الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | عبدالمحسن بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
في بلد الله الأمين يؤدي المسلمون ركناً من أركان الدين لا يقام إلا في تلك البقاع، أكرم الله من وفد إليها بالأمن والأمان، وامتد أمنه إلى النبات في الأرض؛ فلا يُعضد شجره ولا يختلى خلاه، وإلى الطير في السماء فلا ينفر، وإلى الصيد من البهائم فلا تقتل، وإلى المال الضال فلا تلتقط لُقطته إلا لمنشد، وأكرمه -سبحانه- بطيب المآكل والمشارب فيه ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
أيها المسلمون: يوالي ربُّ العالمين آياته على عباده؛ ليعظموه في النفوس، ويفردوا أعمالهم له بالعبادة.. آياتٌ في الزمان في شهر الله الحرام، وعِبَرٌ في مكان في بلد الله الحرام، قال -عز وجل-: (..يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ..) [الرعد: 2].
في بلد الله الأمين يؤدي المسلمون ركناً من أركان الدين لا يقام إلا في تلك البقاع، أكرم الله من وفد إليها بالأمن والأمان، وامتد أمنه إلى النبات في الأرض؛ فلا يُعضد شجره ولا يختلى خلاه، وإلى الطير في السماء فلا ينفر، وإلى الصيد من البهائم فلا تقتل، وإلى المال الضال فلا تلتقط لُقطته إلا لمنشد، وأكرمه -سبحانه- بطيب المآكل والمشارب فيه.. (.. أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57].
أمن ورخاء لتؤدى العبادات فيه بذل لله وخضوع وخشوع، قال ابن كثير -رحمه الله-: "بلد أمين، وحرم معظم آمن منذ وُضِع".
دعا إبراهيم ربه أن يحج الناس إلى هذا الوادي الجدب الذي لا زرعَ فيه فاستجاب الله دعاءه، ولبَّى الخلائق نداءه فوجاً بعد فوج، وقرناً بعد قرن.. (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً..) [البقرة:125].
بيت أُسِّس على التقوى والإيمان، من أراده بكيد أهلكه الله.. (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)؟ [الفيل: 1].
ومن همَّ بتبديل ما بُني عليه من التوحيد إلى الشرك أو الظلم والأهواء عاجلته العقوبة.. قال -سبحانه-: (..وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25، قال ابن كثير -رحمه الله-: "من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي فيه الشر إذا كان عازماً عليه وإن لم يوقعه، والعمل يقبل ويعظم بالإخلاص".
أظهر الله لعباده أعمال أبيهم إبراهيم من بناء البيت الحرام؛ إيماء بأنه لا يبقى من الأعمال إلا ما أُريدَ بها وجه الله.. قال ابن القيم -رحمه الله-: "والأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب".
وليس الشأن في العمل فحسب، إنما الشأن في حفظ الأعمال بعد العمل مما يفسدها ويحبطها من المراءاة أو حب الثناء، أو إرادة الدنيا بها، أو فعل السيئات بعدها.. قال -جل شأنه-: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ..) [النحل: 92].
في الحج تتلاشى فواصل الأجناس واللغات، والأقطار والألوان، ويظهر ميزان التقوى والإيمان...(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]..
ودع الحجيج عرفات يوماً مشهوداً من حجهم، لبسوا الإحرام فيه لله تذللا، ولبوا فيه له توحيدا، ووضعوا بين يدي الكريم حاجاتهم، ورجوا تفريج كرباتهم وتحقيق مناهم، والله -سبحانه- وهاب رزاق قدير لا يخيب من رجاه، ولا يرد سؤال من دعاه.. (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..) [غافر: 60]، ثم أشرق عليهم وعلى المسلمين أعظم أيام العام.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر"؛ أي اليوم الثاني من أيام العيد رواه أبو داود، قال ابن رجب -رحمه الله-: "عيد النحر هو أكبر العيدين وأفضلهما".
ومما يزيد المسلمين بهجةً اجتماعُ عيدين في يوم واحد؛ فالجمعة عيد صلوات الأسبوع، والأضحى عيد أداء نسك الحج فعل ذلك اليوم حرمة وفضلا، ومن صلى العيد أجزاه عن صلاة الجمعة ولكن يجب عليه أن يصلي ظهرا، ومن صلى العيد والجمعة فهو أفضل وأكمل.
والله أمر رسوله -عليه الصلاة والسلام- أن يشكر ربه على إعطائه الكوثر بالصلاة والنحر، وشرع الله للجميع في يوم عيد الأضحى وثلاثة أيام بعده في الليل أو النهار التقرب إليه بذبح الأضاحي، ولا بأس من الاقتراض لشراء الأضحية.
والمعصية تكدر صفو اللحظات؛ فليحذر المسلم من فعل المحرم في أيام العيد وغيرها من المعازف أو التبرج، أو الاختلاط أو الإسراف، وكل يوم لا يعصي المسلم ربه فيه فهو عيد له.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليماً مزيداً.
أما بعد: أيها المسلمون: من عفا عن من ظلمه علا، ومن حلم على من أخطأ عليه عظُم، والعفو والتسامح من أمارات النبلاء، وتمام فرحة العيد بترك الهجران بين الإخوة، ونبذ الخلاف بين الأصحاب، ونسيان الزلات بين الأرحام، وتصافي النفوس على المحبة والرضا؛ ليكون العيد على الجميع عيداً ظاهراً وباطناً، يلتقون فيه على البشر والابتسامة، والتهنئة والوئام والصفاء والدعاء.. قال جبير بن نفير -رحمه الله-: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك"، فأظهروا محاسن الأخلاق ومكارم الفضائل، وكلوا من هديكم وتصدقوا، وافرحوا بفضل الله عليكم بنعمة الإسلام ومواسم الخيرات، واحرصوا على اغتنامها بأنواع الطاعات والقربات.. (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]، واسألوا الله المزيد من فضله يحقق لكم ما أملتم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]..
اللهم صلِّ وسلِّمْ على نبينا محمد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدلون -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك ياأكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم من أرادنا أو أراد ديارنا بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، وألقِ الرعب في قلبه. اللهم سلِّم الحجاج والمعتمرين. اللهم اجعل حجهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا يا ربَّ العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء.. أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا هدم، ولا غرق ولا بلاء.
(رَبَّنا ظَلَمْنا أنفُسَنا وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين) [الأعراف: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
اللهم وفق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك ياذا الجلال والإكرام.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يَزدْكم، (ولَذِكْرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون).