المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | أسامة بن عبدالله خياط |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
حين يغلب الجهل بما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى وحين يقل العلم بما جاء به الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- من الحق تضل أفهام كثير من الناس وتلتاث عقولهم فيحيدون عن صراط الله، ويتبعون السبل؛ فتفرق بهم عن سبيله. فإذا كثير منهم يسارعون في الإثم والعدوان بالقول على الله بغير علم، وبنشر وإذاعة المنكر من القول والزور؛ استجابة لداعي الهوى، وعبادة للشيطان بطاعته فيما يزينه لهم هو وحزبه من مسالك، وما يدعوهم إليه من مناهج، وما يشيعه من مقولات وشعارات وطروحات ليس عليها أَثَارَةٌ من علم، فلم يدلَّ على صحتها كتابٌ ولا سنة ولا عمل من سلف الأمة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المسلمين، أحمده سبحانه والحمد حق واجب له في كل حين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرزاق ذو القوة المتين، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين ورحمة الله للعالمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن آله وصحابته أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واذكروا أنكم ملاقوه موقوفون بين يديه (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ: 40].
فالسعيد من أعد لهذا الموقف عدته متزودًا بخير زاد، سالكًا إلى الله كل وادٍ، كادحا إليه من كل طريق؛ مبتغيا إليه الوسيلة، راجيا منه القبول والمغرفة والرضوان.
عباد الله: حين يغلب الجهل بما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى وحين يقل العلم بما جاء به الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- من الحق تضل أفهام كثير من الناس وتلتاث عقولهم فيحيدون عن صراط الله، ويتبعون السبل؛ فتفرق بهم عن سبيله.
فإذا كثير منهم يسارعون في الإثم والعدوان بالقول على الله بغير علم، وبنشر وإذاعة المنكر من القول والزور؛ استجابة لداعي الهوى، وعبادة للشيطان بطاعته فيما يزينه لهم هو وحزبه من مسالك، وما يدعوهم إليه من مناهج، وما يشيعه من مقولات وشعارات وطروحات ليس عليها أَثَارَةٌ من علم، فلم يدلَّ على صحتها كتابٌ ولا سنة ولا عمل من سلف الأمة، وليس لها أيضاً من دنيا الواقع ما يسندها، ولا من ضرورات العصر ما يشدُّ عَضُدَها أو يصوِّب القولَ بها.
وإن في الطليعة من ذلك -يا عباد الله- ما دَأَبَتْ على محاربته بالإنكار له أو التشكيك فيه أو تحريفه عن وجهه الصحيح؛ فرقٌ وجماعاتٌ وأحزابٌ وتنظيماتٌ اتخذت من أصلٍ عقدي من أصولِ معتقدِ أهلِ السنةِ والجماعةِ: ميداناً لهذا الإنكار، ومضماراً للتشكيك، وساحةً للتحريف، والتلبيس الذي قلَّ نظيره.
وذلك هو وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، وحرمة الخروج عليهم، ونزع اليد من طاعتهم، معرضين عما جاء من أصول ذلك، وأدلته الواردةِ في آياتٍ مُحْكَماتٍ، وفي سُنَنٍ صَحِيحاتٍ صَرِيحاتٍ، وفي إجماعاتٍ لأئمةِ الهُدى ثابتاتٍ، عنهم موثقاتٍ.
عباد الله: لقد جاء الأمر بطاعة ولي الأمر المسلم في كتاب ربنا –سبحانه- واضحًا بينا لا لبس فيه حيث قال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59].
وأولو الأمر في الآية هم كما قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله- "هم الأمراء والولاة؛ لصحة الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة".
وهو قول الإمام أحمد -رحمه الله- وطائفة من العلماء.
واستدل ابن جرير لذلك بأنه "إن كان معلوما أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عدل، وكان الله قد أمر بقوله: (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) بطاعة ذوي أمرنا كان معلوما أن الذين أمر بطاعتهم –تعالى ذكره- من ذوي أمرنا هم الأئمة، ومن ولَّوه أمر المسلمين دون غيرهم، وإن كان فرضا القبول من كل آمر أمر بترك معصيته ودعا إلى طاعته.
غير أن لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهي إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعية" ا هـ .
ولقد جاء الأمر بذلك -يا عباد الله- في صحيح السنة بيّنا واضحا مثل فلق الصبح:
فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة"، والمراد بما أحب وكره أي ما وافق غرضه أو خالفه.
وفي صحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري -رحمه الله- بإسناده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة".
ومنها ما أخرجاه في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال: دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله" وقال: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان". والبواح هو الظاهر البادي الواضح الذي لا شك فيه.
وإن مما أمر به الشارع وحث عليه -يا عباد الله- حفظا لهذا الأصل، وصيانة له، وتعويدا للنفوس عليه: توقير ولي الأمر، وإجلاله، والحذر التام من كل ما يُفضي إلى الانتقاص من قدره والحط من شأنه والتأليب عليه.
قال بعض العلماء: "إذا كان الكلام في ولي الأمر بغيبة أو نصحه جهرًا، والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها، فلا شك أنه يجب مراعاة ذلك لمن استطاع النصيحة من العلماء الذين يَغْشَوْنَهم ويخالطونهم وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم.
فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضرورات الدين علنا، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ، وغير ذلك؛ ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم والله يتولى هداك" ا هـ.
فلا عجب إذًا أن يجعل أهل العلم هذا التوقير والإجلال لولي الأمر المسلم واجبًا على الرعية.
ووجه ذلك كما قال الإمام القرافي -رحمه الله-: "أن ضبط المصالح العامة واجب ولا ينضبط هذا الواجب إلا بتعظيم الأئمة في نفوس الرعية، ومتى اختلفت عليهم رعيتهم تعذرت المصلحة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
ألا فاستمسكوا يا عباد الله بهذا الأصل العظيم من أصول معتقد أهل السنة والجماعة، واقتدوا بسلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان في الالتزام بهذا النهج السديد؛ إذ به يسد باب التنازع والشقاق، وتأتلف القلوب وتتحد الكلمة، وتطفأ نار الفتنة، وتدرأ الشرور، وتكبت الأعداء، وترتد إليهم سهام مكرهم وكيدهم. ويستمر النماء، ويتصل الرخاء، وتحفظ الحوزة، وتعمر الديار، ويكثر الخير ويعم الأمن وينتشر السلام.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد فيا عباد الله: من جوامع الكلم النبوي وذخائر الهدي المحمدي حديث شريف أخرجه الإمام أحمد في مسند بإسناد صحيح عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه -رضي الله عنه- أنه قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيف من منى فقال: "نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرُبّ حامل فقه لا فقه له، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب المؤمن –أي: لا يحمل الغل ولا يبقى فيه من هذه الثلاث- إخلاص العمل، والنصيحة لولي الأمر"، وفي لفظ "وطاعة ذوي الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تكون من ورائهم"، وفي لفظ "تحيط من ورائهم" وهو حديث عظيم جامع لما به قوام الدين والدنيا وسعادة العاجلة والعقبى.
فهذه الخصال الثالث الواردة فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تجمع أصول الدين وقواعده، وتجمع الحقوق التي لله ولعباده، وتنتظم مصالح الدنيا والآخرة".
وبيان ذلك أن الحقوق قسمان؛ حق لله، وحق لعباده، فحق الله أن نعبده ولا نشرك به شيئًا. وحقوق العباد قسمان؛ خاص وعام، أما الخاص فمثل بر كل إنسان والديه، وحق زوجته وجاره، فهذه من فروع الدين؛ لأن المكلف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأن مصلحتها خاصة فردية.
وأما الحقوق العامة فالناس نوعان: رعاة ورعية، فحقوق الرعاة مناصحتهم، وعدم الخروج عليهم، وحقوق الرعية لزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلا باجتماعهم، وهم لا يجتمعون على ضلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله. فهذه الخصال تجمع أصول الدين" ا هـ -رحمه الله-.
فاتقوا الله عباد الله، واتخذوا من هذا الهدي النبوي خير عدة، وأحسن عتاد لنيل السعادة في الحياة الدنيا، وللظفر بالنعيم المقيم في روضات الجنات يوم القيامة.
وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله فقد أُمرتم بذلك في كتاب الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسوله محمد وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين، وألف بين قلوب المسلمين ووحّد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.