البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. ما هية الحزن .
  2. آثار الحزن .
  3. مراتب الحزن .
  4. وسائل مقاومة الهموم والأحزان .
  5. فوائد المحن والآلام .
  6. الأسباب التي تدفع الهموم والأحزان .

اقتباس

والمؤمن لا تخلو حياته من الهموم والأحزان التي تكدّر عليه عيشته وتنغص عليه لذته، ومع ما في ذلك من تكفير للسيئات ورفعة للدرجات فإن فيها فوائد أخرى. من أهمها: أنها تدفع المؤمن للجوء إلى الله والانكسار بين يديه والتضرع إليه، فيحصل بذلك للقلب من الراحة والطمأنينة واستشعار القرب من الله عز وجل...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وما كان معه من إله، لا إله إلا هو، فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، وقضى ألا نعبد إلا إياه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج :62]، أحمدك يا رب وأستعينك وأستغفرك وأستهديك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، جل ثناؤك، وعظم جاهك، ولا إله غيرك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

عباد الله: لا شك أن الهموم والأحزان ضيفان ثقيلان على الإنسان في دنياه لا يكادان يفارقانه؛ حتى يأذن الله -سبحانه- له بدخول الجنة التي لا حزن فيها ولا ألم، ولا هم و لا غم، ولا كرب و لا ضيق... لذلك فإن من أول دعاء أهل الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34].

أيها الإخوة: والحزن: هو افتقاد السرور، وملازمة الكآبة، لتأسف على فائت، أو توجع لممتنع. والحزن في جانب من جوانبه هو بلية من البلايا التي نسأل الله كشفها ودفعها، وهو من عوارض الطريق، وليس من مقامات الإيمان، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتّب عليه جزاءً ولا ثواباً، بل نهى عنه في غير موضع كما قال -سبحانه-: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل:127].

ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من الهم والحزن، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كثيرًا ما يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ" [البخاري (2893)].

وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- معاني السعادة الدنيوية الكاملة في تلك الأمور التي ذكرها في هذا الحديث والتي هي في الحقيقة منغّصات حياته ومسببات حزنه وضيقه، وهي: الهم: وهو ضيق الصدر الذي سببه ما يظنه المرء ويتوقعه مستقبلاً، والحزن: وهو الضيق الذي سببه ما يفكر فيه المرء مما مضى، والعجز: وهو عدم قدرة الآلة والجوارح عن القيام بما يأمله الإنسان ويطمح إليه، والكسل: وهو القعود عن المعالي والركون إلى الراحة وعدم السعي وبذل الجهد لتحقيق المطالب، والجبن: وهو العجز عن الشجاعة والإقدام، والبخل: وهو العجز عن الجود بالمال في الزكاة والإيثار.

والهم والحزن قرينان، وهو الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يُستقبل فهو الهم. فالحزن يُضعف القلب، ويُوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن كما قال -سبحانه-: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة:10].

أيها الإخوة: والحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه ثواب المصائب التي يبتلى بها العبد بغير اختياره كالألم والمرض ونحوها، وأما أن يكون الحزن عبادة مأمور بها فلا، ولكن يحمد في الحزن سببه، ومصدره، ولازمه، لا ذاته.

فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره في طاعة ربه وعبادته، وإما أن يحزن على تورطه في مخالفته ومعصيته، وضياع أيامه وأوقاته؛ وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه، وعلى حياته، حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه. ولو كان قلبه ميتاً لم يحس بذلك، ولم يحزن، ولم يتألم، فما لجرح بميت إيلام.

وأخص من هذا الحزن حزن العبد على جزء من أجزاء قلبه، حين يكون خالٍ عن محبة الله، وحزنه على جزء من أجزاء بدنه كيف هو منصرف في غير محابّ الله؟ ويدخل في هذا الحزن كل معارض يشغل العبد عن ربه سواء أكان خاطر، أو إرادة، أو شاغل من خارج.

فهذه المراتب من الحزن لا بدَّ منها في الطريق، ولكن الكيس لا يدعها تتملكه وتقعده، بل يجعل عوض فكرته فيها فكره فيما يدفعها به، فإن المكروه إذا ورد على النفس، فإن كانت صغيرة اشتغلت بفكرها فيه، وإن كانت نفساً شريفة كبيرة لم تفكر فيه، بل تصرف فكرها إلى ما ينفعها، فإن كان منه مخرج منه فكرت في عبودية الله فيه، وإن كان ذلك عوضاً لها من الحزن فلا فائدة في الحزن أصلاً.

عباد الله: ومن عرف الله أحبه ولا بدّ، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبداً كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر -رضي الله عنه- في الغار وحكاه الله في القرآن: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40].

فمعرفة الله تعالى جلا نورها كل ظلمة، وكشف سرورها كل غمة، وزال بها كل حزن، وحصل بها كل فلاح وسعادة، قال أحد الصالحين: عجبت لمن بُلي بالضر، كيف يذهل عنه أن يقول: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83] والله تعالى يقول بعدها: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء:84].

وعجبت لمن بُلي بالغم، كيف يذهل عنه أن يقول: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، والله تعالى يقول بعدها: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88].

وعجبت لمن خاف شيئاً، كيف يذهل عنه أن يقول: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173]، والله تعالى يقول بعدها: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 174].

وعجبت لمن كُوبد في أمر، كيف يذهل عنه أن يقول: (سَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) [غافر:44]، والله تعالى يقول بعدها: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) [غافر:45].

وعجبت لمن أنعم الله عليه بنعمة خاف زوالها كيف يذهل عنه أن يقول: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا) [الكهف:39].

رأى إبراهيم بن أدهم رجلاً مهمومًا فقال له: "أيها الرجل إني أسألك عن ثلاث تجيبني، قال الرجل: نعم. فقال له إبراهيم بن أدهم: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟ قال: كلا. قال إبراهيم: أفينقص من رزقك شيء قدره الله لك؟ قال: لا. قال إبراهيم: أفينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟ قال: كلا، فقال له إبراهيم بن أدهم: فعلام الهم إذن؟!".

وكيف نظر الإسلام لعلاج الهموم والأحزان؟ الحقيقة التي يجدر أن نشير إليها هنا هي أن العلاج القرآني بكل درجاته ومقاييسه لم يكن سريرياً؛ بل علاجاً تحريضياً إيحائيًّا للفرد يدفعه إلى التقوى والإيمان بربه وتوثيق حبل علاقته به، كما يدفعه الى التوكل عليه واليقين بقدرته -سبحانه- والتسليم بالقضاء والقدر واليقين في أثر الدعاء والمناجاة للخالق -سبحانه-.

أيها الإخوة: يرى العلماء أن ثمة مناعة قرآنية شرعية مضادة للأحزان، وأنها بين أيدينا غير أننا نذهل عنها في أحيان كثيرة، فإن أهمية العلاج النفسي القرآني يتمثل في كونه البديل المناسب لمئات من أنواع الأدوية والعقاقير المهدئة، التي قد يتعود عليها الجسم فتكون مرضاً أدهى وأمر من المرض الأصلي ذاته، ولربما تتدهور الحالة النفسية ليصل حاله إلى أعلى درجات الحزن وفراغ الفؤاد والهلع والخوف، فالمنهج القرآني هو منهج عملي متكامل وشفاء لأمراض الجسد والنفس، وبصائر من الله -سبحانه- يهدي به من يشاء إلى صراط مستقيم.

فعلى الإنسان أن يصبر، وأن يستعين بالدعاء والابتهال لله تعالى، وعليه أن يتفاءل، ويأخذ الأمور ببساطة ويسر؛ فحياتنا الدنيا على اسمها "دنيا" لا يثبت فيها حال الإنسان بل يتقلب فيها بين ما يحبه وما يكرهه.

أيها الإخوة: إن التقوقع على النفس باحتضان الآلام والآهات أكبر مرتع للشيطان، وأخصب مكان لتكاثر هذه المنغصات، وإن التطلع للحياة السعيدة والنظر لجوانب الفأل فيها لمن دواعي الأنس والارتياح، ومن المعلوم أن هذه الدنيا مزيج من الراحة والنصب، والفرحة والحزن، والأمل والألم؛ فلماذا يُغلِّب الإنسان جانبها القاتم على جانبها المشرق المتألق؟!

ومن المعقول أنه لو لم يغلب المرء جانب التفاؤل والاستبشار فلا أقل من أن ينظر إليها بعدل واتزان. فما دام الإنسان يعيش في هذه الدنيا فلا بد أن تصيبه الهموم والأكدار والأحزان، فتلك طبيعة الحياة الدنيا:

طُبعت على كدر وأنت تريدها

صفواً من الأقذاء والأكدار

ومكلف الأيام غير طباعها

متطلب في الماء جذوة نار

ولهذا لما سئل بعضهم: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم في الجنة. أما قبل ذلك فيتقلب المرء في أحوال مختلفة، قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد:4].

ولا شك أن القلوب تتفاوت في الهموم بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان، فهي على قلبين: قلب هو عرش الرحمن، ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان، فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم.

وبقدر ما يكون الإنسان مقبلاً على الله بقدر ما يفيض عليه من الأُنس والراحة ما لا يعلمه إلا الله، وهذا ما أفصح عنه القرآن الكريم، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً...) [النحل:97].

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌ أَوْ حَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: "أَجَلْ، لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ" [السلسلة الصحيحة للألباني:199].

ومن طرائف علاج الهموم والأحزان ما ذكره الدكتور جاسم المطوع يقول: "كلما رأيت شخصًا مهمومًا أو حزينًا أيًّا كان حزنه بسبب مشكلة عائلية أو خسارة مالية أو مرض ألم به أو عزيز فقده أنصحه بقراءة سورة يوسف، وقد نصحت شخصًا بها وبعد يومين جاءني وقال لي: والله ما كنت أتوقع أن قراءة سورة يوسف تعالج همي وحزني.

فقلت له: عندما أعطيتك هذه الوصفة العلاجية أنا كنت متأكدًا، هل تعرف لماذا؟ قال: لماذا ؟ قلت: لأن الله تعالى أنزلها على النبي الكريم في عام الحزن عندما توفيت زوجته وعمه وهما كانا أكبر داعمين لدعوته فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما قرأها يشعر بالراحة وقد خففت من مصابه وقللت من همه وحزنه. فقال لي: سبحان الله أول مرة أعرف هذا. قلت له: ثم أن سورة يوسف فيها مشاكل كثيرة واجهت يوسف -عليه السلام- واستطاع أن ينجح في التعامل معها.

قال: وما هي هذه المشاكل؟ قلت: فيها مشاكل سياسية وأخرى مشاكل اقتصادية وكذلك مشاكل تربوية ومشاكل نسائية ومشاكل إعلامية، وكذلك فيها مشاعر كثيرة منها مشاعر المظلوم وكيف يتعامل مع الظلم ومشاعر الغدر ومشاعر الخيانة ومشاعر الحزن ومشاعر الهم وفيها ثمرة الصبر وثمرة تفريج الكرب وثمرة الإيمان وثمرة النصر وثمرة الفرح، فأيًّا كانت مصيبتك وأيًّا كانت مشاعرك فإنك ستجد نفسك بالسورة...".

عباد الله: إن الدنيا دار الهموم والغموم والحزن والنصب، والهم والحزن يفتكان بالإنسان ويذهبان بصحته وعافيته؛ كما قال تعالى حكاية عن يعقوب -عليه السلام-: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف:84]، أي ذهب بصره من شدة حزنه على يوسف وأخيه. ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الهم والحزن.

وذهاب الهم والحزن نعمة من أعظم نعم الله -عز وجل-، ولذا قال تعالى حكاية عن أهل الجنة لما دخلوها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) [فاطر:34-35].

أيها الإخوة: والمؤمن لا تخلو حياته من الهموم والأحزان التي تكدّر عليه عيشته وتنغص عليه لذته، ومع ما في ذلك من تكفير للسيئات ورفعة للدرجات فإن فيها فوائد أخرى:

من أهمها: أنها تدفع المؤمن للجوء إلى الله والانكسار بين يديه والتضرع إليه، فيحصل بذلك للقلب من الراحة والطمأنينة واستشعار القرب من الله -عز وجل- ما لا يمكن وصفه.

وأيضا فإن هذه المنغصات تجعل المؤمن يعرف حقارة الدنيا فيزهد فيها، ولا يركن إليها، ويقبل على الآخرة على بصيرة؛ لأنها خير وأبقى، إذ لا هم فيها ولا حزن، كما قال -سبحانه-: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) [فاطر:34-35]، فما أعظم هذه الفائدة لمن عرف حكمة الله تعالى فيها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدرًا، وأحاط بكل شيء خبرًا، أحمده -سبحانه- وأشكره، نعمه علينا تترى، أسبل علينا من رحمته سترًا، وأفرغ علينا بفضله صبرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، خُصَّ بالمعجزات الكبرى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أيها الإخوة: هناك بعض الأسباب التي تدفع بها الهموم والغموم والأحزان والمصائب لمن أحسن استعمالها، ومن ذلك ما يلي:

الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]، وصح عن صهيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وان أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" [مسلم(2999)].

فرح المسلم بما يحصل له من الأجر العظيم والثواب الجزيل؛ جزاء صبره واحتسابه على ما يصيبه من هموم الدنيا ومصائبها؛ فقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" [البخاري:5641]، وفي رواية أخرى لمسلم: "ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط بها عنه خطيئة".

فيعلم المسلم أن ما يصيبه من هموم وغموم إنما هو تكفير لسيئاته وتكثير لحسناته. قال أحد السلف: "لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس".

ومن أسلحة العبد في مقاومة الأحزان: سلاح الدعاء؛ فإنه علاج نافع لدفع الهم والغم قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186]، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من الهم والحزن، روى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك ّقال: كنت أخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول: يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ" [البخاري:2893].

ولا ينبغي للعباد أن يغفلوا عن التوكل على الله، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3] أي: كافيه من كل شيء من أمر الدنيا والآخرة.

ومن كاسحات الهموم: قراءة القرآن بتدبر فإنه ربيع القلوب ونور الصدور وجلاء الأحزان، وذهاب الهموم والغموم، والشفاء لجميع الأمراض البدنية والقلبية، قال تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) [فصلت:44]، وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء:82]، فمن قرأ القرآن بتدبر وإقبال ذهبت عنه الهموم والغموم، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

ومما يعين على التخفف من البلاء والحزن: معرفة حقيقة الدنيا وأنها فانية متاعها قليل، وما فيها من لذة فهي مقدرة لا تصفو لأحد، إن أضحكت قليلاً أبكت طويلاً، وإن أسرت يسيراً أحزنت كثيراً قال تعالى: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140]. وروي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" [مسلم:2956].

وجاء من حديث أبي قتادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر عليه بجنازة فقال: "مستريح ومستراح منه". قالوا: يا رسول الله! ما المستريح والمستراح منه؟!. قال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" [البخاري: 6512) ومسلم (950)]، فهذا المعني الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهون عليه المصائب والهموم؛ لأنه يعلم أن ذلك من طبيعتها.

أيها الإخوة: إن هموم الدنيا وغمومها تشتت النفس وتفرق شملها، فإذا جعل العبد الآخرة همه جمع الله له شمله وقويت عزيمته؛ فعن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع الله له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق الله عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر الله له" [ابن ماجه:4105، وصححه الألباني].

أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، وأن يحسن لنا الختام، وألا يتوفانا إلا وهو راضٍ عنا، الله ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيمًا.