الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
نعم إنها ليلة عظيمة في قيمة وقتها.. عظيمة في خيرها وما يترتب على العمل الصالح فيها من أجور، عظيمة فيما تشهده من تنزل الملائكة الكرام وعلى رأسهم جبريل -عليهم السلام- وما يصحب تنزلهم من خير وبركة وبر، ولذلك حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على من حُرم خيرها بسبب التقصير أو التفريط أو عدم إخلاص العمل فيها بأنه محروم نعوذ بالله من الحرمان.. فعظمُ وقتها بسبب قيمته الزمنية، فالدقيقة منها في هذه الليالي القصار تساوي قرابة الشهرين.. وليلة القدر كاملة تساوي ثلاثاً وثمانين سنة وثلثًا. وهذه السنين عمر رجل معمر من هذه الأمة...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: كانت بشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في رمضان بشارة عظيمة بما حواه من فضائل لم تذكر في غيره، ومما ذكره -صلى الله عليه وسلم- من فضائل: "لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ لما قال: "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ"، ثم ذكر فضائل منها، "فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" (رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح الإسناد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه).
نعم إنها ليلة عظيمة في قيمة وقتها.. عظيمة في خيرها وما يترتب على العمل الصالح فيها من أجور، عظيمة فيما تشهده من تنزل الملائكة الكرام وعلى رأسهم جبريل -عليهم السلام- وما يصحب تنزلهم من خير وبركة وبر، ولذلك حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على من حُرم خيرها بسبب التقصير أو التفريط أو عدم إخلاص العمل فيها بأنه محروم نعوذ بالله من الحرمان..
فعظمُ وقتها بسبب قيمته الزمنية، فالدقيقة منها في هذه الليالي القصار تساوي قرابة الشهرين.. وليلة القدر كاملة تساوي ثلاثاً وثمانين سنة وثلثًا. وهذه السنين عمر رجل معمر من هذه الأمة.
الله أكبر أيها الإخوة: إن ليلةَ القدرِ ليلةٌ كثيرة الخيرات، شريفة القدر، عميقة الفضل، متنوعة البركات، قد فخّم الله شأنها، وعظم مقدارها فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [القدر:2]، أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم.
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:3]، أي: يعادلُ فضلُها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها خيرٌ من العمل في ألفِ شهرٍ خاليةٍ منها، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ -تبارك وتعالى- على هذه الأمةِ الضعيفةِ القوَّة والقُوَى، بليلةٍ يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر..
وفي هذه الليلة العظيمة (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)، أي: يكثر نزولهم فيها (مِنْ كُلِّ أَمْر) أي: من أجل كلّ أمر من الأمور التي قضى الله بها في تلك السنة.
(سَلامٌ هِيَ) أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي: مبتدؤها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر.
حُق لك يا رسول الله أن تقول: "من حُرم خيرها فقد حرم".. نعم والله لقد حرم..
أيها الإخوة: لو أمر الإنسان بتحرّيها عاماً كاملاً لكانت حقيقة بتحريها في هذا الوقت.! كيف ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر وهو الصادق المصدوق أنها في رمضان.. بل وفي العشر الأواخر منه.. وزادنا تقريباً حينما أمر بتحريها في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة.
ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف، ويُكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر.
أحبتي: سوق التقرب إلى الله في هذه الأيام وخصوصاً العشر الأخير التي ستظلنا قريباً قد راجت، وأبواب عطائه قد فتحت، فهلَّا وَلَجْنَا، ولبابه قرَعنا، وللكسل والخمول طرحنا، ولعظيم جوده تعرَّضْنا؟!.
نقول هذا قبل حلول العشر الأخير من هذا الشهر تذكيراً، ونتواصى باستثمارها من باب: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].
ليالي العشر: ليالي القيام، فلنحرص على أن لا يفوتنا من صلاة التراويح والقيام فيها شيء، من تكبيرة الإحرام حتى السلام من الوتر، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له الصحابة -رضي الله عنهم-: "لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ"، قَالَ: "إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" (رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني). وقال: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (رواه البخاري وغيره).
عجباً لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر تَقُوْلُ عنه أمنا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ"، وأنه كَانَ -صلى الله عليه وسلم- "إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَى اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ" (رواهما مسلم).
و"لَمْ يَكُنْ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه" (رواه التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا).
إذا كان هذا اجتهاده فما بالنا نحن نتقاعس ونضيع الفرص. أسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أيها الإخوة: والمقصود بقول عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَحْيَا اللَّيْلَ أي: يحيي ليلَهُ كلَّه، أي: لا ينام، وكان يحييه -عليه الصلاة والسلام- بعبادات متنوعة مثل الفطور بعد غروب الشمس.
وينبغي للمسلم أن يستشعر وهو يجلس لفطوره أنه يتعبد لله في هذا العمل المحبب له في هذا الوقت، وصلاة المغرب والعَشَاء وصلاة العشاء، وما يتبعهما من رواتب، وتهجد ونقصد به التراويح وصلاة القيام أيام العشر، وكذلك أكلة السحور وما يشرع من سنن وأعمال بر أخرى، كالمكث بالمسجد وقراءة القرآن والصدقة والبشاشة والتوسعة على العيال بالنفقة، وكل عمل يقرِّب إلى الله -عز وجل-، وليس معناه أنه كلّ الليلَ يقضيه في الصلاة والتهجد، بدليل قول عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ" (رواه مسلم).
وقد حدثت صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- زَوْجُ النَبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنها "كَانَتْ تَأْتِيه وكَانَ مُعْتَكِفًا، فَتَزُورُهُ لَيْلًا وَتُحَدِّثُهُ، ثُمَّ تَنْقَلِبَ، فَيَقُومُ مَعَها ليَقْلِبَها". أي ليوصلها إلى بيتها. (رواه ابن حبان وصححه الألباني).
أسأل الله تعالى أن يبلّغنا العشر، وأن يوفقنا لإدراك ليلة القدر، ولا يحرمنا ما فيها من الثواب والأجر.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من ذنب...
الخطبة الثانية:
أحبتي: لا بد من التأكيد على الأسرة بأهمية استثمار أوقات العشر المبارك، والاتفاق على الابتعاد عن كل الملهيات، وتصفية الجو للعبادة والدعاء وعموم الطاعات، ومراجعة النيات لتحويل المباحات إلى طاعات.. فألله الله بذلك.. الله الله بذلك..
ومما ينبغي لنا الحرص عليه المحافظة على صلاة التراويح بكل عزيمة ونشاط.. وصلاة القيام.. ولا نضيع منها تكبيرة واحدة.. أقول ذلك لأني ألاحظ من حال بعضنا أننا نتأخر بالحضور إلى المسجد فتجد بعضنا يقضي بعض الفريضة وربما فاتته كلها..! وهذا والله من الحرمان.. ومنا من ينصرف ويترك بعض التراويح وهي قصيرة ومنا من يجلس لكنه يتباطأ بالقيام وربما انتصفت الركعة ولم يكبّر، وهو بهذا يفوّت جزءًا من القيام، ويضيع على نفسه فرصة التعرض لمغفرة الله –تعالى- بالموافقة في التأمين، وفضل تكبيرة الإحرام ومنا... ومنا...
جميلٌ أحبتي أن نعيد النظر في هذا الواقع ونبدّل حالنا للأفضل لا للأقل.. لعلنا نفوز بإدراك ليلة القدر ونحوز على ما أعده الله لمدركها من الأجر..
أحبتي: وبما أن السهر في رمضان صار سلوكًا اجتماعيًّا عامًّا؛ فهذا يسهل علينا حث الأهل على استثمار ليالي العشر فالكل مستيقظ، ولن نجد عناء في إيقاظهم.. لكن علينا أن نبذل الجهد في إقناعهم وترغيبهم في استثمار الليالي الفاضلة.. ثم الدعاء والثناء لمن بذل منهم جهداً في طاعة أو توجه إليها..
واللهَ الله في بذل الوسع في ذلك بلطف وحب، وأن نكون قدوة حسنة لهم من خلال إظهار الاهتمام في هذه الليالي والحرص على الوقت فيها.. وشغله في الطاعات المتنوعة.. وتأجيل كثير من الأعمال غير المهمة لما بعدها..
قال الله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132]. قال السعدي: أي: حثّ أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل، (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) أي: على الصلاة بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها؛ فإن ذلك مشقٌّ على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادُها على ذلك، والصبر معها دائمًا.
أيها الإخوة: لا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوِّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة.
وإنه لمن الحرمان العظيم، والخسارة الفادحة، أن ترى بعض المسلمين يُمْضُون هذه الأوقات الثمينة بالسهر فيما لا ينفعهم، أو بأمور ليست مهمة، ويمكن أن تُقضى في وقت آخر بعد الشهر الكريم، ويفوّتون على أنفسهم وأهليهم خيرًا كثيرًا لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا أبدًا؛ وهذا من كيد الشيطان، وصدّه لهم عن الخير.
اللهم أقر عيوننا بصلاح أهلنا وذريتنا واجعلنا هداة مهتدين..
وصلوا على نبيكم...