البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الشيطان قاطع طريق

العربية

المؤلف الخضر سالم بن حليس اليافعي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الحذر من الكيد الإبليسي والمكر الشيطاني .
  2. هل ينام إبليس؟ .
  3. أهم أسلحة الشيطان .
  4. أثر الإخلاص في كيد الشيطان .
  5. وجوب الحذر من اتباع خطوات الشيطان .

اقتباس

إن تبين صور الكيد الإبليسي والتأمل في المكر الشيطاني أمرٌ من الأهمية بمكان؛ من أجل النظر في سبيل الخلاص وطريق النجاة.. إبليس قاطع طريق، يمارس أسلحته الثلاثة: التزيين، الإغواء، والتحريش من أجل إضلال الإنسان ..

الحمد لله...

(يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27].

إن تبين صور الكيد الإبليسي والتأمل في المكر الشيطاني أمر من الأهمية بمكان من أجل النظر في سبيل الخلاص وطريق النجاة.

إبليس قاطع طريق، كما وصفة الله سبحانه: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:17]، من كلِّ جهة سأقطع عليهم السبيل، (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أشكِّكهم في الآخرة، [وَمِنْ خَلْفِهِمْ] أرغِّبهم في الدنيا. (وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ) بالحسنات (وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ)، بالسيِّئات. سأفعل كلَّ ما أستطيع من كلِّ جهة. فهو يبذل جهده، ويكيد كيده للإنسانيَّة، حتى يُضلَّهم عن سبيل الله.

سُئل الإمام الحسن البصري: هل ينام الشيطان؟ قال: لو نام لاسترحنا. يعمل ليل نهار، وصيف شتاء، وفي كلِّ وقت، مُخلصٌ لمهمَّته إزاء الإنسان، وإضلال الإنسان.

إن الشيطان يمارس أسلحته الثلاثة: التزيين، الإغواء، والتحريش من أجل إضلال الإنسان، (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر: 39].

أما سلاح التزيين: يُزِّين للإنسان السُّوء، ويُجمِّله له، ويُحبِّبه فيه حتى يراه حَسَنًا: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا) [فاطر:8]، يُزيِّن له المعاصي والقبائح، والشّرك والنفاق والفضائح، وكلُّ معاصي القلوب الجوارح.

وبعض الناس – للأسف - يَغُرُّهم تزيين الشيطان كقوم سبأ: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) [النمل:24].

يُزيِّن الباطل ويُبرزه في صُورة الحق، يُزَيِّن المنكر حتى يصبح معروفًا، ويزين الشر حتى يرى خيرا، ويُزيِّن المعصية حتى يُغْري الناس بها، ولا يشبعوا منها أبدًا، لأنَّ المعاصي كلَّما ازددتَ منها شربًا ازددتَ لها عطشًا.

إن الشيطان بسلاح التزيين أشبه ما يكون بمصور بارع يجيد تحسين التصور وتزويقها وقلب الحقائق وتنميقها.

إنه يقف من وراء المعصية فيزينها في أبهى صورة وأجمل عاقبة قال لآدم: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) [طه:120]. ما أجملها من صورة رسمها لأبينا آدم لكنها في حقيقتها المعصية (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) [طه:121].

وزين للأمم السابقة ما صنعوه فرسم لهم لوحة صرفتهم عما جاءهم من الحق: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [النحل: 63] فالله يقسم أن الشيطان هو الذي زين للأمم السابقة أعمالها.

فمن الذي زين لعاد حتى قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]، ومن الذي زين لثمود حتى (اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) [فصلت: 17]، (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت: 38].

وهذا هو السلاح الوحيد الذي كان الشيطان -ولا يزال- يسلكه لإضلال العباد، فهو يظهر الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، ولا يزال بالإنسان يحسِّن له الباطل، ويكرهه بالحق، حتى يندفع إلى فعل المنكرات (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) [فاطر: 8].

وأما سلاح الإغواء: فالشيطان يغوي البشر في الأرض، قال: (لَأُغْوِيَّنهم)، فالإغواء أن يفسدَ خُلق الإنسان، أن يَسُوء خُلُقه، فكأنَّ التزيين يتعلَّق بالجانب الفكري، زَيَّن للناس أفكار السُّوء، ومفاهيم السُّوء، وبدع السُّوء، ونظريات السوء. التزيين يتعلَّق في بالجانب الفكري، والإغواء يتعلَّق بالجانب العملي، فأفسد عليهم أفكارهم، وأفسدَ عليهم أعمالَهم، هذا هو إغواء الشيطان: (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر: 39].

وأما سلاح التحريش: عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم». رواه مسلم.

إن الشيطان رضي من المسلمين في هذه الجزيرة بالخلافات والعداوات والأحقاد في قلوبهم، رضي بذلك واكتفى به؛ لأنه يئس أن يعبدوه.

نعم انه التحريش بينهم: سلاح الشيطان المدمر، وقوته الضاربة، ومحوره القوي، وقد نجح فيه بنسب كبيرة.

نبّه القرآن إلى خطر أن تستجيب الأمة إلى هذا التحريش الذي يمزّقها ويقسمها حين قرن بين عذاب مهلك ينزل بالصواعق من السماء أو بالزلازل من الأرض، وبيّن فرقة الأمة وانقسامها. قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65].

عندما تُذيق الأمة بعضها بأس بعض يكون الشيطان قد أنجز مهمته، وحقق بالتمام غايته؛ فما من جريمة ترتكب إلا كان للشيطان فيها نصيب من إغواء أو تزيين أو تحريش فجريمة القتل التي تمزق الأمة ويستعلي فيها الأقوياء على الضعفاء من صنع الشيطان وتحريشه (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) [القصص: 15].

خطرٌ أن تتحول الأمة إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف، والذين يغترّون بقوتهم هم خاسرون يوم القيامة، في غضب الله وناره. قال عليه الصلاة والسلام: «يجيء المقتول آخذًا قاتله وأوداجُه تشخب دمًا عند ذي العزة، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني. فيقول: فيم قتلتَه؟ قال: قتلتُه لتكون العزة لفلان. فيقول الله للقاتل: تعستَ. ويُذهب به إلى النار».

انظر إلى طموح الشيطان وعُلوِّ همَّته في التَّزيين والإغواء، والتحريش. لم يقل: أُضل مليونًا ولا مليونين ولا عشرة ملايين. بل قال: (لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر: 39]. يشتغل مع البشر جميعًا، أبيضهم وأسودهم، عربهم وعجمهم، شرقيِّهم وغربيِّهم، كبارهم وصغارهم، رجالهم ونسائهم، أغنيائهم وفقرائهم، حكَّامهم ومحكوميهم، (ولَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).

(إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: 40] يقول الإمام الرازي: إن إبليس لم يرضَ أن يكون كاذبًا، فيدَّعي أنه يضلُّ الناس جميعًا، فاستثنى (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، فإبليس نفسه لم يُرِد أن يكون كذَّابًا، الذين أبصروا الحق واضحًا ورفعوا رؤوسهم وأيديهم إلى السماء قائلين: (واهدنا إلى سواء السبيل) فهؤلاء لا أستطيع أن أغويهم، (الْمُخْلَصِينَ) والإخلاص تصفية العمل من كلِّ شائبة، نقيا من أي غرض من الأغراض أو غاية من الغايات.

الإخلاص سرٌّ فطُوبى لمَن صحَّت له خُطوة لا يريد بها إلا وَجْه الله عزَّ وجلَّ. هذا ما قاله إبليس، (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ولَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ). فبماذا ردَّ الله تعالى عليه؟ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: 41]. إن الشيطان لا يملك السلطة الكاملة على الإنسان إلا من رضي أن يكون عبدا له، مستجيبا لوسوسته،مطيعا لأوامره، منقادا لجميع طلباته.

(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم:22]، دعوتكم فاستجبتم لي فقط.لأنَّ الذي اتَّبع إبليس، اتَّبعه باختياره، ولم يقهره إبليس على شيء، دَعَاه ووسوس له ورغَّبه في السيئات، وَثَبَطه عن الحسنات فاستجاب له.

(وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا) [النساء: 38]. إن أسوأ ما يصنعه الشيطان أن يصد قرينه عن سبيل الحق، ثم لا يدعه يفيق ولا يستبين، بل يوهمه أنه سائر على الطريق المستقيم حتى يُفَاجَأ بالمصير الأليم؛ (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) [الأعراف: 30].

فحذار حذار من سبل الشيطان ومسالك ضلاله وتزيينه وإغوائه وتحريشه. ولنكن ممن قال الله فيهم (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201] في آخر اللحظات تذكروا قبل فوات الأوان تذكروا فإذا هم مبصرون (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ) [الأعراف: 202].

الخطبة الثانية:

لم ترد.