة والخسران، فأحسنوا في هذا العشر الأخير، واغتنموا ما فيه من الخير الوفير ..

 

 

 

 

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله دهركم، وأخلصوا له سركم وجهركم، واشكروه سبحانه على ما خص به شهر رمضان من الفضائل، وأبقى لكم ذكر فضل الصالحين الأوائل: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

فمن رام أن يجمعه الله بالسابقين الأولين فليتبعهم على ما كانوا عليه من الخُلُق والدين، والمسارعة إلى ما فيه رضوان رب العالمين (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) [الأنعام:90]. (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57-61].

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35].

أيها المسلمون: إن شهر رمضان موسم عظيم قد يسر الله فيه الكثير من أسباب التكريم، والفوز بالأجر الكريم، فهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن والجود والإحسان، وشهر ذكر وشكر وتنافس في سائر خصال البر؛ فالسعيد من اغتنم لياليه وأيامه، وراعى حدوده وأحكامه، فصان الصيام مما يجلب الآثام، وعمر ليله بحسن القيام، واشتغل بتلاوة القرآن، وجاد بأنواع الإحسان، وأكثر فيه من الاستغفار، وراقب الواحد القهار (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:29-30].

عباد الله: إن آخر شهركم أفضل من أوله، وإنما يستحق الأجير أجره عند ختام عمله؛ فاستدركوا ما قد فاتكم أوله قبل نهايته، وأحسنوا الختام فما أجمل عاقبته؛ فالمحسن ينتظر الإحسان، والمسيء متعرض للخيبة والخسران، فأحسنوا في هذا العشر الأخير، واغتنموا ما فيه من الخير الوفير، فإن هذا الثلث الباقي من شهركم خير من سابق ثلثيه، فأروا الله من أنفسكم الجد في تحري الخير فيه، فإنكم في ليالي ترجى فيها ليلة القدر، فإنها إحدى ليالي هذا العشر؛ فالتمسوها في الشفع والوتر حتى آخر الشهر، فإن الصحيح أنها تتنقل بين ليالي الشهر على اختلاف السنين؛ فقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين، وتكون في أخرى ليلة أربع وعشرين، وفي ثالثة ليلة سبع وعشرين، وقد تكون الخامسة من ليالي العشر، وقد تكون آخر ليلة من الشهر.

وهذا هو الجمع بين ما ورد من النصوص في تعيينها في ليلة بعينها، فإن المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحرِّيها في تلك الليلة من هذا العام لا أنها هي هي على الدوام، وبذلك يتجلى الأمر وهذا هو ما عليه المحققون من أهل الذكر.

وعلى أي حال فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في جميع ليالي العشر؛ تحرياً لليلة القدر، وهذا منه صلى الله عليه وسلم تشريع للأمة، وأخذ بأسباب الرحمة لما علمه الله تعالى وأظهر له من شرفها وبركتها وعظم موقع العمل عند الله تعالى فيها، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد من الاجتهاد ويوليها ما تستحق من العناية لما فيها من الخيرات الكثيرة، والأجور الوفيرة، والفضائل المشهورة.

فقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها ". وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره -يعني شمر للعبادة- واعتزل نساءه -أي لاعتكافه- وأحيا ليله -أي غالبه- وأيقظ أهله"، وقالت: " ما علمته صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح ".

ففي هذه الأحاديث وأمثالها مما جاء في معناها دلالة ظاهرة على فضيلة هذه العشر، حيث كان صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد اجتهاد من القيام وغيره. ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يخصها بالاعتكاف؛ فإنه صلى الله عليه وسلم داوم على اعتكافها حتى توفاه الله.

فالاعتكاف في تلك الليالي سنة مأثورة، وشعيرة مبرورة، دوام عليها النبي صلى الله عليه وسلم حتى وافته المنية، وعمل بها أزواجه وأصحابه في حياته وبعد مماته، فإن في الاعتكاف في تلك الليالي قطعاً للأشغال، وتفريغاً للبال، واشتغالاً بصالح الأعمال من صلاة وصدقة وقراءة للقرآن وجود بالإحسان ودعاء وذكر؛ فإن من شريف الخصال أن يتفرغ المؤمن في تلك الليالي لما شرع لها من صالح الأعمال.

أيها المسلمون: وهي هدى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك العشر التنبيه على فضيلة المداومة على العمل الصالح، فأحب العمل إلى الله عز وجل أدومه وإنه قل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته؛ يعني داوم عليه. ولما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم قالت: " كان عمله ديمة " ولهذا داوم النبي صلى الله عليه وسلم على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، وقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].

وفي هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان دلالة على أنه ينبغي للمؤمن إذا فتح الله له باب عمل صالح أن يحرص عليه، ويغتبط به، قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، وأن يلازمه طلباً للمزيد من النعمة والهدى، فإن ذلك من شكر النعمة ومن الاهتداء، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7]. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد:17].

وكان صلى الله عليه وسلم يعتني بتربية أهله على ما هداه الله له وفتح له من أبواب الخير، فكان يوقظ أهله للقيام والذكر والدعاء، والتنافس في كل ما ينال به عظيم الأجر وحط كبير الوزر، من خصال الخير والبر في تلكم العشر، فإنها من فرص العمر، وغنائم الدهر.

فكونوا -يا عباد الله- بنبيكم صلى الله عليه وسلم مقتدين، وعلى منهاجه سائرين، ولربكم مخلصين، ولعباده محسنين، واسألوا حسن الختام والفوز بالفردوس دار السلام (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:66-69].

نفعني الله وإياكم بهدى كتابه، وجعلنا من خاصة أوليائه وأكرم أحبابه، وعصمنا من أسباب غضبه وعقابه، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.