الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إن المؤمنَ المُوفَّقَ هو من يتَّخِذُ من تنقُّل الأحوال مُناسبةً للتذكُّر والتدبُّر والاتِّعاظ، فيُحاسِبُ نفسَه، ويُقيِّمُ وضعَها، ويُصحِّحُ مسارَها. فهلاكُ القلب في إهمال مُحاسبة النفس، وفي مُوافقتها واتِّباع هواها.. فيجبُ علينا جميعًا ونحن نُودِّعُ عامًا ونستقبِلُ عامًا جديدًا - جعلَه الله علينا مُبارَكًا سعيدًا - أن نُحاسِبَ أنفسَنا، كما قال الخليفةُ عُمر - رضي الله عنه -: "حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبُوا، وزِنُوها قبل أن تُوزَنوا".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه ونستهدِيه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وصحبِه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
عباد الله: إن المؤمنَ المُوفَّقَ هو من يتَّخِذُ من تنقُّل الأحوال مُناسبةً للتذكُّر والتدبُّر والاتِّعاظ، فيُحاسِبُ نفسَه، ويُقيِّمُ وضعَها، ويُصحِّحُ مسارَها. فهلاكُ القلب في إهمال مُحاسبة النفس، وفي مُوافقتها واتِّباع هواها.
فيجبُ علينا جميعًا ونحن نُودِّعُ عامًا ونستقبِلُ عامًا جديدًا - جعلَه الله علينا مُبارَكًا سعيدًا - أن نُحاسِبَ أنفسَنا، كما قال الخليفةُ عُمر - رضي الله عنه -: "حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبُوا، وزِنُوها قبل أن تُوزَنوا".
المُؤمنُ يعلمُ أن هذه الحياةَ خُلِقَت لتُعمَر بطاعة الله - جل وعلا - وتوحيدِه وتحقيقِ عبادتِه؛ فربُّنا - جل وعلا - يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
عن ابن عُمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكِبي، ثم قال: «كُن في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابِرُ سبيل». وكان ابن عُمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظِر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظِر الصباح، وخُذ من صحَّتِك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك"؛ (أخرجه البخاري).
علينا - معاشر المُسلمين - أن تَزيدَنا السنُون طاعةً وإحسانًا لربِّنا، وأن نعمُرَ هذه الأعوام تقرُّبًا للخالِق وزُلفَى، قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم من طالَ عُمرُه وحسُنَ عملُه».
أخي المسلم: من الظُّلمِ المُبين، ومن الخَسَار المُستَبين: أن يُنعِمَ الله عليك بنعمةِ هذا العُمر، وأنت على المعاصِي مُقيم، ربُّنا - جل وعلا - يقول: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36].
فمن الخَسَارة العظيمة: أن يمضِيَ عامٌ ويقدُمَ عامٌ والمُسلمُ في تضييعٍ لهذه الأوقاتِ سُدًى، وفي تفويتِها غُثاء، ربُّنا - جل وعلا - يقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر: 37].
من التفاسِير في هذه الآية: ما يقولُه ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "أي: أوَلَم نُعمِّركم ستين سنة؟!".
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أعذرَ الله إلى امرئٍ أخَّره إلى الستين من عُمره».
الفلاحُ في كسبِ هذه الحياة بعَمرها بالحسنات، والمُبادَرة إلى الصالِحات، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
فكن - أيها المسلم - مُتزوِّدًا فيها بطاعة خالقِك، سعيدًا بتقوى ربِّك، حتى تغنَمَ الغُنمَ العظيم، وتفُز بالخير العَميم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «اغتنِم خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هرمِك، وصحَّتك قبل سقَمِك، وغِناكَ قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك، فما بعد الدنيا من مُستعتَب، ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار»؛ صحَّحه ابن حجر.
فعُمرُك - أيها المسلم - أمانةٌ تُؤدِّها متى أطعتَ خالقَك، والتزَمتَ أوامرَه، واستجبتَ لنواهِيه، وقُمتَ بعُمران هذه الحياة بما تقتضِيه مقاصِدُ هذا الدين وأهدافُه ومرامِيه، من تحقيق منافع الدنيا ومصالِح الآخرة، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) [التوبة: 105].
وفي الحديث: «لا تزولُ قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمره فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبَه وفيمَا أنفقَه، وماذا عمِلَ فيما علِم»؛ الحديثُ له شواهِد.
فتزوَّدوا - رحمكم الله - من كل صالحٍ، يقول ربُّنا - جل وعلا -: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7، 8].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنَّة، أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
أما بعد: فأُوصِيكُم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتَّقاه وقاه، وأسعَدَه ولا أشقَاه.
أيها المسلمون: مضَى العامُ المُنصرِم وأحوالُ كثيرٍ من المُسلمين لا تسُرُّ صديقًا؛ بل هناك أوضاعٌ مُحزِنة للمسلمين، من سفكِ الدماء، وهَتكِ الأعراض، وإفساد الأموال بما يندَى له الجَبين، ويعجَزُ اللسانُ عن وصفِ مآسِيه .. فإلى الله وحده المُشتكَى، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن الواجِبَ على المُسلمين أن يتَّقُوا الله - جل وعلا -، أن يتَّقُوا الله في أمَّتهم، أن يتَّقوا الله في دينِهم، أن يتَّقوا الله في مُجتمعاتهم بالرجوع لما تقتَضِيه أصولُ شريعة الإسلام، من وحدة الكلمة، واجتِماع الصفِّ، وتغليبِ المصالِح، وحفظِ المقاصِد الضرورية، من الدين، والدماء، والأموال، والأعراض.
فالله - جل وعلا - لا يحبُّ الفساد، وقد أمرَ عبادَه بإصلاحِ هذه الحياة، وتحقيق الأمن والأمان؛ ليعيشَ الناسُ آمِنين مُطمئنِّين، يعبُدون ربَّهم، ويُؤدُّون واجِباتهم، ويعمُرون حياتَهم بكل نافعٍ ومُفيد، (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف: 56].
فاتقوا الله - أيها المسلمون - في هذه الأمة، اتقوا الله - جل وعلا - في الاستِجابة لأوامِر ربِّكم، اتقوا الله - جل وعلا - في الاستِجابة لخِطابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر وصيَّةٍ وجَّهها لأمَّته في خُطبة عرَفَات.
عباد الله: إن شهرَ الله المُحرَّم من الشهور الحُرم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «أفضلُ الصيام بعد رمضان: شهرُ الله الحرام».
فيُستحبُّ بسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - صيامُ العاشِر منه، ويُستحبُّ أن يجمعَ المُسلمُ التاسِعَ معه؛ لما كانت عليه سُنَّتُه - صلى الله عليه وسلم -.
فعليكم بالتزوُّد من الأعمال الصالِحات، والمُسابقَة إلى الطاعات المُتنوِّعات، فالله - جل وعلا - يقول في الحديث القُدسي: «يا عبادي! إنما هي أعمالُكم أُحصِيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها، فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه».
ثم إن الله - جل وعلا - أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وسيِّدنا وقُدوَتنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن جميع الآل والصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعل هذا العامَ عامًا سعيدًا، اللهم اجعله داخلاً علينا بالسرور والسعادة والبركة والأمن والطُّمأنينة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أبدِل فيه أحوالَ المُسلمين إلى كل صالحٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرِّج فيه هُمومَهم، اللهم نفِّس فيه كُرُباتهم، اللهم ارفع ما أصابَهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارفع عن المسلمين ما أصابَهم من اللأواء والشدَّة والضيق إلى السَّعة والأمن والأمان واجتماع الكلمة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى. اللهم اغفر لنا جميعًا، اللهم اغفر لنا جميعًا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذابَ النار. اللهم أوصِل الحُجَّاج والمُعتمِرين إلى أهلِهم وقد فازُوا بالأجر والمثوبة والرِّضوان يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجمع قلوبَنا على حبِّك وحبِّ رسولِك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجمع المسلمين على الكتاب والسنة، اللهم اجمع المسلمين على الكتاب والسنة، يا قوي يا عزيز، يا رحمن يا رحيم، يا حي يا قيوم.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّق جميع وُلاة أمور المسلمين لما تحبُّه وترضاه عنَّا يا ذا الجلال والإكرام. للهم اجعل ولايةَ المُسلمين فيمن يخافُك ويتَّقيك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله: اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً.