القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المهلكات |
إن من أعظم صور فتنة المال أن يكون سبباً في معصية الله وارتكاب الكبائر والمحرمات .. فقد يقتل الإنسان، ويسفك الدماء بسبب المال، وقد يؤذي إنساناً آخر وقد يقطع الأرحام ويعق والديه بسبب المال، والأعظم من ذلك أن يبيع دينه ويوالي أعداء الأمة، ويتنازل عن قيمه ومبادئه، ويحرم نفسه الهداية والتوفيق والثبات والسير في ركب الصالحين بسبب المال، ماذا فعل المال من فتن ومصائب وكوارث في حياتنا؟! .. لقد ظهرت الصراعات، وقامت الحروب بين الأفراد والدول، وسُفكت الدماء ودُمرت المدن والقرى، وتشرد الإنسان، وظهرت بسبب فتنة المال وسائل الغش والتزوير والتحايل، وارتُكبت جميع المحرمات؛ كل ذلك سعياً وراء المال...
الخطبة الأولى:
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود..
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله: لقد تحدثت سورة الكهف عن الكثير من التوجيهات الربانية والقصص والحوادث والفتن والتي تقع حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، والهدف من ذكرها تربية النفوس وتزكيتها وأخذ الدروس والعبر والاتعاظ بمن سبق؛ حتى لا نكرر نفس الأخطاء ونستفيد من فرص النجاح والفوز والفلاح، وحتى تستقيم نفوسنا على الحق والخير والصلاح.
وقد تحدثنا عن فتنة الدين من خلال هذه السورة في قصة أصحاب الكهف .. في هذه السورة التي نقرأها كل يوم جمعة لأهميتها وفضلها .. عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق" (رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني) ..
والنور المذكور كما قال العلماء قد يكون نورًا معنويًّا يهديه ويمنعه من المعاصي والذنوب، وقد يكون نورًا حسيًّا يسطع يوم القيامة من تحت قدمه حتى يبلغ البيت العتيق في السماوات العلى ...
هذه الفتنة التي سنتحدث عنها فتنة المال .. هذه الفتنة التي قد تؤثر على دين المرء وعقيدته وأخلاقه وسلوكه وعلاقاته ومبادئه، بل من خطورتها أن تكون سبباً لهلاك أمم وشعوب وحضارات، بل إن الحروب والصراعات تقوم بسببه فقد جُبِلَت النفوس على حب المال والتعلق به والسعي لاكتسابه والحصول عليه ..
لكن الإسلام نظم العلاقات المالية، وسن القوانين والتشريعات، وحدد الحقوق والواجبات، ووجه الأنظار إلى حقيقة المال والمتاع، وكيف يُستخدم وما هي أغراضه؟ قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران:14].. وقال تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15] .. وقال تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر:20]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ" (رواه الترمذي: 2336، وصححه الشيخ الألباني).
وفي سورة الكهف ذُكرت فتنة المال في قصة صاحب الجنتين قال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا) [الكهف32-33] .. أيّ نعمة هذه!! .. منظر بديع وثمار يانعة وماء جارٍ .. الأصل بعد هذه النعم أن يكون هناك شكر للمنعم -سبحانه- لكن المال والمتاع بدون إيمان يصبح غروراً وتكبراً وترفاً ..
قال تعالى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) [الكهف 34]، ولم يكتفِ بهذا فقد أوردته فتنة المال أودية الهلاك وطرق الضياع وفتن حتى ظن أنه لن يموت، وهكذا المال يجعل النفوس تغفل الموت والدار الآخرة، قال تعالى: (ودخلَ جنتَهُ وهوَ ظالِمٌ لنفسِهِ قالَ ما أظنُّ أن تبيدَ هذهِ أبداً * وما أظنُّ الساعةَ قائمةً ولئِن رُدِدتُّ إلى ربي لأجدنَّ خيراً منها مُنقلباً) [الكهف 35-36] ..
بل ظن أن الله لما أنعم عليه في الدنيا وفرضاً كانت هناك آخرة فلابد أن ينعم عليه في الآخرة!, ولا تلازم بين هذا وذاك، بل هو سوء فهم وانطماس بصيرة ذلك أن الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسِّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة من نصيب ..
أيها المؤمنون: عباد الله: لقد أخذ صاحبه يذكّره بنعم الله عليه، ويعالج انحراف عقيدته وعلاقته بالمال، وبمن أنعم عليه، لكنه الغرور والكبر والغفلة عندما تستحكم على القلوب فتكون طريقاً للهلاك وسبباً للعقاب.. فبعد النعيم والمنظر البديع والثمار اليانعة والماء الجاري والبساتين الغناء .. فجأة بين عشية وضحاها تحول كل شيء وهلك كل شيء .. أين ذهب المال؟ .. أين الأتباع والعشيرة؟ قال تعالى: (وأحيطَ بثمرِهِ فأصبحَ يُقلِّبُ كفَّيهِ على ما أنفقَ فيها وهيَ خاويةٌ على عروشِها ويقولُ يا ليتني لم أشرِكْ بربي أحداً * ولم تكُن لهُ فِئَةٌ يَنصرونَهُ مِن دونِ اللهِ وما كان منتَصِراً) [الكهف42-43] ..
إن من مظاهر فتنة المال: عدم الاعتراف بالنعمة، وشكر المنعم -سبحانه-، وعدم أداء حقوق هذا المال من البذل والعطاء، فلا يَرى لله فيه حقًّا، ولا يستخدمه في تقديم النفع للعباد بإخراج زكاته، والإنفاق والتصدق بجزء منه، ويعتقد بأن هذه الأموال ما جمعها إلا بذكائه وحرصه ..
هذا قارون أنعم الله عليه بالمال والجاه وكثرة الأتباع، فتكبّر على الله، وظن أن ما حصل عليه من مال ومن كنوز الذهب والفضة إنما كان بسبب ذكائه وحنكته، فقال تعالى مبيناً عاقبة الغرور والكبر محذرًا كل مسلم ومسلمة من عواقبه: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص 76- 77].
فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه....( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) [القصص: 81] ..
واليوم ماذا فعل المال من فتن ومصائب وكوارث في حياتنا؟ .. لقد ظهرت الصراعات وقامت الحروب بين الأفراد والدول وسُفكت الدماء ودُمرت المدن والقرى، وتشرد الإنسان، وظهرت بسبب فتنة المال وسائل الغش والتزوير والتحايل، وارتُكبت جميع المحرمات؛ كل ذلك سعياً وراء المال .. بل عُطلت فرائض الدين، وطُمست القيم، وسمعنا بالأيمان الفاجرة، وشهادة الزور، وخيانة الأمانات، والرشوة، وفسدت كثير من الأخلاق، وانتشرت الكثير الانحرافات والمنكرات، وضاعت الأخوة، واشتعلت نيران العداوة والشقاق والاختلاف والفُرقة والتقاطع والحسد..
قال -صلى الله عليه وسلم-: "فَوَ اللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ". (البخاري: 2988)..
عباد الله: وإن من أعظم صور فتنة المال أن يكون سبباً في معصية الله وارتكاب الكبائر والمحرمات .. فقد يقتل الإنسان، ويسفك الدماء بسبب المال، وقد يؤذي إنساناً آخر، وقد يقطع الأرحام ويعق والديه بسبب المال، والأعظم من ذلك أن يبيع دينه ويوالي أعداء الأمة، ويتنازل عن قيمه ومبادئه، ويحرم نفسه الهداية والتوفيق والثبات والسير في ركب الصالحين بسبب المال ..
خرج الأعشى بن قيس من اليمامة من نجد وكان شيخاً كبيراً وشاعراً يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- راغباً في دخول الإسلام، مضى على راحلته مشتاقاً للقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل كان يسير وهو يردد في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً :
ألَمْ تَغتَمِضْ عَيناكَ لَيلَة َ أرْمَدَا | وبت كما بات السّليمَ مسَّهدَا |
ألا أيهذى السائلي أين يممت؟ | فإن لها في أهل يثرب موعدا |
فَآلَيْتُ لا أرْثي لهَا مِنْ كَلالَة ٍ | ولا منْ حفًى حتى تزورَ محمّدا |
نبي يرى ما لا ترون وذكرُه | أغار لعمري في البلاد وانجدا |
أجدِّك لم تسمع وصاه محمد | نبيِّ الإله حيث أوصى وأشهدا |
إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى | ولا قيت بعد الموت من قد تزودا |
ندمت على أن لا تكون كمثله | وأنك لم ترصد لما كان أرصدا |
وما زال يقطع الفيافي والقفار.. يحمله الشوق والغرام .. إلى النبي عليه السلام .. راغباً في الإسلام.. ونبذ عبادة الأصنام.. فلما كان قريباً من المدينة اعترضه بعض المشركين فسألوه عن أمره؟ .. فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليسلم.. فخافوا أن يسلم هذا الشاعر.. فيقوى شأن النبي -صلى الله عليه وسلم-.. فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم الأفاعيل.. فكيف لو أسلم شاعر العرب الأعشى بن قيس..
فقالوا له: يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك. قال: بل دينه خير وأقوم.. قالوا: يا أعشى إنه يحرم الزنا.. قال: أنا شيخ كبير ما لي في النساء حاجة.. فقالوا: إنه يحرم الخمر .. فقال: إنها مذهبة للعقل مذلة للرجل، ولا حاجة لي بها، فلما رأوا أنه عازم على الإسلام.. قالوا: نعطيك مائةَ بعير، وترجع إلى أهلك وتترك الإسلام، قال: أما المال فنعم .. فجمعوها له فارتد على عقبيه.. وكرَّ راجعاً إلى قومه بكفره.. واستاق الإبل أمامه فرحاً بها مستبشراً .. فلما كاد أن يبلغ دياره.. سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات .. قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ) [النحل107- 109] ..
بارك لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: وهناك حقائق ينبغي الوقوف عندها ونحن نتحدث عن فتنة المال منها: أن الإسلام لم يحرم المال والغنى، ولا السعي في طلبه، ولكنه حذر من عدم القيام بشكر هذه النعمة أو أن يكون مكتسباً من حرام، أو أن يُستعمل في ما لا يحب الله ولا يرضى من الأعمال، أو أن لا تؤدى زكاته لمن يستحقها. قال -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ للعبد الصَّالِحِ" (صححه الألباني في مشكاة المصابيح: 3756) ..
ولم يمنع الإسلام أن يتمتع المرء بماله دون إسراف أو كبر أو غرور.. بل دعا الإسلام إلى عمارة الأرض في جميع مجالات الحياة، ومن وسائل ذلك السعي لكسب المال والاستفادة من خيرات الأرض وخيرات السماء ..
ومنها: أن الأرزاق مقدرة كمًّا وكيفًا، وما على الإنسان إلا أن يبذل السبب ويرضى بما قسم الله له، ولن يستطيع أحد أن يأخذ من رزقك شيئاً أراده الله، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فلا خوف على الرزق؛ لأنه بيد الله .. قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" (السلسلة الصحيحة: 2866).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت" (حسنه الألباني: 950)..
فلماذا الصراع والحروب والمشاكل والتنافس على هذه الدنيا الفانية؟ ولماذا الخوف الذي يقود إلى الجبن والضعف والتنازل من أجل مال أو رزق قد ضمنه الله لك ... قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ ! تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ" (السلسلة الصحيحة: 1359)..
عباد الله : إن الباقيات الصالحات من الأعمال هي كهف النجاة من فتنة المال، والنظر إلى ما عند الله من أجر وثواب يوم القيامة خير وأبقى، ولذلك لفتت هذه السورة الأنظار إلى فتنة المال، وحقيقة الحياة الدنيا بما فيها من مال ومتاع بقوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف:45-46] ..
إنه متاع زائل وزينة لا تدوم ولا يبقى ولا ينفع إلا العمل الصالح من صلاة وصيام وصدقة وحج وذكر وقراءة للقرآن وبذل المعروف وكف الأذى..
وانظروا إلى الفتية أصحاب الكهف لم تنسيهم الفتنة الأكل الحلال والمال الحلال فعندما قاموا من نومهم بعثوا أحدهم سراً إلى المدينة ليأتيهم بأزكى طعام قال تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) [الكهف19]..
فلنصلح ما فسد من أحوالنا وليعفُ بعضنا عن بعض، ولننفق مما جعلنا الله مستخلفين فيه من مال أو متاع، ولنتذكر القدوم على الله بالاستعداد والعمل والإخلاص ..
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، ونعوذ بك من فتنة المال وذل السؤال .. اللهم يسر حسابنا ويَمّن كتابنا وأحسن ختامنا.. هذا وصلوا وسلموا على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. والحمد لله رب العالمين..