التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
إن هذه الأمة أمة صدق، ومتى ما تخلى أبناؤها عن هذا الخُلق ظهرت فيهم الخيانة، وضاعت من حياتهم الأمانة، وظهر بينهم التنازع والفشل، وتسلط عليهم العدو، وسقطوا من عين الله وعيون الناس... وهذا ما وصلنا إليه اليوم في كثير من جوانب حياتنا.. إعلام وصحف وفضائيات يتحرون الكذب، ويدمرون نسيج الأمة، ويحاربون قيمها لأجل مكاسب رخيصة.. وكذب سياسي لتحقيق مآرب شخصية أو حزبية.. وخصومات ونزاعات من أجل دنيا فانية؛ من وسائل الصراع فيها: اتخاذ أسلوب الكذب والتشويه، والافتراء، وشهادة الزور والشائعات، وتلفيقها على الخصوم حتى امتلأت القلوب بالحقد والحسد والبغضاء..، وما أكثر ما تضيع الحقوق والأموال ويُرتكب الظلم وتُطمس الحقائق بسبب الافتراء والكذب وشهادة الزور..
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله معطي الجزيلَ لمنْ أطاعه ورَجَاه، وشديد العقاب لمن أعرضَ عن ذِكْره وعصاه، اجْتَبَى من شاء بفضلِهِ فقرَّبَه وأدْناه، وأبْعَدَ مَنْ شاء بعَدْلِه فولاَّه ما تَولاَّه،... منْ تعدَّى حدوده وأضاع حقُوقَه خسِر دينَه ودنياه، ومن التزم حدوده وأطاعه وفَّقه في الدنيا وحقَّق في الآخرة مناه، أحْمدُه على ما تفضَّل به من الإِحسانِ وأعطاه، وأشْكره على نِعمهِ وفضله وما أوْلاه، وعد الصادقين بمغفرته وهداه وتفضل عليهم بمحبته ورضاه.
وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريك له الكاملُ في صفاتِهِ المتعالي عن النُّظَراءِ والأشْباه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه اختاره ربه على البشر واصْطفاه، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابه والتابعينَ لهم بإِحسانٍ ما انْشقَّ صبحُ وأشْرقَ ضِياه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله: لقد أصبح من العجيب والغريب في عالمنا اليوم أن تجد صاحب دكان أو مصنع أو شركة أو معرض يبيعك حاجتك بصدق ويعاملك بمنتهى الصراحة والوضوح، وتشعر من معاملته وسلوكه بصدقه وأمانته، والناس في حالة من الدهشة والذهول، ويتساءلون ما الذي دفعه إلى تحري الصدق والعمل به؟! وكأنه خالف المعمول به والمتعارف عليه في المجتمع فأصبح أمره عجباً..
وهكذا في سائر أحوالنا وفي جميع جوانبها يُصاب الناس بدهشة من صدق هذا الطالب، وهذا المعلم، وهذا الموظف، وهذا المدير، وهذا العامل، وهذا العالم، وهذا السياسي، وهذا الوزير، وهذا الحاكم، وبدلاً من تشجيع هذه النماذج وهذه السلوكيات، وهذه القيم يبدأ الناس في وضع التساؤلات والاستفسارات والاستفهامات.. ما الذي دفع هذا أو ذاك إلى أن يكون صادقاً في قوله وفعله وسلوكه في زمن أصبح الكذب بضاعة الكثير من الناس في البيع والشراء والسلوك والمعاملة والسياسة والاقتصاد وبناء العلاقات، وأصبحت كثير من الأعمال لا تُنْجَز إلا بالكذب..
ونسي الكثير في خضم هذه الحياة أننا أمة بنت مجدها وتاريخها وحضارتها على الصدق والصراحة والوضوح من أول يوم بُعث فيها محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقد كانت قريش وما حولها من القبائل والأعراب يلقبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصادق الأمين ما استطاع أحد رغم كيدهم ومكرهم وعداوتهم له أن يثبتوا عليه كذبة واحدة في كلامه وسلوكه وأفعاله..
كيف لا يكون كذلك وهو مرسل من إله عظيم من أسمائه الصادق حديثه وخبره ووعده ووعيده القائل في وصف نفسه سبحانه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء: 122].. وقال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) [النساء: 87]..
وأمر -سبحانه وتعالى- عباده بالصدق فقال: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].. قال الإمام ابن كثير : "أي: اصدقوا، والزموا الصدق تكونوا من أهله وتنجو من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً" (تفسير ابن كثير ج 2ص 62)..
وبيّن -سبحانه وتعالى- أنه لا ينجّي العبد ولا ينفعه يوم القيامة أيّ عمل أو قول أو حتى نية بدون صدق قال تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119]، وقال سبحانه: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر: 33 – 35].
أيها المؤمنون، عباد الله: الصدق من أعظم الأخلاق وأهم الصفات التي تدل على خيرية الفرد والمجتمع والأمة؛ به وصف الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه-، به فقال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً) [مريم: 56،57].
ويقول -جلّ ذكرهُ-: (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيّاً) [مريم:41]، وقال جلّ ثناؤه: (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيل إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) [مريم:54]، واشتهر يوسف -عليه السلام- بالصدق كما قال تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) [يوسف:46]..
وأمر رسول الله محمدٌ -صلى الله عليه وآله وسلم- أمته بالصدق في الأقوال والأفعال والنيات، وجعل ذلك سبباً للنجاة والفوز في الدنيا والآخرة، فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» (حسن: رواه أحمد، وانظر السلسلة الصحيحة: 1470).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة" (رواه أحمد، وهو في صحيح الترهيب للألباني 2929).
بل ضمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيتاً في الجنة لمن صدق في قوله وفعله، ولو كان مازحاً فقال: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خُلقه" (حسنه الألباني في صحيح أبي داود: 4015).
قال الأحنف بن قيس لابنه: "يا بني، يكفيك من شرف الصدق، أنَّ الصادق يُقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب، أن الكاذب لا يُقبل قوله في صديقه ولا عدوه، لكلِّ شيء حِليةٌ، وحليةٌ المنطق الصدق..".
وكم نحن بحاجة إلى الصدق مع الله في الالتزام بهذا الدين، ومع رسوله -صلى الله عليه وسلم- في متابعته والاقتداء به، فالخضوع للشرع والانقياد له رغبة ورهبة وتضحية وعمل يحتاج ذلك كله إلى صدق، قال تعالى في أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر:8]..
هذا عبدالله ذو البجادين -رضي الله عنه- مات أبوه وهو صغير، فكفله عمه، وأعطاه من ماله الشيء الكثير، فلما أصبح شابّاً إذا به يسمع بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وهجرته، فاشتاقت نفسه للإسلام ولرسول الإسلام، فاستأذن عمه للهجرة واللحاق برسول الله، لكن عمه وقومه غضبوا منه، وقال له عمه: والله لئن اتبعت محمداً لا أترك بيدك شيئاً كنت أعطيتك إلا نزعته منك؛ وأخذ ماله وأغنامه، وكل أمتعته، ثم التفت إليه عمه فوجده عليه ثيابًا حسنة، فطلبها منه, ولم يتردد عبدالله ذو البجادين، بل خلع الثياب وردها على عمه حتى أصبح عارياً تحت حرارة الشمس وغبار الصحراء..
ولما رأت أمه ما حل به أشفقت عليه فلم تجد سوى بجاد –أي: كساء مخطط من صوف غليظ خشن-, أعطته ولدها ليستتر به، فشقه نصفين، جعل نصفه إزاراً يستر به أسفل جسده، ونصفه ليستر أعلى جسده، فلما وقف بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الحالة فرح النبي واستبشر بقدومه وحسن إسلامه، وشارك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته.
ويوم تبوك في السنة التاسعة من الهجرة خرج مع جيش المسلمين وفي ليلة من الليالي يحدثنا عنها الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قمت في جوف الليل في تبوك، فرأيت شعلة نار في ناحية المعسكر، قال: فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزنيّ قد مات، وإذ هم قد حفروا له ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وهو يقول: "أدنيا إليَّ أخاكما، فدلياه إليه، فلما وضعه في لحده قال: اللهم إني قد أمسيت راضٍ عنه فارض عنه"...
يا لها من دعوة! ويا له من وسام! ويا لها من عظمة!، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "يا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة، ووالله لقد وددت لو كنت مكانه، ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة"..
إنه الصدق مع الله الذي بلغهم هذه المنازل العالية.. ونحتاج للصدق مع أنفسنا والناس من حولنا وفي أعمالنا ووظائفنا.. فالأمم والدول والمجتمعات لا تزدهر ولا تتطور إلا بقيم عظيمة يحملها أبناؤها، والتي من أهمها الصدق فيوجد المهندس، والطبيب والمعلم، والتاجر والعامل، ورب الأسرة والمدير، والوزير والحاكم وولي الأمر يحملون هذه القيمة العظيمة في نفوسهم، ويتعاملون بها في حياتهم..
إن هذه الأمة أمة صدق، ومتى ما تخلى أبناؤها عن هذا الخُلق ظهرت فيهم الخيانة، وضاعت من حياتهم الأمانة، وظهر بينهم التنازع والفشل، وتسلط عليهم العدو، وسقطوا من عين الله وعيون الناس...
وهذا ما وصلنا إليه اليوم في كثير من جوانب حياتنا.. إعلام وصحف وفضائيات يتحرون الكذب، ويدمرون نسيج الأمة، ويحاربون قيمها لأجل مكاسب رخيصة.. وكذب سياسي لتحقيق مآرب شخصية أو حزبية، فتُزَوَّر الحقائق، وتُكال التُّهَم ويُكذب على الجماهير والشعوب وتُدَمَّر الأوطان.. وخصومات ونزاعات من أجل دنيا فانية؛ من وسائل الصراع فيها: اتخاذ أسلوب الكذب والتشويه، والافتراء، وشهادة الزور والشائعات، وتلفيقها على الخصوم حتى امتلأت القلوب بالحقد والحسد والبغضاء، وتفرقت المجتمعات والشعوب، وتعدى الأمر إلى حروب وصراعات، وسفك للدماء، وانتهاك للأعراض، وما أكثر ما تضيع الحقوق والأموال ويُرتكب الظلم وتُطمس الحقائق بسبب الافتراء والكذب وشهادة الزور..
شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وكان والياً عليها إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي بالناس. فقال سعد: أما أنا فو الله ما كنت أصلي بهم إلا صلاة رسول الله، فأرسل عمر لجنة تحقيق إلى الكوفة، فكانوا يسألون الناس عنه وعن حكمه، فيثنون خيراً إلا رجل يقال له أبو سعدة قال: أما إذا أنشدتمونا الله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسَّريَّة، فقال سعد -وهو يرى هذا الزور والبهتان-: اللهم إن كان كاذبًا فأعْم بصره وأطل عمره وعرّضه للفتن.. يقول أحد رواة الحديث: فأنا رأيته بعد ذلك قد سقط حاجباه على عينيه يتعرض للإماء والجواري في شوارع الكوفة، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد..!!!
فأين الصدق في حياتنا اليوم؟ ولماذا لا نعود إلية كمنهج للحياة؟.. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: « إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً» (متفق عليه).. اللهم إنا نسألك لساناً صادقاً وعملاً صالحاً.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية :
عباد الله: إن الناس من حولنا والأمم والشعوب لا يحكمون علينا إلا من خلال تصرفاتنا وأفعالنا، فلنكن صادقين مع من حولنا، وذلك بتطبيق قيمنا وأخلاقنا كما جاء بها الإسلام...
منذ سنوات، انتقل إمام إحدى المساجد في بريطانيا إلى مدينة لندن، وكان يركب الباص دائماً من منزله إلى المسجد، وكان أكثر الأحيان يستقل نفس الباص، ويرى نفس السائق، وذات يوم دفع أجرة الباص وجلس, فاكتشف أن السائق أعاد له 20 بنساً زيادة عن المفترض من الأجرة...
فكّر الإمام وقال لنفسه: إن عليه إرجاع المبلغ الزائد؛ لأنه ليس من حقه ثم فكّر مرة أخرى، وقال في نفسه: "انسَ الأمر, فالمبلغ زهيد وضئيل، ولن يهتم به أحد... توقف الباص عند المحطة التي يريدها الإمام، ولكنه قبل أن يخرج من الباب، توقف لحظة ومد يده وأعطى السائق العشرين بنساً وقال له: تفضل, أعطيتني أكثر مما أستحق من المال!! فأخذها السائق وابتسم وسأله: "ألست الإمام الجديد في هذه المنطقة؟ إني أفكر منذ مدة في الذهاب إلى مسجدكم للتعرف على الإسلام, ولقد أ عطيتك المبلغ الزائد عمداً لأرى كيف سيكون تصرفك"!!
وعندما نزل الإمام من الباص, شعر بضعف في ساقيه وكاد أن يقع أرضاً من رهبة الموقف!!! فتمسك بأقرب عمود ليستند عليه, ونظر إلى السماء ودعا باكيا: يا الله، كنت سأبيع الإسلام بعشرين بنساً !!! لذا يجب أن يكون كلٌ مِنَّا مثَلاً وقدوة للآخرين ولنكن دائماً صادقين، أمناء لأننا قد لا نُدرك أبداً من يراقب تصرفاتنا، ويحكم علينا كمسلمين... وهذه هي العظمة التي ينبغي أن نعيش بها ونحيا بها بين الأمم، ثم لنعلم أن الأجر عظيم والمثوبة من الله لا حدود لها لمن صدق وتخلق بأخلاق الصادقين، وكان إماماً وقدوة في الخير قال تعالى (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ) [المائدة:119].
ولننشر فضيلة الصدق وخلق الصدق ونربي عليه أبنائنا وأهلينا ولنكثر من الدعاء (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً) [الإسراء:80].
والله أنه لن يُكتب لهذه أمة نجاة ولا فوز ولا سعادة إلا بالصدق، وأن العاقبة للصادقين، وأنهم ورثة جنة النعيم، ولذلك فإنهم يلهجون بحمد الله، ويثنون عليه عندما يجدون ما وعدهم ربهم فيقولون: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر: 74]..
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفها عنا سيئها إلا أنت.. هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.