الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | محمد بن عدنان السمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
في رمضان مجال واسع لترتقي بعلاقتك بالقرآن الكريم, ففي الصلوات الجهرية المفروضة تسمع القرآن, وفي التراويح والقيام تسمع القرآن, وهناك متسع من الوقت في المساجد والمنزل أن تقرأ القرآن, وأن تحفظ شيئاً من القرآن, وأن تتدبر القرآن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين ،الرحمن الرحيم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -إخوة الإسلام- واعلموا أنكم في شهر التقوى, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
عباد الله: من أعظم النعم التي امتن الله بها على أمة الإسلام في مثل هذا الوقت؛ نعمة صيام شهر رمضان, فالحمد لله الذي بلغنا هذا الشهر العظيم, وإنها -والله- نعمة من الله تعالى تستحق الشكر, يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر, كم من مستقبل يوما لا يستكمله, ومؤمل غدا لا يدركه, إنكم لو أبصرتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره".
معاشر الصائمين: لو تأملنا التعريف الشرعي للصيام لوجدنا أن أهل العلم عرفوه بأنه التعبد لله -سبحانه وتعالى- بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
فالصيام إذاً تعبد وعبادة لله -سبحانه- وهذا الأمر أعظم مقاصد رمضان, قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183], فأنت -يا أخي المسلم- تترك الطعام والشراب والشهوة؛ تعبدا لله ومراقبة له -سبحانه وتعالى-, كان بإمكانك أن تأكل أو تشرب دون أن يراك أحد من البشر, لكنك تترك ذلك خوفاً من الله ومراقبة له.
لهذا استحق الصائمون أن يُكرموا من ربنا بالمنة الكبرى كما في الحديث القدسي الصحيح: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" فالصوم عمل خفي لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى- فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر ويراها الناس, أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد وبين ربه -عز وجل- ولهذا يقول: "الصوم لي وأنا أجزي به, إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي" وكونه ترك شهوته وطعامه من أجل الله بحيث لا يعلم ذلك إلا الله -سبحانه وتعالى-, بخلاف الصدقة مثلًا والصلاة والحج والأعمال الظاهرة, هذه يراها الناس أما الصيام فلا يراه أحد.
هذا المعنى العظيم -معاشر الأكارم- يقودنا لمراقبة الله تعالى في كل وقت وفي كل حين, فمن استطاع في ساعات ولمدة شهر كامل أن يترك المفطرات تعبداً لله ومراقبة له؛ فهو قادر بإذن الله أن يدع سائر المحرمات في جميع أيام العام تعبداً لله ومراقبة له, ومن يستعن بالله يوفقه ربه لكل خير.
معاشر المسلمين: إن هذا المعنى الجليل أعني معنى التعبد لله في رمضان يقودنا إلى التأكيد على مفهوم العبودية لله والانقياد له بالطاعة, والناظر للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قدوتنا وأسوتنا يجد للعبادة المكان الأسمى في هذا الشهر الكريم شهر رمضان.
معاشر المسلمين: وإذا كان عبادة الصيام في رمضان هي أجل العبادات وأعلاها منزلة ففي الصحيحين قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ", إذا تأكد ذلك فليعلم أنه في رمضان جملة من العبادات تتأكد فيه.
إن من أعظم العبادات في رمضان الإقبال على القرآن تلاوة وحفظاً وتدبراً ومدارسة, فقد ربط الله تعالى في كتابه الكريم بين صوم رمضان والقرآن الكريم, فقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185], وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1].وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) [الدخان: 3].
ووصف لنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- حال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع القرآن في رمضان فقال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ, وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ, وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ, فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
فانظر -وفقك الله- إلى نفسك وفي حالك مع القرآن, وكم من الوقت الذي تمضيه في قراءة القرآن وتدبره, واعلم أنه بقدر قربك من القرآن الكريم يكون قربك من ربك -تبارك وتعالى-, يقول عثمان -رضي الله عنه-: "لو سلمت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم".
في رمضان مجال واسع لترتقي بعلاقتك بالقرآن الكريم, ففي الصلوات الجهرية المفروضة تسمع القرآن, وفي التراويح والقيام تسمع القرآن, وهناك متسع من الوقت في المساجد والمنزل أن تقرأ القرآن, وأن تحفظ شيئاً من القرآن, وأن تتدبر القرآن.
إن اقبال المسلم على القرآن عبادة جليلة تزيد في حسناته الشيء الكثير, عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها, لا أقول ألم حرف, ولكن ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف" [رواه الترمذي].
يا له من فضل كبير من الرحيم الرحمن أن يكون لك بالحرف الواحد الذي تقرأه من القرآن عشر حسنات فـ (آلم) فيها ثلاثون حسنة, فكيف بمن يقرأ أكثر وأكثر حسنات مضاعفة وأجور كبيرة (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 26].
اللهم اجعلنا من أهل القرآن, وانفعنا وارفعنا بالقرآن, أقول ما سمعتم, واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه, إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وعد المتقين بجنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أعلى شأن من اتقاه, وأجزل لهم المثوبة والأجر، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله ومن تبع ملتهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها الصائمون: ونحن نتحدث عن التعبد لله في رمضان؛ فإن من أعظم العبادات في رمضان عبادة صلاة الليل أو ما يسمى بصلاة التراويح والقيام, قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام, وجهاد بالليل على القيام, فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب". ولقد بشر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين أنه "مَنْ قامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
وينبغي على المسلم أن يحرص على قيام رمضان في جماعة, والبقاء مع الإمام حتى يتم الصلاة, فإنه بذلك يفوز بثواب قيام ليلة كاملة, وإن كان لم يقم إلا وقتاً يسيراً من الليل, والله تعالى ذو الفضل العظيم, في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي ذَرّ -رضي الله عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" [رواه الترمذي].
معاشر الأكارم: إن صلاة التراويح مع جماعة المسلمين فيها من الخير والأجر ما قدمنا, بالإضافة أن فيها مصالح كثيرة من اجتماع المسلمين على الخير واستماعهم لكتاب الله وفيها التعبد لله بالصلاة والركوع والسجود والذكر والدعاء والتضرع لله تعالى.
إن هذا الجمع المبارك يحظون بأجور مضاعفة, إنهم يرجى أن يكونوا ضمن الموصفين بما وصف الله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 36- 38].
ومن البشائر التي يحظون بها ماجاء في الحديث المخرج في الصحيحين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ- مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ" [رواه البخاري ومسلم].
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا...