التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الحكمة وتعليل أفعال الله |
الدين -أيها المسلمون-: مبني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام. وهذه الأصول الخمسة كلها يسيرة سهلة، وكلها تهذيب للأخلاق، وإصلاح للقلوب، وتقويم للأحوال. فـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور، والحمد لله الذي شرع لعباده ويسر ودعاهم لما تزكو به نفوسهم وتتطهر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بشر وأنذر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما أشرق الضياء وأنور وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 5- 6].
فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم، وقال: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ)[إبراهيم:22].
وحينئذ ينادون بالويل والثبور، يقولون: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك:10].
أيها المسلمون: إن من عداوة الشيطان: أن يصور لكم دينكم بأبشع صورة وأشدها تنفيرا عنه.
إنه يصور لكم دينكم بأنه حبس للحرية، وتضييق على العبد، ومنع من التقدم والرفاهية، هكذا يصور الشيطان لنا ديننا، حتى لا نقبل عليه، ولا نتمسك به.
وإن العاقل إذا نظر إلى الدين بعلم وعدل؛ وجده بريئا من كل هذه الصفات، وإنه على العكس من ذلك، فهو دين الحرية الحقة المعتدلة، ودين السعة والسهولة والتقدم والسعادة.
ولنستعرض قليلا من تشريعات هذا الدين لنقيس عليها ما سواها.
فالدين -أيها المسلمون-: مبني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام.
وهذه الأصول الخمسة كلها يسيرة سهلة، وكلها تهذيب للأخلاق، وإصلاح للقلوب، وتقويم للأحوال.
ف"شهادة أن لا إله إلا الله" تجريد القلب من التأله والعبادة لأحد من المخلوقين، وانحصار العبودية لله رب العالمين الذي منَّ عليك بالوجود والرزق، فأنت بالنسبة إليه عبد وبالنسبة إلى من سواه حر.
وإن من الحمق بمكان أن تنطلق من عبودية الله التي هي الحق، وتقيد نفسك بعبودية هواك، أو عبودية دنياك، أو عبودية فلان وفلان.
"وشهادة أن محمدا رسول الله" تجريد المتابعة لأحد من المخلوقين، سوى رسول رب العالمين، الذي كلف بالرسالة إليك، وكلفت باتباع رسالته، فعنها يسأل بلاغا، وأنت تسأل عنها اتباعا: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)[الأعراف: 6].
وما من شك في أن كل واحد من الناس سوف يسير في عمله على خطة مرسومة، فإما أن تكون طريقة النبيين، أو طريق الضالين، فانظر أي الطريقين أهدى وأقوم.
أما "إقامة الصلاة" فما أيسرها وأسهلها، وما أنفعها للقلب والبدن، والفرد والمجتمع.
فهي صلة بينك وبين ربك تقوم بين يديه، خاشعا خاضعا، متقربا إليه بما شرعه لك، سائلا منه حاجات دنياك وأخراك، تنمي دينك، وتحط ذنوبك، وتلحقك بالصالحين، وتستعين بها على أمور دينك ودنياك، وتنهاك عن الفحشاء والمنكر.
أما "إيتاء الزكاة" وهو القسط المعلوم الذي تؤديه عن مالك لمواساة إخوانك، أو لصالح الإسلام، فما أيسره وما أنفعه يتطهر به المزكي من الأخلاق الرذيلة، ومن الذنوب المثقلة.
"إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".
وهو قسط ضئيل من مالك، ربع العشر من الذهب والفضة، والعروض من كل مائتين خمسة دراهم.
أما "صيام رمضان" فشهر واحد في السنة تمتنع فيه في النهار عما تشتهيه نفسك من طعام وشراب ونكاح؛ تقربا إلى ربك، وتقديما لمرضاته على ما تشتهيه، مع ما فيه من فوائد كثيرة معلومة.
وأما "حج البيت" فمرة واحدة في العمر على المستطيع يتوجه إلى بيت الله وشعائره، يعظم ربه عندها، ويعبده ويسأله حوائج دينه ودنياه.
ولا تسأل المحب عن حبه لبيت حبيبه، وأماكن قربه، والتعبد له في تلك الأماكن العظيمة، مع ما في الحج من المنافع الدينية والدنيوية.
ثم الإسلام -أيها المسلمون-: مفخرة عظيمة لأهله؛ لأنه يأمر بكل خلق فاضل، وينهى عن كل خلق سافل، يأمر بكل تقدم إلى ما فيه الخير، يقول الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15].
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)[البقرة: 29].
(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)[الجاثية: 13].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقـول: "المؤمن القوي خيـر وأحب إلى الله من المؤمـن الضعيـف وفي كل خير"[مسلم (2664) ابن ماجة (79) ، أحمد (2/370)].
"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان"[مسلم (2664) ابن ماجة (79) أحمد (2/370)].
فهل بعد هذا من دليل أو برهان على أن هذا الدين دين الحق، واليسر والسهولة والتقدم، فلا باطل ولا عسر ولا تأخر، ولكن حق ويسر وتقدم للخير، ورجوع عن الشر؟!.
ومن شك في ذلك، فلينظر لتاريخ ماضينا وأمجادنا في الإسلام، فتحوا القلوب بالإيمان والعلم وفتحوا البلاد بالحق والعدل.
نسأل الله أن يبصرنا في ديننا، ويرزقنا التمسك به، والوفاة عليه؛ أنه جواد كريم.