القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - السيرة النبوية |
إن مَن سبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يضر إلا نفسه، غير أنا لو سب أحدٌ والدينا لاشتطنا غضبًا، فكيف بنبينا الذي هو أحب إلينا من أنفسنا وأمهاتنا وآبائنا ومن كل ما نملك؟! فلا بد أن يمتعض القلب ويظهر على الجوارح ما يثبت ذلك. والله كافٍ رسوله، ولكن ما هو دورنا في الدفاع عن نبينا عليه صلوات ربي وسلامه؟! أولاً وقبل كل شيء: أن ننكر هذا المنكر الشنيع، فأيّ منكر أعظم من نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقلوب لا تنكر ذلك هي قلوب ميتة خالية من الإيمان.
فإن أبي ووالده وعرضي | لعرض محمد منكم وقاء |
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: لقد خص الله هذه الأمة من دون سائر الأمم بأفضل رسول عرفته البشرية، حيث يقول عن نفسه -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال: "أنا سيد ولَد آدم يوم القيامة، وأول مَن يَنشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفَّع".
وهو صاحب المقام المحمود يوم القيامة، فآدم ومن دونه من الأنبياء تحت لواء نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
ومنذ أن بُعث -صلى الله عليه وسلم- وهو يرسم سيرة عطرة، يسير الناس عليها لرب العالمين، ولهذا قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21]، فضرب لنا أروع الأمثلة، ومن تلك الأمثلة صبره -صلى الله عليه وسلم- على الأذى في الله، ولو تتبعناها لطال بنا المقام، ولكنا سنعرض لبعض منها لنبيّن كيف نتصرف مع أعدائه بعد موته؟!
فالناظر في سيرته من أول ما جهر بالدعوة لله ناصَبَه الناس العداء، بل أقرب الأقربين له -صلى الله عليه وسلم-.
فهذا عمه أبو لهب يقول له على الملأ لما دعاهم للتوحيد: "تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟!".
ويمضي قُدُمًا -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة إلى الله، يعرض نفسه على القبائل في المواسم، يقول: من يحميني لأبلغ كلام ربي، ولا تزال المضايقات تلو المضايقات، حتى تكالبت الأحزان على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وزادت عليه همومه، وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، وعمه أبي طالب في عام واحد، فخديجة كانت خير ناصر ومعين له -بعد الله تعالى-، وعمه كان يحوطه ويحميه، ويحبه أشد الحب، وضاعف من حزنه -صلى الله عليه وسلم- أنه مات كافراً.
وتستغل قريش غياب أبي طالب فتزيد من إيذائها للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتضيَّق عليه، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنه كان يلاحق النبي -صلى الله عليه وسلم- في موسم الحج، وفي الأسواق يرميه بالحجارة، ويقول: "إنه صابئ كذاب"، ويحذر الناس من اتباعه، فضاقت مكة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واشتد به الحال، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبًا آخر في دعوته بتغيير المكان، علَّه أن يجد قبولاً، فاختار الخروج للطائف.
فعزم على الخروج إليها؛ راجياً ومؤملاً أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فخرج على أقدامه حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروج من مكة، وكان في صحبته زيد بن حارثة مولى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان بمثابة الحامي والحارس لرسول الله.
وبعد أن أمنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جميع السبل، وأخذ الحيطة والحذر، أقبل على الطائف، وكله أمل أن تكون أرض خير وإسلام، لكن كانت المفاجأة!!
بدأ -صلى الله عليه وسلم- بسادات القوم الذين ينتهي إليهم الأمر، فكلمهم عن الإسلام ودعاهم إلى الله، فردوا عليه ردّاً قاسياً، وقالوا له: اخرج من بلادنا، ولم يكتفوا بهذا الأمر، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة، فأصيب عليه الصلاة السلام في قدميه حتى سالت منها الدماء، وأصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الهم والحزن والتعب ما جعله يسقط على وجهه الشريف، ولم يفق إلا وجبريل قائم عنده.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا، قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟، فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا".
ولقد عزَّى الله -جل وعلا- نبيه بسورة تتلى إلى يوم القيامة، لما قال كفار قريش: إن محمدًا لا ولد له، ونسله كلهن بنات، فدعوه فسينبتر أمره بموته، فأنزل الله سورة الكوثر، فبشره بنهر يجري في الجنة، ويصب في حوضه اسمه الكوثر، وبشره بأن كل مبغض له أنه هو المنبتر فقال سبحانه (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر: 1- 3].
وكان هذا هو الواقع، فكل من سبَّه وعاداه من كفار قريش ومات على الكفر انبتر خبره ولو كثر عياله، وكانت هذه مزية للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قيام الساعة، والواقع شاهد بذلك.
بل أمّن الله نبيه من كل مستهزئ به فقال له: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر: 95].
وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس قال: "كان رجل نصراني، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فِعْل محمدٍ وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه" انتهى.
ولو أخذنا في تعداد القصص في ذلك لطال المقام، ولكن القليل يدل على الكثير.
اللهم عليك بمن سبَّ نبيك أو استهزأ به، يا قوي يا عزيز.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
عباد الله: لا نزال نسمع أقوامًا من الغربيين ممن مسخ الله قلوبهم وعقولهم يغيظون أهل الإسلام بسبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما قال سبحانه: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)[آل عمران: 118].
والله كافٍ رسوله، ولكن ما هو دورنا في الدفاع عن نبينا عليه صلوات ربي وسلامه؟!
- أولاً وقبل كل شيء: أن ننكر هذا المنكر الشنيع، فأيّ منكر أعظم من نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقلوب لا تنكر ذلك هي قلوب ميتة خالية من الإيمان.
فإن أبي ووالده وعرضي | لعرض محمد منكم وقاء |
- ثم على العبد أن ينكر ذلك بما استطاع، فالوالي بولايته، والخطيب في خطبته، والمعلم في مدرسته، والصحفي في جريدته كلّ بحسبه وقدرته.
- كما يجب على المسلمين التمسك بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والدعوة إليها وإنكار ما خالفها.
- نشر الكتب في بيان سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- إنشاء القنوات والبرامج التي تذبّ عن نبينا، وتصحح ما شوّهه الغرب بكذبهم في سيرته.
- استخدام قنوات التواصل الاجتماعي لنشر فضائله والذبّ عن عرضه.
- الدعاء على من سبّ نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: إن مَن سبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يضر إلا نفسه، غير أنا لو سب أحد والدينا لاشتطنا غضبًا، فكيف بنبينا الذي هو أحب إلينا من أنفسنا وأمهاتنا وآبائنا ومن كل ما نملك، فلا بد أن يمتعض القلب ويظهر على الجوارح ما يثبت ذلك.
اللهم عليك بأعداء الدين والرسول، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك.
اللهم أعز الدين وأهله، وانشر سنة نبيك في سائر البقاع، اللهم اغفر للمسلمين ...