البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

جاءكم مال فاحذروه

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. المال زينة الحياة الدنيا .
  2. فضل اكتساب المال وإنفاقه من الحلال .
  3. سوء مآل المكاسب المحرمة .
  4. حرمة المساهمة في السندات والأنشطة الربوية .
  5. المال الحقيقي النافع للمسلم .
  6. وجوب الحذر من الشبهات .

اقتباس

أكلُ الحرامِ يُعمي البصيرةَ، ويُوهنُ الدِّينَ، ويُقَسِّي القَلبَ، ويُقعدُ عن الطَّاعاتِ، ويوقعُ في حبائِلِ الدُّنيا وغَوَائِلِها.. وإنَّ من إهلاكِ الدُّنيا لِعُبَّادها أنَّها تُجَرِّئُهم على المُتَشَابِه، وكَأَنَّه أطيَبُ الحَلالِ! ألا وإنَّ مِن إهلاكِ الدُّنيا لِعُبَّادِها كذلِكَ اتِّبَاعُ الهَوى وما تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ مِن فَتَاوَى، فَبعضُ المُسَاهِمينَ لَهُ في كُلِّ شَرِكَةٍ أو بَنكٍ شَيخٌ وفتوى، فَمن وَافَقَ هَواهُ فَهو العالِمُ الجَهبذُ! ومَنْ خالَفَهُ فذاكَ ذو عِلمٍ قاصرٍ! ألا فاتَّقوا اللهَ يا أهلَ الإسلامِ، واجتنِبُوا الحَرَامَ، واحذَروا الآثَامَ، ومَنْ تَرَكَ شَيئاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خيراً منه.

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله أنعَمَ علينا بالأموالِ، وفَّق من شاءَ لِكَسْبِها بالحلالِ، وحذَّرَنا من الرِّبا والحرامِ,وجَعَلَ عاقِبَتَهُ المَحقَ والنَّكالَ,نشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له ذو العظمةِ والجلالِ، ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المبعوثُ بأكملِ الشَّرائعِ وأعدَلِ الْخِصَالِ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومٍ الْمآل.

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ في أنفسِكم وأهلِيكم، وأعمالِكم وأموالِكم، اتَّقوه فيما تَأكُلُونَ وما تدَّخِرُونَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 168].

عباد اللهِ: المالُ زينةُ الحياةِ الدُّنيا، ومَحبُوبٌ للنُّفوسِ، والإسلامُ لا يمنعُ طَلَبَهُ عن طريقِ طِيبِهِ وحِلِّهِ، بل يَحُضُ على كَسْبِهِ، وحسنِ التَّصرُّفِ فيهِ، لِتُقْضَى به الْحُقوقُ، وتُؤدَّى بهِ الواجباتُ، وتُصانُ بهِ النُّفوسُ والْحُرمَاتُ.فالمالُ حَقِيقَةً لا يطلبُ لذاتِهِ وإنَّما يُطلبُ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ من مَصَالِحَ ومنافِعَ، فهو وسيلةٌ لا غايةٌ، وقد قالَ اللهُ عنه: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) [الليل: 5- 11]. فما أسعدَ مَنْ يعملُ طيِّباً ويكسِبُ طيِّباً! فإنَّ اللهَ طيبٌ لا يقبلُ إلا طيِّباً، قال سُبحانهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172].

وما أتعَسَ وأَشقَى مَنْ كَسَبَهُ مِن الحرامِ! فإنَّ اللهَ –تعالى- يقولُ: (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة: 100]، وقالَ رسولُ اللهِ : "يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتِ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ، يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، النَّاسُ غَادِيَانِ: فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا وَبَائِعُهَا فَمُوبِقُهَا".

 فاتَّقوا اللهَ يا من تَستَدِينُونَ ولا تُؤَدَّونَ! وتَسْرِقُونَ وتَغُشُّونَ! وتَكتُمُونَ العيوبَ ولا تُبَيِّنُونَ! وتَطْفِّفُونَ ولا تُوفُونَ! يا من تِستِعمِلُونَ الأَيمَانَ الفَاجِرَةَ! لتُنَفِّقوا السِّلَعَ وَتُغَرِّروا بالمُشترينَ! اتَّقوا اللهَ يا مَنْ تَتَخَوَّضُونَ بالرِّبا والحِرامِ.فقد قالَ : "يأتي على النَّاسِ زمانٌ لا يُبَالِي المرءُ ما أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلالِ أمْ مِنْ الحَرامِ" (رواهُ البُخاريُّ).

عبادَ اللهِ: تَأمَّلوا تلكَ الوَاقِعَةَ التي حَدَثت من أفضلِ صحبٍ وأكرمِ رِفقَةٍ فَحينَ بَعَثَ رسولُ اللهِ أَبَا عبيدةَ بنَ الجَرَّاح -رضي الله عنه- إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأتِي بِجِزْيَتِهَا، فَقَدِمَ بمَالٍ وَفِيرٍ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بقُدُومِهِ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رسولِ الله فَلَمَّا صَلَّى رسولُ اللهِ ، انْصَرفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله حِيْنَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: "أظُنُّكُمْ سَمعتُمْ أنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ؟" فقالوا: أجل، يَا رسولَ الله، فقالَ : "أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَو الله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ". (رواه البخاري ومسلم).

عباد الله: إنَّ مَنْ يتَأمَّلُ هذا الحديثَ ويَنظُرُ في سُوقِ الأَسهُم وكيفَ يَتَهافَتُ كثيرٌ من إخوانِنَا عليها، ويَتَقَحَّمُونَ الحَرَامَ ويجْترؤنَ على المُتَشَابِهِ ويُقَصِّرُونَ في السؤالِ عن الواجبِ يُدركُ يقيناً أنَّ رَسُولَنا لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى!

ففي قولِهِ : "وتُهلِكَكُم كَمَا أهْلَكَتْهُمْ"، يَتَضَمَّنُ أنواعًا مِن الهَلاكِ رأَينَاها بِأُمِّ أَعيُنِنَا وَسَمعنَاها بِآذَانِنَا، لِعَددِ كبيرٍ من ضحايا الأسهُمِ والاكتِتاباتِ غير الشَّرعِيَّةِ! فكم من أناسٍ هَلَكوا حينَ سَاهَمُوا بِشَرِكَاتٍ مُحَرَّمَةٍ، أو بُنوكٍ رِبَويَّةٍ؟ كفاهُم خِزيا وعارا، وعذاباً ونكالا، أنَّهم أعلنوا حَرْبَهم على اللهِ ورِسُولِهِ! وأنَّهم يَقُومُونَ يومَ القِيامَةِ كالمَصرُوعِ الذي بِه مَسٌّ مِن الجنِّ، ذالِكَ أنَّهم في الدُّنيا كالمَجَانِينِ في جمعِ المَالِ من غيرِ حِلِّهِ، فكانَ لهم جزاءً وِفَاقا!

قالَ تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 275]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة: 278- 279].

قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ أي: استَيقِنُوا بِحربٍ من اللهِ وَرَسُولِهِ، يُقَالُ لآكِلِ الرِّبا يومَ القِيامَةِ: خُذْ سِلاحَكْ لِلحَرْبِ قاتِلْ رَبَّكَ! .

بل إنَّ نَبِيَّنا عَدَّ أكلَ الرِّبا من السَّبعِ المُهلِكاتِ لِصاحِبها في الدُّنيا والآخِرَةِ فقَالَ : "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ ؟ وذَكَرَ.. "وَأَكْلُ الرِّبَا".

أبعدَ هذا يُقدِمُ مُسلِمٌ عاقِلٌ على مُعامَلَةٍ رِبَوِيَّةٍ أو مُساهَمَةٍ بنْكِيَّةٍ رِبَوِيَّةٍ أو يَتَفَوَّهُ بِفتوى شَرْعِيَّةٍ وهو يعلَمُ حقيقةَ القَوَائِمِ الماليَّةِ والسَّنَدَاتِ الرِّبَويَّةِ والدِّيونِ الأجنَبِيَّةِ! وهو يسمَعُ قولَ اللهِ: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 276]، فَليَعلم هؤلاءِ أنَّ اللهَ تَوَعَّدَهم بِذَهابِ بَرَكَةِ أموالِهم ذَاتَاً وَوصفْا، إنْ أَنفَقُوا منهُ لَمْ يُؤجَروا عليهِ وإنْ ادَّخَرُوهُ صارَ حَسْرَةً عليهم بَلْ زَادَا لهم إلى النَّارِ وَبِئسَ القَرارِ!

وتأمَّلوا يا رعاكُمُ الله: كيف ختمَ اللهُ الآيةَ بقولِهِ: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)؟! فالمُرابُونَ، والمُفتُونَ لهم، والمُسَوِّقونَ لهم، لا يُحِبُّهمُ اللهُ ولا يُوَفِّقُهم لأنَّهم جَحَدُوا تَحرِيمَ الرِّبا؛ وَفَجَرُوا بِأَكلِهِ واستِحلالِهِ، وتَسوِيغِهِ للنَّاسِ.

وَمَنْ تَأمَّل حالَ كُتَّابٍ ومُغَرِّدينَ هذهِ الأيامَ يَعلَمُ يقِيناً أنَّهم جاهروا بالباطِلِ وقالوا إثمَاً وزُوراً وتَجَرَّؤوا على اللهِ وعلى عبادِ اللهِ المُؤمنينَ وسعوا إلى تَصنِيفِ أُنَاسٍ والوَقيعَةِ بهم: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).

فاللهمَّ أرنا الحقَّ حَقَّا وارزقنا اتِّباعَهُ وأرنا البَاطِل باطِلا وارزقنا اجتنابهُ. وأغننا بحلالكَ عن حرامِكَ وبفضلِكَ عمَّن سواكَ. وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِر المُسلمين من كلِّ ذنَّبٍ فاستغفروهُ وتُوبوا إليهِ إنَّ ربَّي غفورٌ رحيمٌ.

الخطبةُ الثانية:

الحمدُ لله الذي أغنانا بِحلالهِ عن حرامِهِ، وبِفضلِهِ عمَّن سِواهُ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهَ لا رَبَّ لنا إلاَّ إيَّاهُ، ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه ومُصطَفَاهُ، الَّلهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِهِ ومَنْ اهتدى بِهداهُ.

أمَّا بعد: فأوصيكم عبادَ الله: ونفسي بتقوى اللهِ وكثرةِ حَمْدِهِ على آلائِهِ إليكُم، ونَعْمَائِهِ عليكُم، فكم خَصَّكم بِنِعمَةٍ؟! وأَزَالَ عنكُم مِنْ نِقْمَةٍ؟! وَتَدَارَكَكُم بِرَحْمَةٍ؟! فالحمدُ للهِ أولاً وآخِراً وظاهراً وباطناً.

ثمَّ اعلموا يا مُسلِمُونَ أنَّ قيمةَ المُسلمِ ليست بِكثرةِ أموالِهِ وأرزاقِهِ! "فإِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"، وليسَ للإنسانِ له من مالِه إلا ما أكلَ فَأَفنَى، أو لَبِسَ فَأبلَى، أو تَصَدَّقَ فأمضى وأبقى!

أيُّها الكرامُ: لقد جَعَلَ اللهُ المالَ فتنةً لنا وامتحانًا فقالَ: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن: 15- 16]، والمالُ حَقِيقَةً هو ما نُقَدِّمُهُ لأنفسِنا ذُخْرًا عِندَ ربِّنا -جلَّ وعلا-، وفي الحديث قَالَ رسولُ الله: "أيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أحبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟". قالوا: يَا رسولَ اللهِ، مَا مِنَّا أحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أحَبُّ إِلَيْهِ. قَالَ: "فإنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أخَّرَ".

أيُّها المُؤمنونَ: وممَّا ذكرهُ شيخُنا محمدُ بنُ العُثيمينَ -رحمهُ اللهُ- في خُطبٍ سَمِعَتْهَا آذانُنا وَوعتَها قُلُوبُنا: "عبادَ اللهِ: الأموالُ فِتنَةٌ في تَحصِيلِها، فِتنَةٌ في تَصرِيفِها، وأَسعَدُ النَّاسِ مَنْ اكتَسَبَها مِن طُرُقِها المَشرُوعَةِ، وأَشقَاهم مَن اكتَسَبَها على غَيرِ الوَجهِ الشَّرعِيِّ، فصاروا يجتَرِئُونَ على الحَرَامِ ويَأكُلُونَه؟ لا يُبَالُونَ مِن أينَ أخذوهُ أَمِنَ حَلالٍ أمْ مِن حَرَامٍ؟ فالحَلالُ مَا حَلَّ بِأيديهم والطَّريقَةُ المُبَاحَةُ لِلكسبِ مَا أمْلتُه عليه أهواؤهُم وَشَهَواتُهُم!

فاتَّقوا اللهَ يا مُسلِمونَ! وَحَلِّلُوا مَكَاسِبَكُم واجعَلُوها غَنِيمَةً لَكم تُعينُكم على طَاعَةِ اللهِ ولا تَجعلوها غُرْمَاً عَليكم فَتَفقِدوا بَرَكَتَها وتَستَحِقُّوا عُقُوبَةَ اللهِ عليها".

عبادَ اللهِ: وفي ظِلِّ مَسرَحِيَّةِ المُسَاهمَاتِ المَشؤمَةِ، فلا يَكَادُ المُسَاهِمُونَ يَصحُونَ من نَكبَةٍ إلاَّ ويَرتَكِسُونَ في أُخرَى، مُسَاهمَةٌ تِلوَ أُخرَى، واكتِتَابٌ إِثرَ اكتِتَابٍ، ويَنجَرِفُ أُنَاسٌ وَيَنزَلِقُ مُتَهَوِّرُونَ دُونَ تَرَوٍّ ولا تَثَبُّتٍ، حينها تُبصِرُ بجلاءٍ أَنَّ هُنَاكَ مَسلَكًا وَاضِحًا وَطَرِيقًا آمِنًا لكُلِّ مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَصَحَ لِنَفسِهِ ولأُمَّتِهِ بِأَنَّ الخَيرَ وَالأَسلَمِ في ظِلِّ َالشُّبُهَاتِ أَنْ يَأخُذَ المُسلِمُ مَسلَكَ الوَرَعِ وَاتِّقَاءَ الشُّبُهَاتِ حِينَ يَشتَبِهُ الحلالُ بِالحَرَامِ، فكيفَ إذا تَبَيَّنَ فيهِ الحرامُ؟!

في صحيح مُسلمٍ وغيرهِ عَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رَسولَ اللهِ يَقُولُ: "إنَّ الحلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَينَهُما أُمُورٌ مُشتَبِهَاتٌ لا يَعلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ استَبرَأ لِدِينِهِ وعِرضِهِ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَرتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ محارِمُهُ".

فيا إخوةَ الإيمانِ: إنَّ من إهلاكِ الدُّنيا لِعُبَّادها أنَّها تُجَرِّئُهم على المُتَشَابِه، وكَأَنَّه أطيَبُ الحَلالِ! ألا وإنَّ مِن إهلاكِ الدُّنيا لِعُبَّادِها كذلِكَ اتِّبَاعُ الهَوى وما تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ مِن فَتَاوَى، فَبعضُ المُسَاهِمينَ لَهُ في كُلِّ شَرِكَةٍ أو بَنكٍ شَيخٌ وفتوى، فَمن وَافَقَ هَواهُ فَهو العالِمُ الجَهبذُ! ومَنْ خالَفَهُ فذاكَ ذو عِلمٍ قاصرٍ!

ألا فاتَّقوا اللهَ يا أهلَ الإسلامِ، واجتنِبُوا الحَرَامَ، واحذَروا الآثَامَ، ومَنْ تَرَكَ شَيئاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خيراً منه، (وَمَنْ يَتَقِ اللهَ يَجعل لَهُ مَخرجا ويَرزُقْهُ من حيثُ لا يَحتَسِبُ) [الطلاق: 3- 4].

ولن تزولَ قَدَمَا عبدٍ يومَ القِيامةِ حتى يُسألَ عن مالِهِ من أينَ اكتَسَبَهُ وفِيمَ أنْفَقَهُ. فأكلُ الحرامِ يُعمي البصيرةَ، ويُوهنُ الدِّينَ، ويُقَسِّي القَلبَ، ويُقعدُ عن الطَّاعاتِ، ويوقعُ في حبائِلِ الدُّنيا وغَوَائِلِها، و"قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ"، فاقْنَعُوا بما أمدَّكم اللهُ تُفلحوا: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد: 20].

فاللهم لا تجعل الدُّنيا أكبرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، ولا إلى النَّار مَصِيرَنَا، وَقَنِّعنا بما آتيتناَ، وبارك لنا فيما رَزَقْتَنَا، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبَلُّغنا به جنَّتَكَ اللهم ألبسنا لباسَ التَّقوى، وألزمنا كلمة التقوى، وأدخلنا جنَّة المأوى، واجعلنا مِمَّن بَرَّ واتَّقى، وصدَّق بالحسنى فَيَسَّرتَهُ لليُسرى، وجَنَّبتَهُ العُسْرَى.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدكَ ونبيِّك محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ؛ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون.