البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

في استقبال شهر رمضان (2)

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضائل شهر رمضان . .

اقتباس

لقد أظلكم شهر عظيم، وموسم كريم، شهر رمضان المبارك، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فأبعد الله من أدركه شهر رمضان فلم يغفر له، ما أعظم ما باء به من الخسران!

 

 

 

الحمد لله الذي منَّ على عباده بمواسم الخيرات، وتابع لهم بين مواسم مضاعفة الأجور وتكفير السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، هو الكبير المتعال المتفرد بالأسماء الحسنى وصفات الكمال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أعظم الناس عبادة، وأكملهم لله خشية، وأكرمهم خلقاً؛ فأعظِم من نبي حميد الخصال. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم خير صحب وأكرم آل.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم في سائر الأوقات، واشكروه على ما أنعم عليكم به من مواسم الخير والبركات، وما خصكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات، واغتنموا مرور الأوقات الشريفة والمواسم الفاضلة بعمارتها بالطاعات وترك المحرمات تفوزوا بطيب الحياة وتسعدوا بعد الممات.

عباد الله: لقد أظلكم شهر عظيم، وموسم كريم، شهر رمضان المبارك، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فأبعد الله من أدركه شهر رمضان فلم يغفر له، ما أعظم ما باء به من الخسران!

اللهم إنا نعوذ بك من الخسران يا رحيم يا رحمن، اللهم بارك لنا في بقية شعبان، وبلغنا رمضان، واجعلنا ممن يصومه ويقومه عن احتساب وإيمان، ويقوم ليلة القدر فتغفر له ذنوبه، وتصرف عنه عذاب جهنم، وتجعله من الفائزين بأعالي الجنان، وتحل عليه عظيم الرضوان.

أيها المسلمون: حدّث سلّمان الفارسي رضي الله عنه مرة فقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: " يا أيها الناس! قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء " ، قالوا: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ".

أيها المسلمون: انظروا -رحمني الله وإياكم- كم تضمنت هذه الخطبة النبوية الجليلة التي هي من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، حيث نبه المؤمنين على فضائل هذا الشهر المبارك، وندبهم فيها إلى العمل الصالح المبرور الذي وعد الله عليه بكريم الجزاء وأفضل الأجور، فكم اشتملت عليه من البشارة العظيمة بالعطايا الكريمة:

الأولى: أن العمل الصالح في ليلة القدر يثاب عليه الإنسان ثواباً لا يناله بعبادة عمر طويل من أطول أعمار الرجال، إذ يجاوز ثمانين سنة، فضلاً من ذي الكرم والجلال.

الثانية: أن ثواب خصلة الخير فيه من نوافل الطاعات يعدل ثواب الفريضة فيما سواه من الأوقات. فهنيئاً لذوي الهمم العاليات المسابقين إلى الخيرات.

الثالثة: أن ثواب الفريضة فيه يضاعف، حتى أن الإنسان يثاب على الفريضة فيه ثواب سبعين فريضة فيما سواه. فأبشروا يا عباد الله.

الرابعة: أنه شهر الصبر، يتحقق فيه للمؤمن الصبر بأنواعه الثلاثة: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على الأقدار المؤلمة، والصبر عن الأهواء المضلة، والصبر ثوابه الجنة، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
فإذا كان المحسن يثاب على إحسانه في سائر الأوقات الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فإن المحسن في رمضان يثاب على إحسانه بغير حساب، فما يعطيه الله فيه من الخير لا يدخل تحت عدّ ولا حساب، ولذا ثبت في الحديث القدسي الصحيح بقول الله تعالى: " كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به ".

والمعنى -والله أعلم- أن الله تعالى يجزي على الصيام جزاء خاصًّا يليق بشرف عبادة الصيام، وفضل شهر رمضان وكرم الكريم المنان، فلا يعلم إلا الله ما ادخر للصوّام من الثواب الكريم والنعيم المقيم، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان فيقول: " جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم " .

فاشكروا الله -أيها المسلمون- على ما أودع رمضان لكم من عظم الخصال، واستقبلوه أحسن استقبال، وعظّموه بالصيام والقيام، والتنافس في صالح الأعمال، وادخلوا دار الصوم راشدين، وعظموا أوامر رب العالمين، وإياكم أن تتحسروا للصيام أو تفطروا منه من كسب حرام، فإن ذلكم من دواعي رد الأعمال وموجبات الآثام، واعلموا أن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فلا يقبل صدقة من حرام ولا يستجيب دعاء آكله أو الداعي بإثم أو بقطيعة الأرحام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك النعيم يوم الغلبة والأمن يوم الخوف، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله فإن تقوى الله تقي مقته، وتقي عقوبته، وتقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، فاتخذوا تقوى الله تجارة يأتيكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الجنة لتزين من السنة إلى السنة لشهر رمضان، فإذا دخل رمضان قالت الجنة: اللهم اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك سكاناً. ويقلن الحور العين: اللهم اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً " وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فمن صان نفسه في شهر رمضان فلم يشرب فيه مسكراً ولم يرم فيه مؤمناً بالبهتان ولم يعمل فيه خطيئة زوَّجه الله كل ليلة مائة حوراء، وبنى له قصراً في الجنة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد، لو أن الدنيا جمعت فجعلت في ذلك القصر لم تكن فيه إلا كمربط عنز في الدنيا، ومن شرب فيه مسكراً ورمى فيه مؤمناً ببهتان وعمل فيه خطيئة أحبط الله عمله سنة " .

فاتقوا شهر رمضان؛ فإنه شهر الله، أن تفرطوا فيه فقد جعل الله لكم أحد عشر شهراً تنعمون فيها وجعل لنفسه شهر رمضان " يعني والله أعلم فعظموه بما يليق به، واجتهدوا فيه بما شرع، واغتنموا فضائله، واحذروا المعصية فيه فإن وزرها عظيم وإثمها كبير " .

فافرحوا بقدوم شهر رمضان، واستقبلوه بالتوبة والإحسان توفقوا للخير فيه، وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم بذلك مولاكم إذ خاطبكم بذلك خطاباً كريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.