البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

موعظة وتذكير بحاجة المسلم إلى ما يقدمه لغيره

العربية

المؤلف عبدالله بن حسن القعود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. الحكمة من خلق الإنسان   .
  2. موعظة الموت   .
  3. (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)   .
  4. لا ينفع الميت إلا عمله   .
  5. الأمر الهام الذي ينبغي العناية به والحرص عليه .

اقتباس

وجهوا أنفسكم دائماً لذلك وألزموها وعظوها وذكروها بآثارها ونفعها عند الله -سبحانه-، ذكروها بأن الموت قد لا يمهلها لتعمل ما تنوي عمله, فقد يكون أقرب إليها وقت التفكير فيه من شراك نعلها, أو حبل وريدها، وأنها سوف لا تنتقل معها إذا انتقلت إلى الآخرة, بما شيدته في هذه الدنيا من قصور، ولا بما جمعته فيها من أموال, ولا بما ولته فيها من ولاية...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، أحمده -سبحانه- خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فإن الله جلت قدرته, وتعالت أسماؤه بحكمة بالغة وقدرة باهرة, أوجدنا في هذه الدنيا من عدم, أوجدنا فيها لا للدوام والبقاء, ولكن للموت والفناء (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26، 27].

لدوا للموت وابنو للخراب 

فكلكم يصير إلى تباب

فما من نفس في هذه الدنيا إلا وهي ذائقة الموت, مهما طال عمرها, أو عظم شأنها, أو كثر مالها وولدها, (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [العنكبوت:57], وإن الله -سبحانه وتعالى- قد أعلمنا بسر هذا الإيجاد وحكمته في هذه الدنيا الفانية, وما يتطلبه الانتقال منها بعد إلى الآخرة الباقية بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذريات:56-58].

وقوله في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم -رحمه الله- عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه -تبارك وتعالى- قال: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني, يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئاً, يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد, فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي, إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وإنه ليجدر بالعاقل الذي علم أنه أوجد في هذا الكون لحكمة, وأنه سيموت بعد هذا الإيجاد, ولا يدري في أي أرض أو في أي ساعة يموت، وأنه سوف لا ينفعه ويصحبه إذا انتقل من هذا العالم الدنيوي الفاني, إلى ذلكم العالم الأخروي الباقي, إلا ما قدمه في حياته من أعمال بر وخير وهدى؛ أن ينظر دائماً نظر المستزيد إلى ما قدمه لغده، إلى ما ينفعه عند الله ما دام حياً سوياً قادراً صحيحاً شحيحاً, يخشى الفقر ويأمل الغنى امتثالاً لأمر الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر:18] (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) [النبأ:40] (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197].

وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم تبعه ثلاثة: ماله وأهله وعمله, فيرجع اثنان المال والأهل, ويبقى واحد وهو العمل"، "إذا مات ابن آدم قالت الملائكة: ما قدم وقال الناس: ما أخر". وقوله: "من ماله أحب إليه من مال وارثه" قالوا: كلنا ماله أحب إليه من مال وارثه. قال: "مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر".

فاتّقوا الله -أيها المسلمون- وأطيعوا الله فيما أمركم به من تقواه، أطيعوه فيما أمركم به من النظر إلى ما قدمتم وتقدمونه لغدكم, أطيعوا الله فيما أمركم به من المسارعة والمسابقة في الأعمال الصالحة والاستزادة منها، ووجهوا أنفسكم دائماً لذلك وألزموها وعظوها وذكروها بآثارها ونفعها عند الله -سبحانه-، ذكروها بأن الموت قد لا يمهلها لتعمل ما تنوي عمله, فقد يكون أقرب إليها وقت التفكير فيه من شراك نعلها, أو حبل وريدها، وأنها سوف لا تنتقل معها إذا انتقلت إلى الآخرة, بما شيدته في هذه الدنيا من قصور، ولا بما جمعته فيها من أموال, ولا بما ولته فيها من ولاية, ولا بشيء مما التذت به فيها من متاع الحياة, ولو جمع لها فيها ما ذكر في قول الله -سبحانه-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران: 14].

ولكنها ستنتقل وحيدة بالحالة التي خرجت على الدنيا بها من بطن أمها، مخلفة لما جمعت فيها من أموال مكدساً وراءها، يتقدمها إلى الآخرة حسابه وإثمه إن كانت آثمة فيه, (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) [الأنعام:94] وإن الشأن في هذه الدنيا ليس هو تحصيل شيء من متاع الحياة, حتى لو جمع للإنسان فيها ما جمع, ولكن الشأن كل الشأن, والأمر الهام الذي ينبغي أن تمتزج العناية به والحرص عليه بلحم الإنسان ودمه، هو أن يوفق الإنسان في هذه الحياة لعمل صالح, يكون سبباً لنجاته وزحزحته من النار, وفوزه برضى الله ورضوانه، يوم أن توافيه المنية التي كتبها الله عليه بقوله -سبحانه- (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران:185].

وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم,

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأَشْهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، شهادةً أَرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثَر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله, صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأَصْحابه وأتباعه, وسلَّم تسليماً كثيراً.

أَما بعد:

فيا أيُّها النَّاس: اتّقوا الله حقَّ تُقاته، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، واعلموا أن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذّ عنهم شذ في النَّار، وصلّوا على أَكرم نبي وأعْظم هادٍ فقد أمركم الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنَفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر أصحاب رسولك وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين, ودمِّر أعداء الدين, وانصرُ عبادك الموحِّدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات, وأَلِّف بين قلوبهم, وأَصلح ذات بينهم, وانصرهم على عدوّك وعدوهم, واهدهم سبل السلام.

اللهم أصلح ولاة أُمور المسلمين؛ اللهم أَرِهم الحق حقا وارزقهم اتّباعه، والبَاطِلَ باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهمَّ ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكِّرهم إذا نسوا وتعينهم على نوائب الحق؛ يا ربّ العالمين.

اللهمّ أَقم علَم الجِهاد، واقمع أَهلَ الشِّرك والزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد.

اللهم إِنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنّا في أوطاننا, واستعمل علينا وعلى سائر المسلمين في كل زمان مكان من يخافك ويتّقيك يا ذا الجلال والإِكرام.

اللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوُّل عافيتك وفجأةِ نقمتك وجميع سخطك.

ربنا اغفرْ لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنَّك رءوف رحيم. ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهاب.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النَّار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلَّكم تذكَّرون. فاذكروا الله عظيم الجليل يذكُرْكم، واشكروه على نعمه يزدْكم ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.