البحث

عبارات مقترحة:

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الزواج

العربية

المؤلف صالح بن مقبل العصيمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ظاهرة مخيفة لا تبشر بالخير .
  2. عزوف الشباب عن الزواج .
  3. حث الإسلام على الزواج وتيسير سبله .
  4. تعسير بعض الأسر للزواج .
  5. بعض وسائل تقليل العنوسة في المجتمع .
  6. الحث على تقليل المهور والاقتصاد في الحفلات. .

اقتباس

مَعَ تَكَدُّسِ الْبَنَاتِ فِي الْبُيُوتِ، وَعُزُوفِ بَعْضِ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ، وَارْتِفَاعِ أَرْقَامِ الْعُنُوسَةِ وَالْعُزُوبَةِ، فِي الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَدَاعَى أَهْلُ الْغَيْرَةِ عَلَى مَحَارِمِهِمْ وَمَحَارِمِ المُسْلِمِينَ لِإِيجَادِ حُلُولٍ عَمَلِيَّةٍ لِأَدْوَاءِ الْعُنُوسَةِ وَالْعُزُوبَةِ؛ فَإِنَّ المُؤْمِنَ الْحَقَّ مَنْ يَشْعُرُ بِمُعَانَاةِ الْعَوَانِسِ، وَمُعَانَاةِ آبَاءٍ وَأُمَّهَاتٍ تَكَدَّسَتْ بَنَاتُهُم عِنْدَهُم، وَبِمُعَانَاةِ شَبَابٍ عَاجِزِينَ عَنْ مَئُونَةِ النِّكَاحِ. وَمِنْ وَسَائِلِ ذَلِكَ: تَغْيِيرُ نَظْرَةِ بَعْضِ فِئَاتِ المُجْتَمَعِ تُجَاهَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ الَّتِي شَوَّهَتْهَا المُسْلَسْلَاتُ وَالْأَفْلَامُ، وَكِتَابَاتُ بَعْضِ أَدْعِيَاءِ الْفِكْرِ وَالثَّقَافَةِ...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إنَّ الحمدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ-عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ الله، ظَاهِرَةُ امْتِلَاءِ الْبِيُوتِ بِالْفَتَيَاتِ، وَعُزُوفِ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ؛ ظَاهِرَةٌ مُخِيفَةٌ، لَا تُبَشِّرُ بِخَيْرٍ، وَلَا تُنْتِجُ إِلَّا شَرًّا، وَلَا تَقُودُ إِلَّا إِلَى فِتْنَةٍ قَدْ تُصِيبُ الشَّبَابَ وَالْفَتَيَاتِ بِالْإِثْمِ، وَتَأْتِي عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ بِالهَمِّ وَالْغَمِّ، وَعَلَى المُجْتَمَعِ بِالتَّرَهُّلِ وَالشَّيْخُوخَةِ، وَقِلَّةِ النَّسْلِ وَالِانْحِلَالِ، كَمَا وَقَعَ فِي المُجْتَمَعَاتِ الْغَرْبِيَّةِ، الَّتِي عَزَفَ رِجَالُهَا وَنِسَاؤُهَا عَنِ الزَّوَاجِ وَاِكْتَفَوا بِالصَّدَاقَاتِ.

عِبَادَ الله، لَا يَجُوزُ الْعُزُوفُ عَنِ الزَّوَاجِ؛ لِأَنَّ العُزُوفَ عَنْهُ خِلَافٌ لسُنَنِ المُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَمُنَاقِضٌ لِلْفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ، -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ المُفْضِي لِتَرْكِ الزَّوَاجِ، مَعَ أَنَّ المُتَبَتِّلَ مُنْقَطِعٌ لِعِبَادَةِ اللَّـهِ -تَعَالَى-، لَا يُرِيدُ أَنْ يَشْغَلَهُ عَنِ الْعِبَادَةِ زَوْجٌ وَلَا وَلَدٌ، فَكَيْفَ بِمَنْ عَزَفَ عَنِ الزَّوَاج لِغَيْرِ التَّبَتُّلِ؟! وَلمَّا بَعْضُ الصَّحَابَةِ الْعُزُوفَ عَنِ الزَّوَاجِ؛ قَالَ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "...أَمَا وَاللَّـهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّـهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَالْفَتَيَاتُ لَا يَنْبَغِي لَهُنَّ التَّشَرُّطُ فِيمَنْ يُرِدْنَ أَزْوَاجًا لَهُنَّ مَعَ كَثْرَتِهِنَّ حَتَّى امْتَلَأَتِ الْبُيُوتُ بِهِنَّ؛ فَلْتَرْضَ بِمُسْتَقِيمِ الدِّينِ وَالْخُلُقِ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مَسْتُورًا، وَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِأُخْرَى أَوْ أُخْرَيَاتٍ، فَأَنْ تَنَالَ نِصْفَ رَجُلٍ، أَوْ ثُلُثَهُ، أَوْ رُبْعَهُ؛ خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تَعِيشَ بِلَا زَوْجٍ وَلَا وَلَدٍ، وَمِنْ عِزّ المَرْأَةِ فِي الدُّنْيَا أَوْلَادُهَا؛ فَإِنَّهُمْ أُنْسُهَا وَمُتْعَتُهَا، وَعَوْنٌ لَهَا فِي شَدَائِدِهَا، وَنَفْعُهُمْ يَصِلُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، بِدُعَاءٍ يَرْفَعونَهُ لَهَا، أَوْ صَدَقَاتٍ يُخْرِجُونَهَا عَنْهَا.

وَلَيْسَتْ دِرَاسَةُ الْفَتَاةِ وَلَا وَظِيفَتُهَا أَهَمَّ مِنْ زَوَاجِهَا، فَمَا تَنْفَعُهَا الشَّهَادَةُ وَالْوَظِيفَةُ إِنْ فَقَدَتِ الزَّوْجَ وَالْوَلَدَ؟ وَمَنْ كَانَتْ تَظُنُّ أَنَّهَا إِنْ رَدَّتِ الْكُفْءَ الْيَوْمَ؛ وَجَدَتْهُ غَدًا فَهِيَ مُخْطِئَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَنَاتِ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَكُلَّمَا تَقَدَّمَ بِهَا السِّنُّ عَزَفَ الرِّجَالُ عَنْهَا. وَكَمْ مِنْ مُوَظَّفَةٍ وَمُؤَهَّلَةٍ تَأْهِيلًا عَالِيًا رَدَّتْ يَوْمَ أَنْ كَانَتْ تَدْرُسُ أَكْفَاءَ وَهِيَ الْآنَ تَتَمَنَّى نِصْفَ كُفْءٍ أَوْ رُبْعَهُ فَلَا تَجِدُهُ؛ فَمُوَظَّفَاتٌ وَمُتَعَلِّمَاتٌ كَثِيرَاتٌ يَتَّصِلْنَ بِالْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ، وَالْمُصْلِحِينَ؛ يَطْلُبْنَ أَزْوَاجًا، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَرْضَى مُكْرَهَةً وَعَلَى مَضَضٍ بِمُنْحَطِّ المُرُوءَةِ سَافِلِ الْهِمَّةِ، يَتَقَدَّمُ لَهَا، تَعْلَمُ هِيَ أَنَّهُ مَا تَقَدَّمَ لَهَا إِلَّا طَمَعًا فِي مَالِهَا وَوَظِيفَتِهَا، فَتَرْضَى بِمَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ أَجْلِ مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِدْ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ تَفْرِيطِهَا.

وَأَوْلِيَاءُ النِّسَاءِ عَلَيْهِمْ تَسْهِيلُ أُمُورِ الزَّوَاجِ، وَالتَّخْفِيفُ مِنْ تَكَالِيفِهِ، وَوَضْعُ مَصْلَحَةِ اِبْنَتِهِمْ فِي زَوْجٍ يَسْتُرُهَا وَيُعِفُّهَا وَتُرْزَقُ مِنْهُ وَلَدًا؛ فَوْقَ أَيِّ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ أُخْرَى مِنْ: دِرَاسَةٍ، أَوْ وَظِيفَةٍ، أَوْ كَوْنِ الزَّوْجِ غَنِيًّا أَوْ وَجِيهًا، أَوْ إِقَامَةِ حَفْلٍ لِبَزِّ أَقْرَانِهِمْ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَالزَّوَاجُ يُطْلَبُ بِهِ: السَّتْرُ، وَالْعِفَّةُ، وَالرَّاحَةُ. وَلَا يُطْلَبُ بِهِ: النَّسَبُ، وَالشَّرَفُ، وَالرِّفْعَةُ.

 وَالْعَجِيبُ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَخَّرُ عَنِ الزَّوَاجِ، وَخَاصَّةً الْفَتَيَاتِ؛ وَعِنْدَمَا يُنَاقَشْنَ فِي سَبَبِ رَفْضِ الْأَكْفَاءِ؛ يَقُلْنَ: إِنَّ الزَّوَاجَ قِسْمَةٌ وَنَصِيبٌ، وَهَذَا مِنَ الاِحْتِجَاجِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي للْمُسْلِمِ الاِحْتِجَاجُ بِهِ؛ فَكُلُّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا مَرْبُوطٌ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ لِلْعَبْدِ فِيهِ مَشِيئَةٌ وَاِخْتِيَارٌ – بَعْدَ مَشِيئَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلِذَا حَثَّ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى التَّزْوِيجِ، وَجَعَلَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةً وَاِخْتِيَارًا، قالَ اللَّـهُ -تَعَالَى-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21].

 وَجَعَلَ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، أَمْرَ التَّزْوُيجِ مُوكَلًا بِالبَشَرِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قِسْمَةٌ وَنَصِيبٌ؛ بِالِإجْبَارِ لِا بِالاِخْتِيَارِ؛ لمَا جَاءَ الحَثُّ مِنْهُ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى تَزْوِيجِ الْأَكْفَاءِ؛ فَقَالَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-،: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 فَاللهُ -تَعَالَى- يَأْمُرُنَا أَنْ نُزَوِّجَ الصَّالِحينَ، وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُنَا مِنْ رَدِّ مَنْ يُرْضَى دِينُهُ وَخُلُقُهُ. فَهَلْ تُفْلِحُ فَتَاةٌ أَوْ يُفْلِحُ أَهْلُهَا إِنْ خَالَفُوا أَمْرَ اللهَ -تَعَالَى-، وَأَمْرَ رَسُولِهُ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، برَدِّ الْأَكْفَاءِ الصَّالِحينَ؟

وَإِذَا لَمْ تُرَاعِ الْفَتَاةُ وَأَهْلُهَا صَلَاحَ الزَّوْجِ، فَقَدَّمَتْ غَيْرَ الْأَكْفَاءِ عَلَى الْأَكْفَاءِ لِمَالٍ تُرِيدُهُ، أَوْ لِشَرَفٍ تَطْلُبُهُ، أَوْ لِدُنْيَا تُؤْثِرُهَا؛ فَقَدْ يَكُونُ هُوَ عَذَابُهَا وَشَقَاؤُهَا وَنَكَدُهَا.

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى شُرُوطِ بَعْضِ النِّسَاءِ وَأَوْلِيَائِهِنَّ فِي الزَّوَاجِ، وَتَعْسِيرِهِ بِحَفَلَاتِ الخِطْبَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَقْدِ، ثُمَّ التَّكَالِيفِ الْبَاهِظَةِ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ؛ أَيْقَنَ أَنَّ أَهَمَّ أَسْبَابِ عَدَمِ الِائْتِلَافِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مُخَالَفَةُ شَرْعِ اللَّـهِ -تَعَالَى-، الْآمِرِ بِتَيْسِيرِ النِّكَاحِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ يُمْنِ المَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا" رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: "مِنْ يُمْنِ المَرْأَةِ تَسْهِيلُ أَمْرِهَا وَقِلَّةُ صَدَاقِهَا". قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: وَأَنَا أَقُولُ مِنْ عِنْدِي: وَمِنْ شُؤْمِهَا تَعْسِيرُ أَمْرِهَا، وَكَثْرَةُ صَدَاقِهَا. (رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).

فَكَيْفَ يُوَفَّقُونَ فِي الزَّوَاجِ إِذَا كَانُوا يُخَالِفُونَ شَرْعَ اللَّـهِ -تَعَالَى- فِي رَدِّ الْأَكْفَاءِ، وَفِي شُرُوطٍ يَشْتَرِطُونَهَا مَا أَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى- بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ؟! وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ كَثُرَ فِيهِ الرِّجَالُ، وَقَلَّ فِيهِ النِّسَاءُ لَكَانَ غَيْرَ مَقْبُولٍ، فَكَيْفَ فِي زَمَنٍ أَضْحَتْ فِيهِ الْبُيُوتُ مَلْأَى بِالنِّسَاءِ، مَعَ عُزُوفِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ؛ لِعِظَمِ مَئُونَتِهِ، وَكَثْرَةِ تَكَالِيفِهِ، وَهُرُوبِ بَعْضِهِمْ مِنْ تَحمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَكَذَلِكَ تَسَلُّطِ بَعْضِ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي تَأَثَّرْنَ بِالإِعْلَامِ وَبِنِسَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ.

نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَهْدِيَ المُسْلِمِينَ لِمَا يُصْلِحُ أُسَرَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ، وَأَنْ يُزَوِّجَ شَبَابَهُمْ وَفَتَيَاتِهِمْ، وَأَنْ يُغْنِيَهُمْ بِالنِّكَاحِ الْحَلَالِ عَنِ السِّفَاحِ الْحَرَامِ، وَيُغْنِيَهُمْ بِحَلَالِهِ عَنْ حَرَامِهِ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أمَّا بَعْدُ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ الله، مَعَ تَكَدُّسِ الْبَنَاتِ فِي الْبُيُوتِ، وَعُزُوفِ بَعْضِ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ، وَارْتِفَاعِ أَرْقَامِ الْعُنُوسَةِ وَالْعُزُوبَةِ، فِي الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَدَاعَى أَهْلُ الْغَيْرَةِ عَلَى مَحَارِمِهِمْ وَمَحَارِمِ المُسْلِمِينَ لِإِيجَادِ حُلُولٍ عَمَلِيَّةٍ لِأَدْوَاءِ الْعُنُوسَةِ وَالْعُزُوبَةِ؛ فَإِنَّ المُؤْمِنَ الْحَقَّ مَنْ يَشْعُرُ بِمُعَانَاةِ الْعَوَانِسِ، وَمُعَانَاةِ آبَاءٍ وَأُمَّهَاتٍ تَكَدَّسَتْ بَنَاتُهُم عِنْدَهُم، وَبِمُعَانَاةِ شَبَابٍ عَاجِزِينَ عَنْ مَئُونَةِ النِّكَاحِ.

وَمِنْ وَسَائِلِ ذَلِكَ: تَغْيِيرُ نَظْرَةِ بَعْضِ فِئَاتِ المُجْتَمَعِ تُجَاهَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ الَّتِي شَوَّهَتْهَا المُسْلَسْلَاتُ وَالْأَفْلَامُ، وَكِتَابَاتُ بَعْضِ أَدْعِيَاءِ الْفِكْرِ وَالثَّقَافَةِ، فَشَرْعُ اللَّـهِ -تَعَالَى- يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ عُرْضَةً لِأَخْذِ آرَاءِ النَّاسِ. وَالتَّعَدُّدُ شَرِيعَةٌ مِنْ شَرَائِعِ اللهِ المُحْكَمَةِ، وَهُوَ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَهُوَ الْحَلُّ الْحَقِيقِيُّ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْعُنُوسَةِ رَضِيَ مَنْ رَضِيَ، وَسَخِطَ مَنْ سَخِطَ.

 وَعَلَى المُعَدِّدِينَ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَيُقِيمُوا الْعَدْلَ بَيْنَ نِسَائِهِمْ، فَمَا شَوَّهَ شَرِيعَةَ التَّعَدُّدِ إِلَّا الظَّلَمَةُ مِنَ المُعَدِّدِينَ -وَهُمْ كُثْرٌ- يَمِيلُونَ مَعَ بَعْضِ النِّسَاءِ وَأَوْلَادِهِنَّ عَلَى حِسَابِ الْأُخْرَيَاتِ وَأَوْلَادِهِنَّ، حَتَّى كَرِهَ بَعْضُ النِّسَاءِ التَّعَدُّدَ، وَخِفْنَهُ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ وَبَنَاتِهِنَّ، فَتَمْكُثُ الْعَانِسُ بِلَا زَوَاجٍ؛ لِأَنَّهَا تَخْشَى أَنْ تَأْخُذَ مُعَدِّدًا يَظْلِمُهَا، أَوْ يَظْلِمُ ضَرَّتَهَا بِسَبَبِهَا؛ فَتَبُوءُ بِالْإِثْمِ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَمِنْ وَسَائِلِ ذَلِكَ: تَخْفِيفُ مَئُونَةِ النِّكَاحِ، بِتَخْفِيفِ المُهُورِ، وَالِاقْتِصَادِ فِي حَفَلَاتِ الزِّفَافِ، وَالرِّضَا بِالمَيْسُورِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ الْكَرِيمَ إِذَا رَأَى تَعَاوُنَ أَهْلِ زَوْجَتِهِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ؛ حَفِظَ فَضْلَهُمْ، فَصَانَ اِبْنَتَهُمْ، وَأَكْرَمَهَا، وَأَسْعَدَهَا.

وَمِنْ وَسَائِلِ ذَلِكَ: الْعَمَلُ عَلَى الِاقْتِرَانِ الْحَلَالِ بَيْنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ، بِحَثِّ الشَّبَابِ عَلَى الزَّوَاجِ، وَحَثِّ الْفَتَيَاتِ عَلَى قَبُولِ مَنْ يُرْضَى دِينُهُ وَخُلُقُهُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي فِيهَا بَنَاتٌ، وَتَفْعِيلُ المُؤَسَّسَاتِ المَعْنِيَّةِ بِشُئُونِ الزَّوَاجِ، وَمُسَاعَدَةِ المُقْبِلِينَ عَلَيْهِ.

الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

"اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ".

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...