الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | سلطان بن عبد الله العمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
هيا بنا -أيها الكرام- لنتجول في البشائر التي جعلها الله للدعاة إلى سبيله لنرى منازلهم وفضائلهم عند الله.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الدعوة إلى سبيله باباً من أبواب الحسنات والخيرات، وجعلها نوراً لحياة الغافلين والتائهين، والصلاة والسلام على سيد الدعاة وقائدهم ومقدمهم، الذي كانت حياته كلها في دعوة الناس ونفعهم وتعليمهم.
أما بعد: أخبرني صاحبي وقال: كنت جالساً عند جدي في وقت الضحى، فقام وتركني، ثم جاء وصلى ركعتين في المجلس.
قلت: يا جدي، ما هاتين الركعتين؟
قال: هذه صلاة الضحى يا ولدي.
قلت: وكيف عرفتها؟.
قال: لقد جاء رجل في مسجدنا قبل عشر سنوات وألقى كلمة عن صلاة الضحى، فوالله! ما تركتها منذ عشر سنوات.
نعم، لقد ذهب ذلك الداعية ولكن الحسنات تلاحقه مادام ذلك الرجل يصلي!.
معاشر المؤمنين: لما خلق الله الخلق لم يتركهم سدى؛ بل أرسل لهم الرسل لينيروا لهم الطريق، ويبصرونهم بما يحبه الله ويرضاه، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثَاً) [المؤمنون:115]، (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة: 36].
وقام الرسل بواجبهم خير قيام، وبلغوا رسالات ربهم، كما قال -تعالى-: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) [النساء: 165].
وبعد مضي خاتم الأنبياء وسيدهم قام الصحابة -رضوان الله عليهم- بالدعوة والتعليم خير قيام، وبعدهم تولى العلماء والدعاة تلك المهمة النبيلة.
وعلى مر التاريخ، لا يزال الناس بحاجة إلى نور الإيمان ورسالة الدعوة، فمن لها؟ ومن سيقوم بها في هذه الأزمان؟.
هيا بنا -أيها الكرام- لنتجول في البشائر التي جعلها الله للدعاة إلى سبيله لنرى منازلهم وفضائلهم عند الله.
فمن بشارات الدعاة أن كلمات الدعاة هي أحسن الكلمات: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]. نعم، هي أفضل الكلمات وأزكاها؛ لأنها ترشد الناس للخير، وتبصرهم بالمنهج الذي يحبه الله ورسوله.
ومن بشارات الدعاة أن الدعاة إلى الله ينالهم الثناء الرباني، ويستغفر لهم كل من سكن السماوات والأرض. صح في الحديث: "إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر".
ومن بشارات الدعاة أن الدعاة إلى الله لهم الفلاح والفوز عند الله. قال -تعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
ومن بشارات الدعاة أن الدعاة يشتغلون بالهمّ الذي كان الأنبياء يهتمون به، ويسهرون ويسافرون لأجله.
عباد الله: إن الدعاة إلى الله يقاومون الباطل الذي يوجد في كل زمان ومكان، فكما أن هناك حقا وله أهله فاعلموا أن هناك باطلا وله أهله الذين يدافعون عنه، ويستميتون لأجل تحقيقه ونشره. قال ربنا تبارك وتقدس: (إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) [النساء:104].
ولنتأمل مثالاً سهلاً، وهو وجود القنوات الإسلامية التي تنشر العلم والخير عبر البرامج المحافظة، إنها تقاوم ذلك الكم الهائل من قنوات الفساد والفجور.
ومن بشارات الدعاة أن الدعاة إلى الله يفوزون بحسنات كثيرة حينما يعلّمون الناس ويدلونهم على الخير، وفي الحديث الصحيح: "مَن دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء".
ومن بشارات الدعاة أن الدعاة إلى الله تصلهم دعوات الناس بالخير بسبب جهودهم وأعمالهم، فكم من علم نشروه، وكم من مشكلةٍ ساهموا في حلها، وكم من نزاعٍ كانوا سبباً في لمّ شمله والصلح بين المتخاصمين، وكم من ضالٍ كانوا له مصباحا ينبر دربه للهدى، أما أهل الباطل فتنهال عليهم الدعوات وتلاحقهم في حياتهم وبعد مماتهم.
ومن بركات الدعاة أن الدعاة هم خير المجتمع؛ بسبب قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران:110].
ومن بشارات الدعاة أن الدعاة إلى الله ينقذون الناس من النار، وتأمل مكاتب دعوة الجاليات مثلاً، كيف كانت سبباً في إسلام عشرات الألوف من الناس الذين لو ماتوا على كفرهم لكانوا من حطب جهنم، فهنيئاً لمن سار في قافلة الدعاة وانضم معهم في برامجهم وأعمالهم!.
معاشر المسلمين: إن الدعوة إلى الله تنقذ مئات الشباب من وحل الشهوات والمخدرات التي دمرت دينهم وأخلاقهم وطموحاتهم، ولك أن تتخيل العشرات من الشباب الذين قضوا حياتهم في المخدرات، وإذ بك تراهم تائبين منها بفضل الله، ثم بفضل جهود ذلك الملتقى الدعوي أو تلك المحاضرة أو ذلك المنشط الذي حرك الخير فيهم وأضاء الأمل والهداية في قلوبهم، فأعلنوها توبة لله، وعودة صادقةً لله جل وعلا.
ويا ترى، كم هي فرحة والدة ذلك الشباب المدمن بعد أن رأته وهو تائب صالح مستقيم على دين الله -تعالى-!.
يا كرام، إن شرف الدعوة وفضلها كبير جداً، ينال الناس كلهم، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم.
معاشر المؤمنين: إن وظيفة الدعوة ليست حكراً على جهة أو على شخصيات معينة؛ بل هي مهمتي ومهمتك، أنا وأنت مطالبون بما نقدر عليه من تلك الدعوة.
الطبيب في عمله يستطيع أن يهمس للمريض بكلمات تقوي إيمانه وتزيد تعلقه بالله، ويمكنه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب قدرته، وطبيعة الحدث الذي يعايشه.
الجندي بين زملائه يمكنه أن يوزع لهم بسمة صادقة تحبب لهم الدين، وتحثهم على مكارم الأخلاق، وطيب الأعمال.
الطالب في مدرسته باستطاعته أن يكون قدوة حسنة في سلوكه الحسن حين يكون قدوة لزملائه.
إمام المسجد داعية في مسجده حينما يرتب المحاضرات والدروس العلمية والدعوية التي تنفع المصلين. المدرس في مدرسته يقابل مئات الطلاب يومياً ويمكنه دعوتهم والتأثير فيهم بالكلمة الطيبة والخلق الحسن. وصاحب المال لديه عشرات الوسائل التي تمكنه من نصرة الدين ونفع البرامج الدعوية.
الأب في بيته لابد أن ينشر الكلمة الطيبة والرسالة التربوية لأسرته، لأنهم بحاجة للتوجيهات التي تغرس القيم النبيلة في نفوسهم. الأم في بيتها حينما تربي أولادها وبناتها التربية الصالحة فإنها تنشئ جيلاً صالحاً في المجتمع وهذا أمر جميل وجليل، وخاصةً في هذا الزمن.
عباد الله: إن واقع النساء يتطلب منا إيجاد برامج دعوية متنوعة تساهم في دعوتهن والتأثير فيهن في الموضوعات التي تناسبهن، والواجب يحتم على المرأة الصالحة أن تساهم في الدعوة في محيطها في الجامعات والمدارس والمستشفيات وبين الجارات والصديقات وبين الأقارب وغيرهم.
وكلنا يعلم بجهود أهل الباطل في إفساد المرأة وتجريدها من عفافها ودينها وحجابها. فهل يقف معاشرُ الصالحين والصالحات عن مواجهة ذلك الكم الهائل من وسائل إفساد المرأة وتغريبها؟.
أيها الأحبة الكرام: إليكم جملةً من الأفكار والإشارات الدعوية:
المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل فرصة لنشر الخير والدعوة. فيا عبد الله! إن كنت تجد في نفسك إبداعا في التقنية وما يدور حولها، فانطلق منها لخدمة دينك، لعلك تفوز بأجر المنتفعين منك.
ومن الأساليب الدعوية: التنسيق مع الدعاة لإلقاء الكلمات الدعوية في مقر عملك، وهذا أمر ممكن وسهل للغاية، ومن خلاله ينتفع زملاء العمل بسماع الكلمات التوجيهية من الدعاة، وما يدريك؟ لعل كلمة تكون سبباً في هداية وانتفاع أحد الحضور.
ومن الوسائل الدعوية: كفالة الدعاة في الخارج، مما يتيح لهم البقاء في بلادهم، ودعوة الناس هناك، ومواجهة خطر التنصير والتجهيل الذي يوجد في بعض الدول.
ومن الوسائل الدعوية: توزيع الكتيبات و"السيديهات" النافعة في مقر عملك، وفي مسجدك، وفي ملتقى الأقارب.
ومن الوسائل الدعوية زيارة القرى والمحافظات الصغيرة والاطلاع على واقعهم الدعوي، ومن ثم القيام بدعوتهم بالطريقة المناسبة لهم.
وهذه رسالة لأصحاب الأموال: إن أموالكم فرصة كبيرة لنصرة الدين، ونفع العباد، فالله الله في بذل المال! لعل الله أن يكتب لك الفوز بالجنان بهذه الأموال التي تنفق في سبيل الدعوة إلى الله -تعالى-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ) [البقرة:110].
ومن الأساليب الدعوية: العناية بدعوة الجاليات والتعاون مع المكاتب المهتمة بهذا الشأن.
ومنها: زيارة المستشفيات والمرضى وتوزيع الرسائل الدعوية لهم. ومن الأساليب الدعوية: الاستفادة من الاجتماعات الأسرية والأخوية بنشر الكلمة الطيبة والقصة النافعة. ومن الأساليب الدعوية: أن تغرس حب الدعوة واحترام الدعاة في نفوس أسرتك وأطفالك.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله.
وبعد: معاشر المسلمين: حينما نتذكر جهود المنصرين في العالم وما يبذلونه من جهد ومال وسفر في نشر دينهم الباطل، فكيف لنا أن نتقاعس عن نشر ديننا الحق؟.
واسمع لقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال:36]. وتأمل بعض الجهود والأرقام التي تؤكد لك الجهود التنصيرية التي تجوب بلاد العالم لتنصيرهم. والله المستعان.
إليكم هذه الأرقام: عدد النصارى في العالم: مليار وسبعمائة وواحد وعشرون مليوناً. عدد المنظمات التنصيرية في العالم: خمسمائة وأربع وعشرون ألف منظمة. عدد المنظمات التنصيرية العاملة في مجال الخدمات: سبعمائة وعشرون ألف منظمة تعمل في مجال الخدمات العامة، والطب، والإغاثة، وما أشبه ذلك.
عدد المنظمات التنصيرية التي ترسل منصرين: أربعة آلاف منظمة، عدد المعاهد التنصيرية التي تخرج القساوسة والدعاة: ثمانية وتسعون ألف معهدا! عدد المنصرين في البلدان الخارجية: ثلاثة وسبعون ومئتا ألف منصر، وهؤلاء أيضا متفرغون للتنصير.
عدد الكتب المؤلفة لأغراض التنصير: اثنان وعشرون ألف كتاب، وهذا بجميع اللغات؛ ومن كثرة تعمقهم ترجم الإنجيل إلى مائتين وألف لغة.
المجلات والدوريات والنشرات: ألفان ومائتان وسبعون نشرة ومجلة، وبجميع اللغات، والبعض منها يطبع ملايين النسخ. محطات الإذاعة والتلفاز العاملة لأغراض التنصير: تسعمائة وألف محطة، وبعض هذه المحطات ينشر عبر الأقمار الصناعية إلى مائة بلد أو أكثر.
هذه بعض جهودهم، فأين أين المسلمون في نصرة دينهم؟
وأخيراً، معاشر المسلمين، إذا كنا نتحدث عن الدعوة والدعاة، فلا بد لكل داعية أن يلتزم بأخلاق الداعية الأول -صلى الله عليه وسلم-.
عليك بالإخلاص لله -تعالى- في دعوتك، فالإخلاص من أكبر أسباب التوفيق. كن عالي الهمة، باذلاً حياتك لله -تعالى- ولنصرة دينه، بعيداً عن الكسل والتراخي والخمول الذي أصاب الكثير من المسلمين. إن حسن الخلق هو أكبر وسيلة دعوية تقوم بها. لا تستعجل هداية الناس.
اصبر على طول الطريق في الدعوة، واصبر على كثرة المخالفين، واصبر على قلة المستجيبين لك، واعلم أنه يأتي نبي يوم القيامة وليس معه أحد.
أيها الداعية: عليك بالرفق في دعوتك، واختيار الكلمة الطيبة، والموقف المناسب لكل حدث تمر به.
كن متواضعاً في المجتمع الذي تعيش فيه؛ لأن التواضع يجذب القلوب لك، ويجعل لك موقعا مناسبا للتأثير.
أيها الداعية: استشر العلماء في مشاريعك الدعوية، ولا تتفرد في طريقك، واستفد ممن سبقك.
ومضة خفيفة: من الناس من يحمل هم الإسلام، ومن الناس من يحمل الإسلام همه.
اللهم انصر من نصر دينك. اللهم وفق الدعاة إلى سبيلك واحفظهم بحفظك. اللهم اجعلنا من الدعاة لشريعتك.
اللهم وفق التجار لبذل أموالهم في سبيلك. اللهم وفق ولاة أمورنا لخدمة دينك ونشره في البلاد يا رب العالمين.