البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1439هـ (وصايا وتوجيهات)

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. وصايا وتوجيهات من خطبة الوداع .
  2. للدم والمال والعرض حرمة عظيمة .
  3. وجوب استخدام وسائل الاتصال الحديثة استخداما صحيحا .
  4. رحمة الإسلام بالحيوان وبعض مظاهر ذلك .
  5. بعض الوصايا للنساء .

اقتباس

احرص أن تنادي الآخرين بأحب الأسماء إليهم، وكن صادقا في تحيتك لهم، وبادِر بها مع الابتسامة وصافحهم عند اللقاء، كن مصغيًا جيدًا لمن يحدثك وأَقْبِلْ عليه بكليتك، تعامَلْ مع الناس بالرفق واللين ولا تغضب فإنها وصية رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَوِّدْ نفسك ألَّا تتدخل بما لا يعنيك فمِن حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه...

الخطبة الأولى:

الحمد لله كثيرًا والله أكبر كبيرًا، الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا، الله أكبر عز سلطانُ ربنا، وعمَّ إحسانُ مولانا، خلَق الجنَّ والإنس لعبادته، وعنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، الله أكبر عدد ما هلَّلَ المهلِّلون وكبَّر المكبرون، الله أكبر عددَ ما أهَلَّ الحُجَّاجُ والمعتمرون، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا...

والحمد لله الذي سهَّل لعباده طُرُق العبادة ويسَّرَ، والحمد لله الذي تابع بين مواسم العبادة لتشيَّدَ الأوقات بالطاعة وتعمر، وأشكره على فضله وإحسانه وحقَّ له أن يُشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله انفرد بالخَلْق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدَّر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل مَن تعبَّد لله وصلى وزكَّى وحج واعتمر، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آَلِهِ وأصحابِه نِعْمَ الصحبُ والمعشرُ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله -تعالى- واعرفوا فضله عليكم بهذا العيد السعيد، وهو يوم الحج الأكبر، عيدٌ امتلأت القلوب به فرحا وسرورًا، وازدانت به الأرض بهجة ونورًا، يوم يخرج المسلمون فيه بالأمصار إلى المصلى لربهم حامدين معظمين وبنعمته مغتبطين فلله الحمد رب العالمين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..

أيها الإخوة: في مثل هذا اليوم وقف رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جماهير المسلمين بمِنًى يخطبهم ويقرر تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا -أَوْ ضُلَّالًا- يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟" هذا (لفظ مسلم)، وعند (البخاري): أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟"، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنها الوصية لأمته.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة: لقد أكد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا اليوم العظيم والموقف والمجمع العظيمين في حجة الوداع تحريم هذه الأشياء الثلاثة: الدم، والمال، والعِرْض، بعد أن قررهم بعظمة الزمان والمكان، وقرَن بينها قرانًا لا انفصام بعده إلى يوم القيامة، بنص محكَم صريح، فمن الذي أباح لأولئك الضُّلَّالِ الخارجين على الأمةِ وسلطانِها دماءَ المسلمين يريقونها بغيًا وعدوانًا؟!

ومن الذي أباح لهم أموالَ المسلمين العامةِ والخاصةِ يتلفونها؟!

ومن الذي أباح لهم أعراض العلماء وولاة الأمر، ينتهكونها؟!

إنه الضلال ولا شيء غيره.. نعوذ بالله من أحوالهم..

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..

أيها الإخوة: ما سلَف ذِكره من انتهاك للدماء والأموال والأعراض بتلك الصورة لا يفعله -بفضل الله- إلا شرذمةٌ من الناس قد مكَّن اللهُ مِن كثير منهم وهم في زوال وإلى زوال -إن شاء الله-.

وفي هذا الزمان جدَّت وسائل حديثة لانتهاك أعراض المسلمين تعدت حديثَ المجالس إلى ما يسمَّى بالإعلام الجديد؛ من "التوتر والسناب شات والفيس بوك والاستقرام والواتس آب" وغيرها مما يَعمل عبر شبكة الإنترنت أو غيرها من الوسائل.

نقول لهؤلاء: اعلموا أن الكتابة أو الحديث أو نقل الأخبار غير الصحيحة عبر هذه الوسائل لا يُخرج الفاعلَ عن دائرة الاعتداء على الأعراض، ويُوقعه بالغيبة أو البهتان أو إشاعة الفاحشة أو الباطل أو الاستهزاء أو السخرية وغيرها من الأعمال المحرمة التي حرمها الدين، بل غلظ في التحريم قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور:19]، قال السعدي -رحمه الله-: "(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) أي: الأمور الشنيعة المستقبَحَة المستعظَمَة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي: مُوجِع للقلب والبدن؛ وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟، وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه".

ألا فليتق الله أولئك الكُتَّاب سواء منهم مَن صرَّح باسمه أو اسْتَرَرَ باسم رمزي وهمي غريب رضيه لنفسه به، وليتذكروا قول الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:18]، وقوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ)[الانفطار: 10-11]، يوم يقال للخلائق: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية: 29].

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ" (رواه أبو داود، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وصححه الألباني). وَرَدْغَةَ الْخَبَالِ: "عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"، كما فسَّرَها رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

عجبا لهم! ثم عجبا لهم! كيف لهم أن يطلبوا الحِلَّ مِن كل من اغتابوه أو بهتوه أو سخروا منه؟! بل كيف يستحلون مجتمعًا أشاعوا فيه الفاحشة وسَعَوْا بإفساده علموا أم لم يعلموا! هيهات.. هيهات. وأنى لهم التناوش من مكان بعيد.

أيها الأحبة: متى نرتقي بخطابنا النقدي عن الهمز واللمز والافتراء، والتشفي والحسد، ومتى تكون هذه الوسائل أياديَ بِناءٍ وصلة ونشر للفضيلة والدعوة للخير والعلم النافع.. لنسمو بالأمة إلى مدارج التطوُّر والرقي.. لا أن تكون هذه الوسائل معاول هدم أو مضيعة للأوقات بلا فائدة.. أسأل الله -تعالى- أن يتحقق ذلك عاجلا غير آجل.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..

أيها الأحبة: في هذه الساعة المباركة يرمي حجاج بيت الله الحرام جمرة العقبة مكبِّرين لله ومعظِّمين، ثم ينصرفون إلى ذبح هداياهم لله متقربين فهنيئا لهم ذلك وتقبل الله منا منهم. أما بقية أهل الأمصار فقد شرع اللهُ لهم صلاة العيدِ ليقيموا ذِكْرَه، ثم يذبحون ضحاياهم على اسم الله مكبرين.

ومن السُّنَّة أن يذبح الإنسان أضحيتَه بنفسه إن أمكن، وإلا فليحضر ذبحها.

أيها الإخوة: لقد سما هذا الدينُ بالتعامل حتى مع الحيوان، فقد جمع أهل العلم مجموعة من الآداب سموها آداب الذكاة.

نذكر منها: رحمة البهيمة، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ فَأَرْحَمُهَا، أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا، قَالَ: "وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا، رَحِمَكَ اللَّهُ" (رواه البخاري بالأدب المفرد وغيره عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، وصححه الألباني).

ومنها: الإحسان إلى الذبيحة وسرعة الذبح وإعداد السكين إعدادًا جيدًا قبل الذبح، قَالَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" (رواه مسلم، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

وأَضْجَعَ رَجُلٌ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحُهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟! هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا" (رواه الحاكم والطبراني بالأوسط عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وصححه الألباني). "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِّ الشِّفَارِ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ: "إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ" (رواه أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وصححه الألباني)؛ يَعْنِي: فَلْيُسْرِعِ الذَّبْحَ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ بِالذَّبِيحَةِ عِنْدَ ذَبْحِهَا.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..

أيها الأحبة: وأيام التشريق أيام أكل وشرب وذِكْر لله ونحر للأضاحي، ومن الذِّكْر المشروع التكبير المقيد عقب الصلوات المفروضة للرجال والنساء، فبعد قول المصلِّي: أستغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام.. يأخذ بالتكبير ما يشاء ثم يعود إلى الذِّكْر المشروع، وينتهي عصر يوم الثالث عشر، ويُشرع التكبير في كل وقت؛ فقد كان السلف يداومون عليه في هذه الأيام العظيمة استجابةً لأمر الله؛ حيث قال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ..)[البقرة:203]، قال السعدي: "الأَيَّام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد، لمزيتها وشرفها، وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها، ولكون الناس أضيافًا لله فيها، ولهذا حرَّم صيامها، وللذكر فيها مزية ليست لغيرها، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" (رواه مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)".

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..

أيها الأحبة: العيد في الإسلام مَظْهَر من مظاهر الدِّين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حِكَمٍ عظيمة ومعانٍ جليلة وأسرارٍ بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.

افرحوا بعيدكم وأَظْهِرُوا السرورَ فيه بما أباح اللهُ، فالفرح بالعيد من الأعمال التي نؤجر عليها؛ لأنها من شعائر الدين التي يفعلها المسلمون حتى وإن كانوا في معاناة أو ترقب محنة.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..

أيها الأحبة: الحياة مجموعة من التعاملات بين الناس، وحُسْن التعامل بينهم مطلب إنسانيّ جمعه الغربيون حين رأوا الحاجة الماسَّة إليه وسمَّوه مهارات الاتصال الفعَّال والعلاقات الإنسانية، ولو ذهبت تستقري مفردات تلك التعاملات الراقية التي يدعون إليها لوجدت أن ديننا الإسلامي قد حثَّ عليها ودعا لها، بل ويتميز المسلم عن غيره إذا أحسن التعامل بأن الله يُثيبه عليه ويوفِّقه لما هو أفضل منه من الأخلاق، ولعلي أشير إلى شيء من ذلك مستمدًا من تعاليم ديننا الإسلامي: احرص أن تنادي الآخرين بأحب الأسماء إليهم، وكن صادقا في تحيتك لهم، وبادِر بها مع الابتسامة وصافحهم عند اللقاء، كن مصغيًا جيدًا لمن يحدثك وأَقْبِلْ عليه بكليتك، تعامَلْ مع الناس بالرفق واللين ولا تغضب فإنها وصية رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَوِّدْ نفسك ألَّا تتدخل بما لا يعنيك فمِن حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه، كن سمحًا واقبل والعذر وإن كان أقل مما تريد، لا تُكثر التشكيَ فيملَّك الناسُ وتقع في المحذور، لا تُعامِلِ الناسَ باحتقار واستعلاء؛ فالمسلم أخو المسلم وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه، أَدْخِلِ السرورَ على قلوب إخوانك تَحُزْ حبهم ورضا ربك، ابتسم ثم ابتسم ثم ابتسم فأنت بالابتسامة أجمل، وهي لغة صامتة يفهم منها الآخرون أنك تحبهم وتحترمهم.

قَالَ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. (رواه البخاري ومسلم).  واعلم أن الآخرين لا يستطيعون قراءة ما يدور في ذهنك إلا أنهم يقرؤون لغة الجسد؛ ولذلك نهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن التدابر.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الأخوات:  كان من هدي النبي تخصيص النساء بحديث خاص يوم العيد، ولن أطيل في موعظتكن، لكن حسبي منها هذانِ الحديثانِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ" (رواه أحمد، وابن حبان عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وقال الألباني: هو حسن لغيره)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ" (رواه النسائي، والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وصححه الألباني).

أسأل الله بمنه وكرمه أن يُعيد علينا هذا العيد أعواما عديدة ونحن بصحة وعافية وأمتنا بأمن وأمان وعز وتمكين إنه جواد كريم.